الجمعة 2024/08/30

آخر تحديث: 13:07 (بيروت)

منزل بيتينا بدر... نقطة صغيرة في خريطة العالم

الجمعة 2024/08/30
increase حجم الخط decrease
تعرض بيتينا خوري بدر، مجموعة من الأعمال لدى "غاليري تانيت" (مار مخايل – الجميزة، بيروت). اللوحات المعروضة بعضها ذو حجم كبير، ومنفّذ بتقنيات مختلطة ومختلفة، وبعضها الآخر ذو حجم صغير ومنفّذ بتقنية الألوان المائية (الأكواريل). واتخذ المعرض عنوان "مذكّرات السماء" Sky Diary.

 

"منزلي هو نقطة صغيرة في خريطة العالم؛ والاضطرابات المستمرة تشكل هويته. من هذه النقطة، أنظر وأتأمل سطحًا أزرق بعيدًا. مفتونة بمادته ولونه غير المحدود، أستمر في تسجيل تفاصيل دقيقة عنه". تفيد الفنانة في النشرة المرفقة بالدعوة إلى المعرض، في إشارة إلى النقطة المركزية، الواضحة، أو المستترة وراء غشاء الرمز، في معرضها الحالي.

يقول الكاتب والروائي البلجيكي جان كلود بولوني Bologne، في بحثه المستفيض عن تيمة السماء في الفن التشكيلي، أن ثمة ما لا يقل عن أربعة مفاهيم متميزة للسماء في الفن منذ العصور القديمة: السماء المادية المرئية والمحسوسة (يمكن الوصول إليها من خلال الحواس) وهي التي نراها وتشكل خلفية المشهد، زرقاء تقليديًا في الطقس الجيد، ويمكن أن تتخذ بُعداً رمزياً إذا كان واضحاً أو مغطى.

والسماء الروحية أو الصوفية، التي تترجم المفاهيم الدينية، مغمورة بنور سماوي فائق، ذهبي في أغلب الأحيان. أمّا السماء العلمية فتعكس مفاهيم الفلكيين والتي يتغير تمثيلها باختلاف علوم العصر. والسماء المجازية، التي تملأ الفضاء السماوي بشخصيات خيالية، مستعارة بشكل عام من الأساطير القديمة.

لقد شئنا أن نذكر هذا المقطع في كلّيته كي نقول إن أعمال خوري بدر، المعروضة في "غاليري تانيت"، تبدو وكأنها أخذت، بشكل من الأشكال، ببعض ما ورد في المقطع المذكور، ولو على نحو تتراوح نسبته ودرجة الغوص فيه، قليلاً أو كثيراً، بين مفهوم وآخر من المفاهيم المذكورة.

ولعل أبرز مثال على التنوّع في النظرة إلى موضوع السماء هي تلك الأعمال "الفسيفسائية"، التي سمّتها الفنانة "بيت 1" و2 و3. لوحات كبيرة، وكل منها يتألف من مجموعة متلاصقة من الأعمال الصغيرة التي تدور حول الموضوع الواحد. مربّعات مختصرة من حيث مضمونها وصناعتها تؤلّف ذاك العالم السماوي الفسيح. أرادت خوري بدر أن ترى السماء، وحتى الأرض، في أحوالهما وطقوسهما المتبدّلة، مستعينة باللون كعامل أساسي في تحديد اللحظة المزاجية، في حين ينحسر دور الرسم في حد ذاته، وتقتصر مفاعيله على بعض الخطوط. وفي كل الأحوال لا يعود للرسم مكان وازن في هذه الحالة، إذ يتكفّل اللون بهذا الدور من دون معوقات. لجأت الفنانة في أعمالها إلى وسائط مختلفة، لكن لا بدّ من ملاحظة العلاقة الوثيقة التي تجمع بينها وبين الألوان المائية. القطع – الأوراق صغيرة الحجم يسيل عليها الأكواريل، إستناداً إلى معرفة بحيثيات هذه التقنية البعيدة من السهولة، وهذه القطع الصغيرة سيتكوّن منها الشكل الفسيفسائي، المذكور سلفاً. فقد "تطور العمل تدريجيًا من دراسات الألوان المائية إلى سلسلة من اللوحات الشبكية حيث تضيء السماوات الصغيرة الفضاء التصويري. النمط هو لغز بصري، كل شبكة لها جزء من الصورة يتناقض أو يتناغم مع القطع المجاورة لها مما يخلق نسيجًا كليًا"، على ما تقول خوري بدر.


يبقى أن المنزل، يقع، من وجهة نظر رمزية أكثر منها شكلية وواقعية، ضمن مربع أو دائرة في تلك الشبكة الواسعة "كنقطة زرقاء هشة أخرى في حقل كوني كبير"، بحسب الفنانة. هذا "البيت" ليس مجالاً هامشياً للوجود الإنساني، بل على العكس تماماً. إذ في ما يخص المنزل، كان مفهوم الإنسان والحياة الطيبة والسياسة، على المحك، وقد فهم الفلاسفة الطوباويون أهميته الحاسمة بشكل خاص. سواء كانت المدينة الفاضلة لمور، أو مجتمع شارل فورييه، أو مدينة الشمس في كامبانيلا، أو الأنماط الأثيرية لكابي (Étienne Cabet، مفكر سياسي فرنسي)، فإنهم جميعًا يقدمون مفهوماً للمنزل يترافق مع مشروعهم الإنساني ويدعمه.

إضافة إلى الأعمال الكبيرة، فقد لفتت انتباهنا تلك الأعمال الصغيرة الحجم، المنفّذة بدورها بتقنية الألوان المائية. مَشاهد لا عناصر كثيرة فيها، ولم تستغرق صناعتها سوى جلسة واحدة بصحبة اللون والورق، لكنها تختصر شعوراً قد يكون لحظوياً، أو ربما أتى نتيجة تأمل في أحوال الطبيعة بسمائها وأشجارها، والبشر، بطبيعة الحال، وذلك بالرغم من عدم تضمينها أشكالاً بشرية.

(*) يستمر المعرض حتى 3 تشرين الأول/أكتوبر في "غاليري تانيت" – مار مخايل، الجمّيزة، بيروت.

 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها