الأربعاء 2024/09/04

آخر تحديث: 00:15 (بيروت)

اجتياح الضفة: تحقيق الطموح الإسرائيلي بـ"يهودا والسامرة"

الأربعاء 2024/09/04
اجتياح الضفة: تحقيق الطموح الإسرائيلي بـ"يهودا والسامرة"
نتنياهو عرض خريطة لغزة وإسرائيل لا تضم الضفة الغربية (Getty)
increase حجم الخط decrease
ثمة خلاصة بارزة للعملية العسكرية المستمرة في شمال الضفة الغربية، منذ نحو أسبوع، وخصوصاً في جنين، وهي أن جيش الاحتلال يمعن في تجسيد مشهدية "إيلام الفلسطينيين"، على نحو يكشف أن هدف حملته الأوسع في الضفة، منذ نحو 22 عاماً، تتعدى العناوين الأمنية المعلنة.
ويدلّ تدمير الاحتلال، غير المسبوق، للبنية التحتية في جنين ومخيمها، وأيضاً لطولكرم، على أن استهداف مقومات الحياة وتعقيد حياة السكان، لوضعهم أمام خيارات أخرى، هو هدف مركزي للحملة العسكرية.

"أكبر" من الهدف المعلن!
وحسب شهادات رصدتها "المدن" من داخل جنين، فإن حجم العملية العسكرية أكبر من هدفها المعلن. وأوضح مواطنون أن المدينة ومخيمها يتعرضان منذ سنتين لعمليات عسكرية، أسفرت عن اغتيال عدد كبير من المقاومين، وهو ما جعل شروع الاحتلال بحملته العسكرية الآن، وتبريرها كـ"ضرورة لمنع تكرار هجوم 7 أكتوبر/تشرين أول 2023"، بمثابة أمر "غير منطقي".
وقالت مصادر محلية لـ"المدن"، إن العملية العسكرية تركزت في الأيام الأولى، في الحي الشرقي لجنين، وكان حجمها مبالغ به بالنظر إلى نتائجها، إلى جانب استهداف مصادر المياه في عموم المدينة، لجعل حياة الناس صعبة ومستحيلة، أولاً وأخيراً.
وحتى الأرقام والمعطيات التي أعلنها جيش الاحتلال كحصيلة لعمليته المستمرة، فهي تؤكد أن حملته مبالغ بها عسكرياً بالنظر إلى نتائجها، وتثير سؤالاً مركزياً: "ماذا يريد الاحتلال من الضفة؟".

خريطة نتنياهو.. وخطة "الحسم"
لعل الإجابة يمكن استنتاجها من خريطة استعرضها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ليل الاثنين، في سياق تبرير بقائه في محور فيلادلفيا، بقطاع غزة، إذ خلت الخريطة من شيء اسمه "الضفة الغربية"، في إشارة إلى ضمّها تلقائيا إلى "دولة" إسرائيل.
ويرى الباحث في الشؤون الإسرائيلية عنان سلامة في حديثه لـ"المدن"، أن العملية العسكرية الكبيرة في شمال الضفة، متصلة بخطة وزير المالية الإسرائيلية بتسلئيل سموتريتش، التي حملت عنوان "حسم الصراع"، وهي خطة تبنتها الحكومة الإسرائيلية برئاسة نتنياهو.
ووفق سلامة، تقضي الخطة بسيطرة كاملة على الضفة، وتُنفذ بشكل متدحرج، مبيناً أن أحد أهداف إنهاء المقاومة في شمال الضفة، هو إعادة مستوطنات تمّ إخلاؤها من جانب واحد عام 2005، وهو مطلب يصرّ عليه المستوطنون الذين وصلوا إلى الحكم في إسرائيل.
ويشير إلى أن حكومة نتنياهو تتعامل مع التوقيت الحالي، كفرصة نادرة، لفرض خطتها المفصلة، وتسريع تطبيقها الذي بدأ فعليا منذ سنوات، بينها تجفيف المصادر المالية للسلطة الفلسطينية، توطئة لانهيارها، أو تحويلها إلى جسم إداري محلي لا معنى له.

"الحكاية في يهودا والسامرة"
وتنسجم الخطة الإسرائيلية الرسمية مع شعار يردده المستوطنون، ومفاده أن "القصة اليهودية في يهودا والسامرة"، أي أن أصل الصراع وحسمه يبدأ من الضفة، وينتهي فيها.
ويؤكد مدير برنامج "دراسات إسرائيل" في مدى الكرمل امطانس شحادة أنه لا يمكن الفصل بين الهجوم الإسرائيلي على الضفة، والعقيدة السياسية لليمين المتطرف، والذي يرنو إلى ضم الأراضي المحتلة عام 1967، وتوسيع الاستيطان وتعميقه.
ويوضح شحادة لـ"المدن"، أن غالبية الوزراء الإسرائيليين يؤيدون ضم الضفة، وأن الهجوم على شمالها يُسوَّق كـ"حاجة أمنية إسرائيلية"، لكنه يحمل أهدافاً أيديولوجية وسياسية، تتمحور حول نسف إمكانات الحل السياسي للقضية الفلسطينية، ومنع إقامة دولة فلسطينية.

سيطرة متدحرجة
بدورها، تقرّ أوساط في السلطة الفلسطينية بأن استراتيجية الاحتلال الجديدة بخصوص الضفة، وهي "التحول من الردع، إلى المنع"، والتذرع بـ"الخطر الإيراني"، بينما هي عملية متدحرجة لفرض السيطرة الشاملة على الضفة، بدءاً من شمالها.
 وقال مسؤول فلسطيني في رام الله لـ"المدن، إن الاحتلال يركز في حملته على مثلث جنين-طولكرم-طوباس، بهدف التسهيل العملياتي لخطة نتنياهو-سموتريتش، لعودة المستوطنات إلى المنطقة الشمالية للضفة.
واعتبر المسؤول أن عمليات الاحتلال في مخيمات طولكرم وجنين، أجبرت كثيرين في الشهرين الماضيين على ترك منازلهم، وأن العدد زاد جراء العملية الحالية، ما يجعل كابوس التهجير حاضرا بقوة.
ويحذر القيادي من مخطط إسرائيلي لتهجير نحو 750 ألف فلسطيني من سكان الضفة لديهم "رقم وطني أردني"، وذلك بإجبار هذا العدد الذي يشكل 25 في المئة من سكان الضفة، على الانتقال إلى الأردن.
3 عوامل.. للتنفيذ
وتبدو حكومة نتنياهو مستفيدة من ثلاثة عوامل، لتسريع مخططها: عدم تأثرها بالموقف الدولي، واستغلال قرارها بإلغاء "فك الارتباط" الذي أخليت بموجبه مستوطنات في شمال الضفة وغزة قبل 19 عاماً، إضافة إلى تمكين المستوطنين من استهداف القرى المحاذية للمستوطنات، لـ"تطهيرها" من السكان الفلسطينيين.
وكان نتنياهو قد أعاد تشكيل "الإدارة المدنية" التابعة لجيش الاحتلال في شباط/فبراير 2010، لتكون هي المرجعية لكل شيء في الضفة الغربية، وليس السلطة، وهو ما يبرز خطته المتدحرجة، وانسجامها مع خطة سموتريتش، لدرجة انصهارهما كخطة موحدة لحسم ضم الضفة.

بعد ديمغرافي
وخلال عشرة أشهر، رحّل الاحتلال نحو 31 تجمعاً سكانياً فلسطينياً في جنوب الضفة، ومنطقة الأغوار والسفوح المطلة عليها، في مقابل إقامة المستوطنين أكثر من 20 بؤرة استيطانية، وسيطرتهم على أراضٍ وشوارع إضافية، وفق الخبير في شؤون الاستيطان عبد الهادي حنتش.
ويؤكد حنتش لـ"المدن"، أن نتنياهو أعلن قبل سنوات عن مخطط استيطاني لبناء أكثر من 100 ألف وحدة استيطانية في غضون 3 سنوات، وجلب مليون مستوطن للإقامة فيها. وهذا معناه أن نتنياهو يلعب على العامل الديمغرافي، عبر جعل المستوطنين أغلبية تفوق فلسطينيي الضفة.
وبمنظور حنتش، يسعى الاحتلال عبر حملته في شمال الضفة، واعتداءاته في وسطها وجنوبها، إلى رسم خرائط جديدة، وحشر السكان الفلسطينيين في "أقفاص"، ضمن عملية ضم الضفة على مراحل.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها