الإثنين 2024/09/02

آخر تحديث: 10:23 (بيروت)

عنصرية وأقليات وكوكايين في لندن

الإثنين 2024/09/02
عنصرية وأقليات وكوكايين في لندن
اشتباكات بعد الجريمة في مدينة ساوثبورت
increase حجم الخط decrease
مُرتكب الجريمة في مدينة ساوثبورت في شرق بريطانيا، في نهاية تموز الماضي، والتي أودت بحياة ثلاث فتيات، ليس مسلماً، بل من أصل أفريقي رواندي، واسمه أكسل روداكوبانا، ويبلغ من العمر 17 عاماً في حينه، ومع ذلك تركز رد فعل جماعات اليمين المتطرف على المساجد. والتبرير الذي ورد في وسائل الإعلام البريطانية هو، أن هناك معلومات مغلوطة تم ترويجها عن طريق وسائل التواصل، تنسب الجريمة لشخص من الديانة الإسلامية، وقد تجاوب القضاء البريطاني مع طلب السلطات الرسمية، وأجاز الإفصاح عن هوية شخصية المتهم، والبلد الذي تتحدر منه عائلته، رغم من أنه تحت السن القانونية، وذلك في محاولة لاحتواء موجة الشغب، ومنع امتدادها، بعدما انتقلت كالنار من مدينة إلى أخرى.

اللافت في الأمر هو نقل الحدث إعلامياً في المستوى الأوروبي، وفق الصيغة المغلوطة، التي تناولته بها وسائل التواصل البريطانية، ولم تصحّح الصورة، وتُقدَّم على حقيقتها، من قبل وسائل الإعلام ووسائل التواصل الدائرة في فلك اليمين المتطرف في بريطانيا والبلدان الأوروبية حيث تقطن جاليات أجنبية كبيرة. وكون الصورة النمطية هي الأصل، لم تُدقق جماهير اليمين المتطرف في الأخبار المزيفة، وسارت وراء الدعاية التي تقدم الأجانب، وخصوصاً المسلمين، كخطر على السِّلم الاجتماعي وبؤر للارهاب والجريمة. وهناك وسائل إعلام تتولى هذه المهمة، وتعمل على مدار الوقت على ربط الإسلام بالإرهاب، ومعاداة الغرب والحريات الشخصية.

في كل مرة تحصل جرائم من هذا القبيل، تُوجه الاتهامات للمسلمين حتى لو ثبت العكس، وهذا أمر لا يأتي من فراغ، وليس كله نابع من التحامل من قبل الأوساط العنصرية، بل هناك أسباب وراء ذلك، أولها أن النسبة الأكبر من أعمال الجنوح يقوم بها أشخاص من أصول مسلمة، وهذا ينسحب على كل بلدان أوروبا. قد تكون هناك مبالغة من قبل أوساط عنصرية في الشرطة، ووسائل الإعلام، لكن أرقام الجرائم لا تكذب.

الحدث البريطاني مؤشر خطير، كون بريطانيا تختلف عن بلدان أوروبا الأخرى في ما يخص التعامل مع الأجانب، وهي تتسم بأنها البلد الأقل في نسبة العنصرية على المستوى الأوروبي، وتحكمها قوانين صارمة لجهة تجريم الأفعال العنصرية، كما أن نظامها التعليمي والثقافي وسياساتها الرسمية، بخصوص الأجانب، تنبذ التمييز، وتقوم على مساواة فعلية وانفتاح فعلي لتشجيع قيم التعايش والاندماج. وهذا أمر ملحوظ في كافة مناحي الحياة، وتعبّر عنه الوظائف الرسمية على مستوى المناصب العليا في الدولة ومؤسسات الإعلام، حيث يحتل المتحدرون من الأقليات مواقع مرموقة لم يبلغها نظراؤهم في بلدان أوروبية أخرى، ما زالت لا تتقبل أن يكون أحد وزراء السيادة، وحتى مذيع نشرة الأخبار الرسمية، من أصل عربي أو افريقي.

وبالتالي فإن انفجار الوضع كما حصل في الشهر الماضي، يشكل جرس إنذار للجهات الرسمية، ورسالة بليغة جداً للأقليات، التي تتحمل مسؤولية في حماية النموذج من الاهتزاز، وهذا يتطلب منها احترام القوانين، وعدم تجاوز سلسلة من الخطوط الحُمر التي تحولها إلى مصدر تهديد لقيم التعايش، في نظر فئات أخرى من المجتمع البريطاني المتعدد والمتنوع.

هناك عوامل أخرى لعبت دوراً في تفجير الموقف، منها دور روسيا الخفي، وما وفرته منصة إكس (تويتر سابقاً) من وسيلة دعاية وتحريض وتواصل بين المجموعات التي نزلت للشوارع، كما غذت تحيزها وتبنت تصورها للهجرة والتهديد الذي تشكله عليها وعلى مجتمعاتها.

ومن بين المسائل التي لم تخطر في بال، دور المخدرات والكحول في تهييج المشاركين، إذ يواجه عدد من المتهمين بممارسة العنف أيضاً، اتهامات بحيازة الكوكايين، المخدر المصنف من الفئة ألف. وتحدثت الصحف البريطانية عن أن هذا المخدر يلائم من نواح كثيرة، أولئك الذين يشاركون في أعمال شغب. هو منبه لا يمنح المرء طاقة وثقة فحسب، بل يشوه المعتقدات ويشكل عاملاً مثبطاً. ذلك أن أي آراء ومشاعر راسخة تتضخم تحت تأثير الكوكايين. وهو، بطريقة ملتوية، المخدر المثالي لتسهيل ذلك النوع من السلوك الذي نراه في الوقت الحالي.
بطُلَت المقاييس القديمة التي درجت في القرن الماضي حول الكوكايين، ومنها أنه يقتصر على الأغنياء بسبب ارتفاع سعره. والمفارقة، حسب الخبراء البريطانيين الذين تحدثوا لوسائل الإعلام، أن جودته تحسنت جداً، وانخفض سعره، وهو الوحيد الذي تنخفض أسعاره، بينما ترتفع أسعار كافة السلع الأخرى، بما في ذلك الكحول.

وتتحسس السلطات من أن بعض مثيري الشغب سوف يتحججون بتأثير الكوكايين والكحول عليهم خلال المشاركة في أعمال الشغب، والرد جاهز وهو أن هذه المؤثرات لا تخلق معتقدات ومبادئ جديدة، ولا تغير تلك الموجودة، بل تعززها وتضخمها.


increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها

الكاتب

مقالات أخرى للكاتب