الأحد 2024/08/04

آخر تحديث: 11:31 (بيروت)

ريم الجندي..كنت أبحث عن وهم يريحني ووجدته في الماء

الأحد 2024/08/04
increase حجم الخط decrease
تحت عنوان "ملمس الماء" The texture of water، تعرض ريم الجندي مجموعة من الأعمال لدى غاليري "أجيال"(الحمرا- بيروت). اللوحات المعروضة ذات أحجام متوسطة وكبيرة، منفّذة بتقنية الأكريليك، هذا بالإضافة إلى عدّة منسوجات صغيرة الحجم صُنعت بتقنيات مختلفة. وكما يُستدل من العنوان، فإن الماء يقع في صلب الأعمال التي تؤلّف المعرض الذي نحن في صدده.
 
بيد أن الماء، كعنصر طبيعي تستحيل الحياة من دونه، ويمثل حضوره في عمل الفنانة حاجة لا مفر منها، ليس سوى أحد العناصر المكوّنة للموضوع في مجمله. هذا، مع العلم أن تمثيل المياه شكّل دائمًا تحديًا للرسامين والفنانين في جميع الأوقات. وفي الواقع، إذا كان الماء كسائل يسهل فهمه نسبيًا، ولكن من الممكن أن يظهر في حالات مختلفة، اعتمادًا على ما نسعى إلى معالجته.
هل هو الماء كامتداد، كحجم، كسطح، كحد، كمادة، كخط أفقي؟ أو، مرة أخرى، هل يتعلق الأمر بإظهار ماء هادئ أم مضطرب، ماء راكد أو منتشر، مع أو من دون انعكاسات؟ هل هو شفاف أم معتم، وما هو لونه؟ أسئلة كثيرة تظهر مدى الصعوبات التي واجهها الفنانون، عندما سعوا إلى إظهار سمكة في الماء، أو قارب على السطح، على سبيل المثال. هذه الأمور في مجملها سنجد لها إنعكاساً، بطرقة أو بأخرى، في أعمال ريم الجندي الماثلة أمامنا، والتي تقول في تعريف أعمالها "كنت ابحث عن وهم يريحني ووجدته في الماء".

الناظر إلى الأعمال المعروضة سيدرك أن حوادثها تجري في مكان واحد. لم يأتِ النص، المترافق مع المعرض، الذي كتبته ريم إلاّ ليثبت هذه الواقعة. رحلة إلى زاوية بعيدة، نسبياً، من ضوضاء العاصمة الذي لا نهاية له، مع ما يمليه السكن في شقة من سلوك يومي لا يخرج عن نطاق العاديات، أدّت إلى استنباط التيمة التي سارت عليها الفنانة في مجموعتها، التي طغى عليها الأزرق، الذي لا مفر منه. خطرت في بالنا كلمات أغنية New Horizons من ألبوم Seventh Sojourn لفريق Moody Blues "الطيب الصيت"، من ناحية تقدير شخصية، والذي لا يعرفه الكثيرون من شباب اليوم، حين يرد في الأغنية المذكورة: "أين هذا المكان الذي وجدناه؟ / لا أحد يعرف إلى أين نحن متجهون / أشتاق إلى سماعه / أحتاج إلى رؤيته / لأنني ذرفت الكثير من الدموع"، ومن ثم في الأغنية نفسها: "الناس يعبدون الشمس / وجميع الأطفال يشيرون إلى السماء".


ما من شك في أن ريم الجندي تولي مسألة التأليف أهمية واضحة. قد يكون للطبيعة "هندستها" الخاصة، لكنها لا تشبه الهندسة التي يصنعها الكائن البشري. هذا الكائن صنع المكان الذي يضم مسبحاً ومبنيين اثنين وأشجار نخيل قليلة العدد. ثم جاء دور ريم كي تنتج لوحة تأخذ ما تأخذه من طبيعة المكان وحيثياته، كي تعيد صوغه في لوحتها تلك عبر زوايا منظور مبتكرة، لم تعتمد نقطة تلاشي واحدة point de fuite، من حيث موقع الناظر، تماشياً مع ارتفاع الأفق العادي تارة، أو بعيداً منه تارة أخرى. (جاء استعمال بعض التعابير الأجنبية اضطرارياً، هنا أو أعلاه، من أجل إيضاح الأسماء والمعنى، وليس من قبيل فذلكة ما). وقد ترافق هذا الأمر، المتعلّق بالتأليف وكيفية بناء اللوحة، مع الموقع الذي تحتله الشخصيات في اللوحة (هي في معظم الأعمال شخصية واحدة، نخمّن أنها تشير إلى الفنانة نفسها) والذي أتى جريئاً في معظم الأحيان، كعنصر مكمّل يطمح إلى أن يكون أساسياً حيناً، أو أن يصبح جزءاً من المشهد العام أحياناً أخرى.
أما الأزرق المائي، الحاضر بدوره في الأعمال كلّها، فلم يتخذ صفة لونية واحدة، ما يعتبر مسألة بديهية. هذا الحكم ينطبق على طبيعة اللون نفسه، كما على نسيجه، بما يتوافق مع أوقات النهار، وربما مع الهواء الذي يحرّك سطحة، أو القامة الإنسانية المحرّكة لتموجات عابرة.
الجدير ذكره أن القامات الإنسانية ليست بالضرورة على تعاكس مبين مع الأزرق البارد، بل ربما اتخذت القيمة اللونية نفسها إذا دعت الضرورة. كما أن ذلك كلّه لا يرتكز على استنساخ لما يمكن أن تكون عليه صفة الماء أو الشخصية الإنسانية في عالم الواقع، بقدر ما يعكس لازمة فنية من جهة، ومزاجية لحظوية من جهة أخرى ربما. 

(*) "ملمس الماء": حتّى 31 آب (أغسطس)- غاليري "أجيال" (بيروت - الحمرا).
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها