الإثنين 2024/07/08

آخر تحديث: 10:10 (بيروت)

سلمان رشدي في مواجهة السكين

الإثنين 2024/07/08
سلمان رشدي في مواجهة السكين
حتى الذين أعجبهم كتاب "السكين"، يرون أنه نهايته جاءت سريعة ومسلوقة
increase حجم الخط decrease
يقوم كتاب سلمان رشدي الجديد "السكين" على محاولة الفصل بين حياتين، حياة الكاتب، وحياة مرتكب محاولة القتل الشاب اللبناني هادي مطر، الذي هاجمه على المنصة في نيويورك في 12 آب 2022، وسدد له خلال 27 ثانية قدراً من الطعنات بهدف قتله. ويقف رشدي قبل كل شيء حيال حالته ككاتب في هذا الموقف "لقد حدث لي شيء هائل، وغيّر خيالي.. وحتى أتعامل مع الهجوم، لن أتمكن من كتابة أي شيء آخر". وهذا أدى إلى تأجيل نشر روايته الخامسة عشرة، "مدينة النصر"، التي كانت مُعدّة للطباعة.

يرفض رشدي في الكتاب كل ما يمكن أن يجعله يعترف بالقاتل، ويترك للسكين أن تخبرنا عن الوجهين، الكاتب ومرتكب الجريمة، "لم تعد لدي القدرة على تخيله، تمامًا كما لم تكن لديه القدرة على تخيلي أبداً". ويترك للهجوم بالسكين، أن يخبر القارئ، بكل ما يحتاج إلى معرفته عن الحياة الداخلية للشاب، الذي يسميه "قاتلي" أو "الذي أوشك أن يكون قاتلي" ويصر على التعامل معه كنكرة، "لا أريد أن أستعمل اسمه في هذا السرد".

أمضى الكاتب ومرتكب الجريمة أقل من نصف دقيقة فقط معاً. ويرى رشدي أن ذلك يكفي كي يبقيا مقيدَين إلى بعضهما البعض مدى الحياة. وعلى هذا يقوم بإعادة ترتيب التفاصيل، التي استبقت الجريمة وبنَت هذا المسار. فمرتكب الجريمة ألغى عضويته في صالة الملاكمة في الليلة التي سبقت مجيئه إلى "تشوتوكوا"، حيث هاجم رشدي. ويقول الكاتب إنه "كان ينهي حياته الصغيرة أثناء محاولته إنهاء حياة المؤلف". ويتعجب رشدي بحزن من حقيقة أن حقيبة مطر في صباح يوم الهجوم كانت مليئة بمجموعة متنوعة من السكاكين، كما لو أن الشاب، كان ينتظر الاختيار الأخير في ذلك اليوم، حيث يختار الطاهي الأداة المناسبة.

في فصل من الكتاب، يتخيل رشدي نفسه، وهو يجري سلسلة من المحادثات مع هادي مطر في سجنه. ويحوّله إلى شخصية أدبية "لجعله حقيقياً"، ويتساءل عما إذا كان هل هو مثل "ياجو" في مسرحية شكسبير "عطيل"، الرجل المهان الذي تحول إلى خائن وشرير ومدمر، أو لافكاديو في فيلم الكاتب الفرنسي أندريه جيد "مغامرات لافكاديو"، الذي يقتل "بلا سبب على الإطلاق". وينقل عن لسان قاتله الخيالي، الذي يقول له "أنت مجرد شيطان صغير"، إن "الإمام اليوتوبي جعله متطرفاً".

وجه آخر من المأساة، يظهر في ما بات معروفاً، عن الزيارة التي قام بها وكيل رشدي، أندرو ويلي، للكاتب بعد أسابيع قليلة من حادثة الطعن بالسكين، والذي كان في فترة نقاهة. وقال له "في النهاية ستكتب عن هذا بالطبع". هذا ما نشرته الروائية والصحافية سانجينا ساذيان، وتصف ويلي بأنه "ابن آوى" النشر الأميركي. وتتهكم على النصحية بأن القراء سوف يفهمونها على نحو "اكتبها، ويمكنني أن أبيعها كالنار في الهشيم، وستعزز لك مكانة شبه شهيد حرية التعبير". وقد يأخذ بعض القراء تعليق وايلي على أنه عزاء لصديق يعرف الفنان ويحبه "آسف لأنك كنت على وشك الموت، ولكنك على الأقل - على عكس معظم الناس - يمكنك أن تفعل شيئًا حيال ذلك"، ومع ذلك، فإن أولئك الذين يعرفون سمعة وايلي باعتباره "ابن آوى" للنشر الأميركي قد ينظرون إلى تعليقه باعتباره مستشارًا مهنيًا لرجل عظيم "اكتبه؛ يمكنني أن أبيع هذا الأمر بحق الجحيم، وسيؤكد ذلك أنك شهيد قريب من حرية التعبير".

رشدي البالغ من العمر 75 عاماً، لديه تجربة قريبة جداً من هذه، وهي كتابه الذي صدر عام 2012، بعنوان "جوزيف أنطوان، مذكرات"، يتحدث فيه عن السنوات التي قضاها مختبئاً بسبب الفتوى، التي أصدرها ضده الإمام الخميني، حين نشر رواية "الآيات الشيطانية"، التي واجهت اجماعاً من النقاد على أنها رديئة، إلى حد وصفها بأنها "غير قابلة للقراءة"، أو الكتاب الذي يستحيل تجاوز 15 صفحة منه. وما أثار انزعاج رشدي هو أن حادثة الطعن، أعادت تلك الرواية مرة أخرى إلى "سردية الفضيحة"، بعدما نسيها الناس، وبات الجميع يتعامل معها كعمل عادي من أعمال الكاتب.

وبينما اعتبر عدد كبير من النقاد كتاب "جوزيف أنطوان" يفتقر إلى الفن، وهو عبارة عن مجلد من المظالم والشكاوى، فإن كتاب "السكين" لقي انقساماً بين من يراه عبارة عن محاولة من قبل رشدي للتعامل مع حدث سخيف وصادم، بامتلاك ما حدث، وبين المسؤولية عنه، وهو مسعى "للرد على العنف بالفن". وعلى عكس جوزيف أنطون، فإن السكين مشدود، وسهل القراءة. وفي أكثر من مئتي صفحة بقليل، يروي رشدي الصباح الجهنمي الذي تعرض فيه للهجوم، وإقامته في المستشفى مرتين، وعاماً من إعادة التأهيل. ويسرد معاناة ثلاثة عشر شهراً، خضع خلالها لجراحة في رقبته ويده وعينه وكبده وبطنه. تمت تغطية عينه اليمنى، وتحمل شهوراً من العلاج الطبيعي لاستعادة استخدام يده اليسرى. ويقول، إنه تغلب على خوف السرطان، ونشر رواية "مدينة النصر"، كما أكمل "السكين". وفي هذه الأثناء، كان "ملاك الموت"، كما يكتب، يزور أصدقاءه الكتّاب، ميلان كونديرا ومارتن أميس، اللذين توفيا العام الماضي، وبول أوستر المريض بالسرطان ورحل مؤخراً، و"الأخ الأصغر في الأدب"، الروائي الباكستاني بالانكليزية حنيف قريشي، الذي أصبح مشلولاً.

 حتى الذين أعجبهم الكتاب، يرون أنه نهايته جاءت سريعة ومسلوقة، وقد خضعت لاعتبارات السرعة في الانجاز من أجل دفعه للنشر قبل أن تبرد الحكاية، ويقل الإقبال عليه من قبل القراء.

في كتابه "السكين"، يذكر رشدي مرتين اعتزال الروائي الأميركي الراحل فيليب روث، قبل أن يدخل الثمانينات من عمره. وقد علّق روث ورقة لاصقة على جهاز الكومبيوتر الخاص به تعلن انتهاء "الكفاح". كان نضال روث فنياً بحتاً، وقد تم بمحض إرادته. لكن صراع رشدي، على النقيض من ذلك، متعدد الرؤوس، وهو لم يتعامل معه كله بمحض اختياره، لكنه قاده بعيداً من الكتابة الروائية، ولم يكن قد أعد نفسه له، كي يملأ الفراغ الذي تركه كل من غابرييل غارسيا ماركيز وغونتر غراس.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها