الإثنين 2024/08/05

آخر تحديث: 11:37 (بيروت)

عن الجيش السوري الأبدي

الإثنين 2024/08/05
increase حجم الخط decrease
مر يوم الأول من آب مختلفاً، هذه السنة، على المؤسسات الثقافية السورية الخاضعة لسيطرة النظام، إذ صدرت التوجيهات، بأن تشارك بكل إمكاناتها، في إحياء المناسبة، أي عيد الجيش.
 
خلال الأيام التي تلت هذا الموعد، بدأت الصفحات الخاصة بالمراكز الثقافية والاتحادات والجمعيات في المحافظات، تنشر الصور، عما أبدعته قرائح الشعراء، من قصائد، ألقاها أصحابها من المنابر، وأيضاً للأمسيات الموسيقية والغنائية. 

كما أفردت وزارة الثقافة حيزاً لمنتجاتها، حيث شاهد الجمهور فيلماً مكرساً لحكايات "أمهات شهداء أبطال الجيش العربي السوري" حمل عنوان (الأم السورية شمس لا تغيب) بتوقيع عوض القدرو مخرجاً.

وعلى غير العادة، غاب اتحاد الكتّاب العرب، ولم تظهر له مشاركة في المناسبة، رغم أن منطق أحواله يقول بضرورة ألا يتجاهل أن جزءاً غير قليل من أعضائه، كانوا في ما سبق تفرغهم للأدب، ضباطاً أو من فئة صف الضباط في الجيش، أو في قوى الأمن الداخلي أو في الأجهزة الأمنية! وربما يعود الأمر إلى انشغال رئاسة الاتحاد، بمتابعة الأوضاع المتدهورة في المنطقة، وترقب ما يمكن أن ينجم عن الاعتداءات الإسرائيلية على بلدان محور المقاومة والممانعة.

اقتران الأدب والثقافة بالجيوش ليس أمراً نادراً، بل إن سؤالاً عن لائحة ما للأدباء الذين خدموا في الجيوش أو كانوا ضباطاً فيها، سيفضي إلى إجابات لافتة، تحكي عن شخصيات أدبية مهمة عاشت تجارب مهمة في حيواتها، وكتبت عنها، وروت حكايات عن شخصيات، خاضت في مآسٍ فرضتها الصراعات المسلحة، ضمن نطاق ما يسمى بالأدب الحربي، في الشرق والغرب.

لكنه في سوريا، يبتعد عن المنطق، الذي يحكم علاقة الأدباء بالجيوش وبالحروب التي ينتج عن تبعاتها أدب يحكي عنها، فهنا يشعر المرء بأن البلاد كلها تعيش على إيقاع الجيش، ففي رحم هذه المؤسسة، نشأت قوى الاستبداد، التي عاثت في المجتمع والحياة العامة تخريباً وتدميراً وإمحاءً. منذ العام 1949، أي تاريخ أول انقلاب عسكري، شهدته البلاد، وحتى اليوم، صارت يد العسكر فوق كل شيء، وهي حكماً فوق الثقافة والمثقفين، وفي طريقها السهل نحو رسم مشهد الحياة اليومية، وفق ما ترى وتشتهي عقول ضباط الجيش، لن يكون صعباً عليها أن تختار ما يناسبها في كل الفضاءات، طالما أن هؤلاء يعتقدون بأنهم أصحاب العزيمة والإرادة، بينما لا يصلح الآخرون لشيء، وفق رأي أديب الشيشكلي، الذي نقله الراحل د.سامي الجندي في كتابه (البعث)، حيث يروي أنه التقاه في نادي الضباط في العام 1948، وجرت بينهما محادثة ملفتة، يقول الجندي: "انقلب المقدم أديب الشيشكلي الهادئ الصامت إلى ذئب كاسر يعض على الكلمات عضاً، تومض في عينه شهوة قتل، يقبض على كأسه ويتكلم وهو يشير به ثم يشرب. رمى الرئيس القوتلي بأشنع كلمات الهجاء فأذهلني قاموسه. لم أكن أعلم أنه يحيط بهذا الغزير من الشتائم. جاء دور حزب الشعب فنكل بكل أعضائه تجريحاً، قال: إنهم لا يستطيعون حكم بيت دعارة، لكنهم سيصلون إلى حكم سورية لأننا أغبياء. ثم انتقل إلى البعثيين فوصمنا بالجبن والكذب فاعترضت وقمت منسحباً فتشبت قائلاً: إني أمزح، أنتم طيبون، مصيبتنا بكم أنكم خياليون، نحبكم ولا نثق بقدرتكم على ادارة مدرسة ابتدائية"! (انظر "البعث" ص 66).

وفي وقت ما سيصدر الجيش مجلات عديدة، كالجندي وجيش الشعب، وستصدر وزارة الداخلية مجلة الشرطة، وسيصبح من مستلزمات السيطرة، أن يأتي القادة بعدد من الأدباء ليحرروا لهم مجلات أخرى يصدرونها ضمن البرستيج المطلوب. وكمثال على هذا، يتذكر الجميع مجلة الفرسان، التي أصدرها رفعت الأسد، لتكون واجهة ثقافية وأدبية لميليشيا سرايا الدفاع.
ليس مهماً في هذا السياق ذكر أسماء الأدباء الذين كتبوا في هذه المجلات، ففي زمن الأيديولوجيا كانت الجيوش أيديولوجية أيضاً، تجر في صفحات أدبياتها كل من رأى في الأمر مساهمة نضالية، وفي زمن انعدام وزن كل المعاني الوطنية للمؤسسة العسكرية، كان البعض مضطراً للكتابة فيها، أثناء تأديته الخدمة الإلزامية، سعياً منه للتخلص من الظروف السيئة التي يلاقيها أصحاب القلم في ساحات التدريب، بين الغبار والحر، وقعقعة السلاح، وأصوات الطلقات في ميادين الرماية.

في منتهى الكلام، وبعد مرور سريع على ما ظهر من احتفالات مفتعلة هنا وهناك، يلحظ المتابع أن "الأبد" الذي كان ما زال يَسِم حُكم الأسديين، كفكرة راسخة، هو صورة أخرى من صور الجيش. فبعد 13 سنة من انطلاق الثورة السورية، صار لدى جمهور المؤيدين أسطورتهم التي يكررونها، ويرمونها في وجه كل من ينتقد حكم العائلة. فبالنسبة إلى هؤلاء، الجيش هو ولي النعمة، وهو الحامي، والمضحي، وهو واهب الحياة، ولولاه، لكانت سوريا الآن، تعيش تحت حكم الدواعش والمجرمين!
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها