الجمعة 2024/08/09

آخر تحديث: 12:01 (بيروت)

طلاب المسرح السوري...من أفينيون إلى متحف الدفاع المقدس الإيراني

الجمعة 2024/08/09
increase حجم الخط decrease
منذ قيام وكالة "سانا" الرسمية التابعة للنظام السوري، بنشر صور لزيارة وفد من المعهد العالي للفنون المسرحية إلى طهران، صباح الخميس، ظهر أن ثمة فئة واسعة من السوريين، لا سيما في الوسط الفني والثقافي، مصدومة بما يجري! وبينما تركزت ردود أفعال البعض على مهاجمة عميد المعهد د.تامر العربيد، والتركيز على مواهبه المتواضعة، إن كان في الإخراج المسرحي أو في إدارة المؤسسات الثقافية، حظيت قصة ارتداء طالبات قسم التمثيل أغطية الرأس، أثناء حضور بعض الاجتماعات، بمواقف مستنكرة للحال الذي آلت إليه الأمور في واحدة من أعرق المؤسسات التعليمية الفنية السورية.
 
لم يكن المعهد المسرحي ومنذ تاريخ تأسيسه منغلقاً على نفسه، بل إن جزءاً كبيراً من السمعة الجيدة التي شكلها، جاءت من تولي أسماء مهمة في مجالها، إدارة العملية التعليمية والفنية، وتشكلت معارفها في الغرب، ولا يمكن أن تسير بشكل صحيح إن لم تفتح أبواب ونوافذ عقول الطلاب على الفضاءات المختلفة داخل الحدود وخارجها. وضمن هذا السياق، كرست عمادة المعهد المسرحي لفترة طويلة، حصة راسخة لها في كل الاتفاقيات الثقافية التي كانت تُعقد بين سوريا ودول أخرى، إن كان عبر استضافة الخبراء، أو استقبال الأسماء المهمة في عالم الدراسات المسرحية، وصولاً إلى الاستفادة من المنح التي تقدمها المؤسسات الغربية لحضور المهرجانات أو المشاركة في ورش العمل. 

حظي المعهد ولفترة طويلة جداً باحترام السوريين، والعرب والأجانب، ولهذا كانت فرص الزيارات تتسع بناء على سمعته الطيبة، ومن بينها كانت تلك المشاركة الأثيرة، لأربعة أو خمسة طلاب، كل عام، في مهرجان أفينيون المسرحي الدولي في فرنسا، وهو أحد أعرق المهرجانات في العالم.


في صيف 1992، زار كاتب هذه السطور مهرجان أفينيون، وكان الأمر أشبه بمفاجأة غير محسوبة، فالإجراء المتبع ينص على أن يحظى طلاب التخرج، أي السنة الرابعة، بفرصة الزيارة، لكن المكتب الثقافي الملحق بالسفارة الفرنسية، كان يؤكد على ضرورة أن تتوافر لدى المرشحين أوّليات اللغة الفرنسية. ولسبب ما، لم يكن كل المرشحين يمتلكون هذه الأوليات، فشغر مقعد واحد، وجرى ترشيح طالب من السنة الثالثة كي لا تُهدر المنحة، وكنت أنا ذلك الطالب الذي خرج للمرة الأولى من سوريا، ليشاهد أهم العروض المسرحية في قصر الباباوات وفي صالات المدينة، وليكتب عنها في مجلة "الحياة المسرحية"، في ذكرى يحتفظ بها طيلة عقود، قوامها الشعور بالامتنان للمعهد الذي كان.

التجربة الشخصية ليست هي المعيار بالتأكيد للحديث عن الفرص. لكنها، وبنظرة من الأعلى، تقدم للقارئ تصوراً عن العتبة التي كان طلبة المعهد المسرحي يصلون إليها كل سنة. ولهذا فإن المفارقة التي صنعتها زيارة وفد المعهد، إلى طهران، تبدو كبيرة، وهي لجهة التفكير بالحيثيات تبدو أطول من المسافة بين المدينتين... أي أفينيون وطهران! 

فالتفاصيل هنا كثيرة، تبدأ بما نشرته جريدة "المدن" طيلة الفترة السابقة، عن حجم الاختراق الإيراني للثقافة السورية، وعن دأب المسؤولين الإيرانيين والسوريين على تبادل الزيارات، من أجل وضع الاتفاقيات الثنائية موضع التنفيذ، مع تركيز عالٍ على الجوانب الفكرية والتعليمية. إذ يبدو، ومن خلال النمط السلوكي الإيراني، أن القضايا الاقتصادية تتحمل التأخير، مقابل أن يلتحق قطاع تعليمي ومؤسسات أكاديمية بالشرايين الإيرانية، التي لن تنقل بالتأكيد لطلاب الفنون الخبرات بقدر نقلها للعقلية والنهج الفكري. خصوصاً أن ثمة انفصالاً تاريخياً بين النتاجات الفنية الإيرانية المهمة التي تمثل آراء صنّاعها الحرة، وبين المؤسسات الثقافية التي تمثل أداة سيطرة "الحرس الثوري" على الفنون. أي أن ما يمكن توقعه من الزيارة، لن يعدو كونه فرصة التجوال في الأمكنة، مع الحرص على أن ترتدي النساء غطاء الرأس المناسب.

هنا قد يسأل أحد ما، عن الفائدة من مهاجمة الزيارة، طالما أن الفرص المتاحة أمام الطلاب، وبعد سنوات من الحرب، صارت معدومة، ولم يبق أمامهم سوى أن يستفيدوا مما توفره لهم دبلوماسية لبانة مشوح وزيرة الثقافة؟! 

ربما لا تكفي الانطباعات المرسومة على وجوه الزائرين في الصور، لتقديم الإجابة، فهي حيادية بطريقة أعلى من المعتاد، ولا تعطي الإحساس بالسعادة المرتجاة، لأن السؤال المنطقي الذي يطرحه حتى أولئك الذين لا يهتمون بالمضامين، يقول: وماذا سأكسب من زيارة إيران؟ هل سأستفيد مادياً من بلد يعاني أهله أزمة اقتصادية طاحنة؟ هل ثمة أمكنة سياحية تفرح القلب يمكن أن يتضمنها البرنامج؟ غير أن السياق الرسمي لا يشي بإجابات تسر من يطرح الأسئلة، لكنها تقود إلى أخرى. فإذا كان المتدينون يفرحون بزيارة المدن المقدسة، وإذا كان أعضاء محور الممانعة يفرحون بزيارة المرشد الأعلى للثورة ولثم يده، فما الذي يُفرح طلاب المعهد المسرحي في زيارة "متحف الدفاع المقدس"، أو اللقاء بالممثل كوروش زارعي، الذي اشتهر بأداء شخصية رئيسية في مسلسل "النبي يوسف"؟ 

ويبقى للسخرية مكان هنا، إذ علق أحدهم بالقول: عليهم أن يأخذوا علبة حلاوة للمخرجين السينمائيين المعتقلين، كما في طقوس زيارة السجون السورية...
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها