الأربعاء 2024/09/04

آخر تحديث: 18:15 (بيروت)

"إسناد" تقلق إسرائيل: تؤثر في الرأي العام...وباللغة العبرية

الأربعاء 2024/09/04
"إسناد" تقلق إسرائيل: تؤثر في الرأي العام...وباللغة العبرية
من التظاهرات المناهضة لنتنياهو في تل أبيب (غيتي)
increase حجم الخط decrease
يبدو أن الدولة العبرية باتت تدعي "المؤامرة"، على نحو لافت بعد 7 تشرين/أول أكتوبر 2023، لدرجة أنها باتت حاجة رسمية لها، من أجل تحقيق هدفين. فمن جهة، توظفها في سبيل ترهيب الأصوات الإسرائيلية المعارضة للحرب على غزة، وحكم اليمين المتطرف. ومن جهة ثانية، تستخدمها لشيطنة صفحات وأنشطة فلسطينية وعربية في مواقع التواصل الاجتماعي، الهادفة إلى تصعيد الضغط الداخلي الإسرائيلي على حكومة نتنياهو، عبر كشفها لهم، وبلغتهم العبرية، ما أخفاه عنهم ساستهم وعسكرهم بشأن أحداث حرب غزة، والتصعيد الجاري في جبهة لبنان، وساحات إقليمية أخرى.

حالة إنكار
لعلّ هذا ما يُستشف من تقرير بثه التلفزيون العبري الرسمي "مكان"، ركز على نشاط شبكة "إسناد" التي تتخذ من تركيا مقراً لها، بدعوى أنها تستقطب شباناً من الأتراك والعرب لـ"تعميق الشرخ في المجتمع الإسرائيلي، والمسّ بالإسرائيليين عبر الانترنت"!

وقد بدأ التقرير مزاعمه بشأن "إسناد"، ببثّ مقتطف لفيلم قصير، مرفق بأغنية عبرية، في حساب شخص يُدعى "بنيامين أدلير" في تطبيق "تيك توك"، واللافت أن معد التقرير العبري كان حريصاً على عدم الإقرار بأن "بنيامين" هو شخص إسرائيلي فعلاً.. بل زعم أنه يبدو "أصلياً" في الوهلة الأولى، إلا أنه، واقعياً، عبارة عن مقطع مما وصفها بـ"حملة" تنفذها شبكة "إسناد"، والتي تهدف إلى أمرين، وفق تقرير "مكان": أولاً تعميق الشرخ في المجتمع الإسرائيلي، وثانياً وضع نهاية للحرب على غزة.


قول ما يخفيه الجيش
وكي يدعم مزاعمه، بث التقرير مقتطفاً من مقابلة تلفزيونية للقائم على شبكة "إسناد"، يقول فيه إن نشاطهم يهدف إلى قول الكلام الذي لا يقوله الجيش الإسرائيلي، وذلك عبر صفحات بأسماء إسرائيليين، وبلغتهم العبرية. 

ولعلّ ما يستفز إسرائيل هو أن تتحدث صفحات مع الإسرائيليين بلغتهم، وتستهدف تغيير تفكيرهم، ودفعهم لممارسة ضغط على المستويين السياسي والعسكري.. فهذه المهمة لطالما احتكرتها دولة الاحتلال، لاختراق الوعي الجمعي للعرب، ولم تتخيل يوماً أن ينقلب السحر على الساحر، وأن تشرب إسرائيل من الكأس ذاته.

وحسب ادعاء تقرير "مكان"، فإن مؤسسة "فيك ريبورت" كشفت قبل أشهر، أنشطة "إسناد" في موقعي "إنستغرام" و"إكس"، بقيادة المخرج المصري عز الدين دويدار، ووصفته بأنه "مقرب من جماعة الإخوان المسلمين"، وأنه يقوم من مقره في تركيا بـ"تجنيد شباب من البلاد للتأثير في الإسرائيليين خلال الحرب"، عبر نشر مضامين تعمق الخلافات بين الإسرائيليين حيال الحرب.

دوافع إنكار الاختراق
وعمد التقرير إلى إنكار مستمر لمسألة نجاح الشبكة فعلاً في اختراق إسرائيليين، واستقطابهم، كي يبثوا حقائق ومواقف مغايرة لما تبثه المؤسسة الرسمية في تل أبيب، إذ حاول التشكيك مثلاً في صفحة تحمل اسم "روتيم شاكيد"، وفي حقيقة أنه صديق للمحتجز المتوفي في غزة، ألون شمريز، معتبراً أن هدف الصفحة هو "نشر مضامين ضد الحكومة في إسرائيل".

والحال أن الدافع من إنكار وتشكيك الاحتلال في هوية الصفحات الإسرائيلية المناهضة لحرب غزة، هو عدم إقرار الاحتلال بأي نوع من الإخفاق أو الهزيمة في معركة الإعلام والسوشال ميديا، بصفتها موازية للمعركة الميدانية التي تدور رحاها منذ أكثر من عشرة أشهر متواصلة.

وبدا أن هناك سبباً آخر للحملة الإسرائيلية ضد "إسناد"، وقد أشار إليه التقرير الإسرائيلي نفسه، بقوله إن كلاً من الشبكة، والقائم عليها عز الدين دويدار، يزدادان شعبية، لدرجة اعتراف التقرير العبري بأن الشبكة المذكورة أصبحت من أكثر الشبكات رواجا في العالم، وإسرائيل، وخصوصاً في "تيك توك".

تعقب إسرائيلي لعمل "إسناد"
بالطبع، تشدد إسرائيل الرقابة على مثل هذه الأنشطة في العالم الرقمي، محاولة فهم طبيعة عمل شبكة "إسناد"، كوسيلة لإحباط مهمتها، حيث ادعى تقرير "مكان" أنّ الشبكة تجند متطوعين، وتطلب من أي متطوع في بداية الأمر أن يثبت أنه عربي، وأن يشرح أسباب تطوعه، ثم تطالبه بتحميل برنامج عبر تطبيق "تيك توك"، بهدف "إثبات وجوده في إسرائيل، بموازاة إتقانه اللغة العبرية".

وحسب التقرير الإسرائيلي، يقدم القائمون على "إسناد"، مشورة للمتطوع لإقامة حساب في "تيك توك" باللغة العبرية، توطئة لتقديم برنامج عمل للمتطوع، من أجل زيادة رواج حسابه في صفوف "الجمهور اليهودي"، وفق ادعاء التقرير، كأن يستخدم هاشتاغات إسرائيلية رائجة، إلى جانب الاستعانة بأغانٍ عبرية شهيرة.

وبعد ذلك، يتدرب المتطوع على تحميل أفلام تستهدف إسرائيليين في "تيك توك"، وأيضاً متابعة حسابات إسرائيلية، ثم يخضع المتطوع لاختبار يؤهله للانتقال إلى المرحلة التالية، وعليه أن يثبت أنه حمّل فيلماً حصل على 100 مشاهدة على الأقل، وعندها سيتلقى مهمات يومية من "إسناد"، وفق مزاعم التلفزيون العبري.

وتوقف تقرير "مكان" عند ما وصفها بـ"أجواء من التنافس" في مجموعات متطوعي "إسناد"، حيث أنهم مع نهاية كل يوم أو أسبوع، يتشاركون إنجازاتهم من نشر أفلام ومشاهدات عبرية، مروراً بنيلها مشاركات وتفاعلات من حسابات إسرائيلية.

تحذير لمعارضي نتنياهو
وختم التقرير بجملة أخرى رددها مؤسس "إسناد" خلال مقابلة تلفزيونية سابقة، ومفادها أنهم "يهاجمون العدو من خلف خطوطه"، في إشارة إلى طبيعة مهمتهم في شبكة الانترنت. ولعل المقصود باستعراض هذه الجملة هو بث تقرير "مكان" رسالة تحذير تقف خلفها الرقابة العسكرية الإسرائيلية، موجهة لكل إسرائيلي يتعاطى مع "إسناد"، وأي صفحات أخرى تقوم بالمهمة ذاتها، من منطلق أنه بذلك "ينفذ هجمة مع العدو ضد إسرائيل خدمة للفلسطينيين"!

وكان منظم حملة "إسناد"، عز الدين دويدار، قد وضع نشاطهم علناً، في سياق مبادرة شعبية للتدوين بالعبرية، تسعى إلى تشكيل الرأي العام الإسرائيلي، من خلال تقديم تغطية إخبارية موثقة حول العدوان على غزة، وتهدف إلى تحدي القيود الصارمة التي تفرضها الرقابة العسكرية في إسرائيل، بنقل تفاصيل بشأن خسائر جيش الاحتلال، ومسائل تحاول الحكومة الإسرائيلية إبقاءها بعيدة من جمهورها.

"متأثرون قليلون"
رغم هذا، يقول متخصصون في الشأن الإسرائيلي لـ"المدن"، إن الجمهور الإسرائيلي، بنسبته الأكبر، ما زال "يمينياً"، ما يعني أن نسبة الإسرائيليين المتفاعلين إيجاباً مع مبادرة "إسناد" تُعد قليلة. لكن هذا لم يمنع إسرائيل من شن حملة مضادة ضد "إسناد"، وغيرها من الصفحات ذات المهمة المشتركة، ضمن مساعيها لمنع تأثيرها حتى لو على إسرائيلي واحد، خصوصاً أنها باللغة العبرية؛ لأن قلق تل أبيب الرسمي هو أن تصبح هناك زيادة تراكمية لعدد الإسرائيليين المتعرضين لهذه الصفحات والمبادرات الرقمية التي تعدها "عدوة"، وبالتالي نجاحها في اختراقهم، ونسف مفهومهم ونظرتهم تجاه إسرائيل نفسها.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها