الإثنين 2024/07/15

آخر تحديث: 09:52 (بيروت)

فيلم scoop:ما يجري خلف الكاميرا

الإثنين 2024/07/15
فيلم scoop:ما يجري خلف الكاميرا
حينما طلبت "بي بي سي" المقابلة لم يوافق الأمير مباشرة، بل تصرف بحذر شديد.
increase حجم الخط decrease
فيلم سبق صحافي( scoop)، الذي يُعرض على الشاشات منذ اشهر، مستوحى من أحداث حقيقية، ونقلاً عن مصدر داخل قناة "بي بي سي". هو من إخراج فيليب مارتن، وانتاج بريطاني. ومخصص للحوار الشهير، الذي أجرته القناة في تشرين الثاني عام 2019 مع الأمير اندرو نجل ملكة بريطانيا الراحلة اليزابيت الثانية، وشقيق الملك الحالي تشارلز الثالث، وذلك في خضم اتهامه بالتورط في فضيحة تصدرت عناوين الصحف على مدى شهور، وعن علاقته مع رجل المال الأميركي جيفري إبستين، الذي انتحر في آب من العام نفسه، أثناء احتجازه بسبب اتهامات تتعلق بالاتجار بالبشر للدعارة.

كانت المقابلة التي أجرتها قناة بي بي سي مع الأمير أندرو، ضمن برنامج "نيوز نايت"، محاولة لتقديم روايته الخاصة عن الاتهامات الموجهة له، بالمشاركة في حفلات جنس مع قاصرات. ولم يكن هدفها ادانته، أوتبرئته، رغم قناعة فريق العمل أنه متورط. كان الأمير يقف عند الحد الفاصل، لكنه إذا واصل الصمت، يبقى شبح التهمة يطارده. وعلى عكس حسابات القصر الملكي، جاء مفعول المقابلة سلبياً، ولم تنته إلى تبييض صفحة الأمير، بل ثبتت التهمة ضده، وفي حينه اضطرت الملكة أن تعاقبه بتجريده من جميع ألقابه الملكية والعسكرية، وذلك في محاولة لامتصاص موجة النقمة الشعبية الكبيرة ضده، والتي استمرت لأشهر.

حينما طلبت "بي بي سي" المقابلة لم يوافق الأمير مباشرة، بل تصرف بحذر شديد. وكان عليه أن يستشير والدته قبل ذلك. واستمرت دراسة الطلب بضعة أيام، قبل أن تصدر الموافقة عليه. ويكشف الفيلم أن الحوار جرى تحضيره على نحو مهني جدا. القناة دربت الصحافية التي أجرت المقابلة، واجرت أكثر من بروفه، وكذلك الأمر بالنسبة للأمير اندرو، الذي لُقن الأجوبة كي ينجح في رمي التهمة عن ظهره. ورغم أن الأمير أدى الدرس جيداً، فإن حكم الرأي جاء مخالفاً، ويتضح لمن يشاهد الفيلم بتروٍ أن الصحافية المحاورة نجحت في تقويض دفاع الأمير، من دون أن تلجأ إلى المباشرة.

بقدر ما حاول صانعو الفيلم أن يظهروا الدور الذي تلعبه شطارة الصحافي على الشاشة، فإنهم ركزوا على الدور الذي يقوم به فريق كبير من العاملين في القناة، من أجل ساعة حوار واحدة، يمكن أن تغير مجرى الأحداث إذا استُثمرت على نحو مدروس. ولا تتوقف المسألة عند مهنية المحاور ومدى تمكنه من الموضوع، الذي يقدم الفيلم إضاءة كافية حول كيفية تحضيره، حتى يسهل على الصحافي أن يقوم بدوره. تنجز القناة كل شيء. تناقش الموضوع من زواياه كافة بحضور كل فريق العمل، تضع الأسئلة، تدرب الصحافي، تجري له بروفة أو اكثر، ترسم له خريطة طريق، من اين يبدأ وأين ينتهي. ومتى يسترسل أو يهاجم، كيف يستدرج الضيف، يرمي له الطعم، ينصب له الفخ. وفي كل هذا لابد من موهبة واسلوب يتمتع به الصحافي.

ساعة وينتهي الحوار. يتوقف العمل هناك. وكل ما يحصل لاحقاً لا يرى من القضية سوى هذه الساعة، لا أحد يتوقف إلا عند الصحافي المحاور. اذا نجح يحصد الثناء وحده، وإذا فشل تتلقى القناة وفريق العمل الملامة والنقد، وقد يصل الأمر إلى ما هو أبعد من ذلك.لا أحد يقف عند الموظفة التي اشتغلت من أجل تأمين المقابلة، وهذا اجتهاد شخصي من طرفها، لم يكلفه بها أحد، ولم يساعدها أحد بالاتصالات، بل إن زملاءها كانوا يتواطئون عليها، ويتمنون فشلها. لا نأتي على سيرة المنتج الذي تولى الأمر على عاتقه لجهة اقناع رئيس التحرير، ومتابعة تفاصيل الحوار، وتحضير كل ما يتوجب عمله ليكون ناجحاً. لا نتوقف عند رئيس التحرير، الذي يوجه الفريق ويرسم له الخريطة التفصيلية، ويوفر له كل الامكانات، ويتحمل مسؤولية اتخاذ القرارات الصعبة، وتغطية الفريق حين يدخل في خضم العملية، ولا ينسى الفيلم المدير العام، الجالس في برجٍ عالٍ، ولا يظهر سوى مرة عندما يتم اخباره بأن المقابلة حصلت، ويكون ساعتها في حفل مسرحي، يقطعه لدقيقة، كي يقول إنه ينتظر الضوء الأخضر من الملكة، حتى يعطي الموافقة على البث.

نقطة مهمة يركز عليها الفيلم، وهي مهنية القناة، ومدى حرصها على عدم تجاوز الخطوط الممنوعة، وارتكاب أخطاء، وضمن هذه المعادلة تتجلى رهبتها أمام المؤسسة الملكية، التي تبادلها هذا الحس، وفي تفاصيل هذه العلاقة تظهر جزئيات كثيرة عن حرية الاعلام وعلاقته بالمؤسسة ومسافته عنها، وقدرته على توصيل ما يريد من أفكار بأساليب ذكية، تحترم الرأي العام، وتراعي تقديم مادة تحقق أكبر قدر من الفائدة والمتعة، وهنا يكمن السر في نجاح القناة، وحفاظها على مشاهد نوعي، يواصل متابعتها رغم المنافسة الشديدة من قنوات أخرى عبر العالم.

هناك مسألة مهمة يتقصد الفيلم إبرازها هي، اللاعدالة في العمل الإعلامي، بين أعضاء فريق كبير، يمضون أياماً وهم يحضّرون المقابلة، وفي نهاية المطاف، يحصد الصحافي المحاور المديح. وهذا وضع ينسحب على المهنة ككل، فلا أحد يتحدث، عادة، عن الجنود المجهولين خارج الشاشة، المخرج والمدقق والماكياج والملابس وعمال التنظيفات..الخ. كأن الدور المرسوم لكل هؤلاء تكميلي، كما هو الحال، دائما، بين السلطة والرعية.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها