الإثنين 2024/07/29

آخر تحديث: 14:02 (بيروت)

شيرين عبد الوهاب.. مطربة الصوت تضيع في صفحات الحوادث!

الإثنين 2024/07/29
increase حجم الخط decrease
لا تحسبن أن الموهبة وحدها تكفي، أو يأخذك الظن بأن قمماً مثل أم كلثوم وعبد الوهاب وفاتن حمامة كانت فقط مجرد مواهب فنية أتتها الفرصة لإظهار تلك القدرات الإبداعية الخاصة. كن على ثقة بأن هناك موهبة أخرى لا تقل أهمية ومن المحتم توافرها لدى كل من يبحث عن تميزه، أو يسعى ليكون في مقدمة الصفوف. إنها موهبة إدارة الموهبة، هذه مثلاً المطربة شيرين عبد الوهاب، التي ظهرت قبل أكثر من عشرين عاماً كصوت مبشر يحمل كل المقومات الغنائية للنجاح، وظنها الجميع الضلع الثالث بجوار أنغام وآمال ماهر في هرم الغناء المصري المعاصر، بعد الفراغ الذي تركه رحيل القمم الغنائية أو توقفها اسما بعد آخر.

حفلت تُلغى بالجُملة
ألغت شيرين قبل أيام حفلتها في إسطنبول بتركيا، والتي كانت مقررة في 3 آب المقبل، بعدما قررت إلغاء حفلتها المماثل في بيروت أيضاً في 20 تموز الحالي، وهكذا تساقطت مساهمات المطربة المعروفة، الواحدة تلو الأخرى، والأمر مرشح لمزيد من الاعتذارات، ليبدو موسمها الصيفى الحالي هو الأسوأ في مشوارها الفني حتى الآن. وبدلاً من أن نقرأ الأخبار الفنية لهذا الصوت الموهوب، باتت شيرين طوال الفترة الماضية حديث مواقع التواصل الاجتماعي وصفحات الحوادث، لا صفحات الفن، بسبب البلاغ الذي تقدمت به ضد طليقها الفنان حسام حبيب، تتهمه فيه بالتعدي عليها بالضرب، ما سبب لها إصابات بليغة في الأنف والذراع والرأس استلزم ثلاث غُرَز، على ما جاء فى البلاغ. فيما تقدّم حسام حبيب ببلاغ مضاد يتهمها فيه بتحطيم الاستديو الخاص به، قبل أن يتنازل الطرفان عن المحضرَين ويتم الصلح بينهما الذي لم يكن الأول، وأظنه لن يكون الأخير. لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، وإنما تحدثّت الأخبار عن دخول شيرين مصحّ نفسي مرة أخرى للعلاج من الإدمان، وظهور شقيقها في فايسبوك، يسخر من حبيب، مؤكداً أن "نأبه جاء على شونة"، وعادت شيرين إلى عائلتها.

المؤسف أيضاً أن ما تكشف من التحقيقات في نيابة القاهرة الجديدة، أن شيرين أكدت أنها لم تتمالك أعصابها حينما عايرها حبيب بأصولها، وأنها من منطقة القلعة الشعبية في القاهرة التاريخية، بينما هو "ابن ناس"، حسبما جاء في التحقيقات. إلى هذا الحد سمحت شيرين بأن تكون حياتها مستباحة، وتفاصيل خلافاتها العائلية على الملأ؟ ووصلت الحال إلى تصريح طليقها بأنها هي التي أصابت نفسها، من زوجها السابق الموزع محمد مصطفى، وإنه لا يريد الإفصاح عن أسباب هذا الخلاف حتى لا يسيء إلى شيرين، مؤكداً أنه ليس طرفاً في كل ما جرى ويجري، وإنما كان يحاول إصلاح ذات البين بينها وبين ابنتها.

صحيح أن تصرفات شيرين المعتادة في حفلاتها العامة السابقة لم تكن تتسم بالرزانة، من أول التفوه بما لا يجب أن يقال، وحتى ظهورها حليقة الشعر في إحدى أزماتها الأخيرة مع طليقها، لكنها ما كان لها أبداً أن تترك حياتها الخاصة نهشاً لهواة ركوب "التريند" والبحث عن الأخبار الفضائحية للمشاهير، لا سيما أنها ليست الواقعة الأولى التي تكون شيرين بطلتها في مَحاضر الشرطة. فقد تقدّمت قبل سنتين، وبالتحديد في تشرين الأول 2022، ببلاغ تتهم فيه شقيقها بالتعدي عليها بالضرب، بينما نفى شقيقها ذلك مؤكداً مع ووالدته (أم شيرين)، عبر مداخلات فضائية، أنه كان يحمي شقيقته من حبيب وصديقة لها، كانا يحرضانها على إدمان المخدرات، وأنه كان يريد إدخالها أحد المصحات النفسية للتعافي من هذه العلة.

وأياً كان مَن تعدى عليها بالضرب، سواء كان شقيقها حسب البلاغ القديم قبل سنتين، أو طليقها بحسب البلاغ الحديث، فإن شيرين كانت الضحية في الحالتين. ليست شيرين وحدها، وإنما فنها ومكانتها بين صفوة مطربي مصر، وطاقتها التي هُدرت في أقسام الشرطة وسراي النيابة والمصحات النفسية، وسيرتها التي لاكها الجميع شفقة أو تشفياً أو تحسراً على تلك الموهبة التي بددتها صاحبتها، وهذا هو الأهم فى كل ما فات، لا تفاصيل ما حدث بينها وبين طليقها الذي تحدثت الأخبار عن احتمال عودتها إليه كالمعتاد بعد كل فضيحة أسرية مرّت بهما، فيما نفت شيرين ذلك تماماً قبل ساعات.

المنقذ والمتهم
وما زاد وطأة المشكلات التي تتعرّض لها شيرين، هو كثرة المتحدثين باسمها في تصريحات تبدو متضاربة أحياناُ، فتارة يقوم بذلك محاميها الشخصي، وأخرى طبيبها النفسي الذي تتعافى في مصحّه، وتارة شقيقها محمد عبد الوهاب الذي يظهر مرة فى صورة المنقذ لشقيقته، وأخرى في صورة المتهم الذى يعكر صفو حياتها، وفي كل الأحوال هي منساقة لمصير محتوم قادت نفسها إليه. سألتُ الاختصاصية النفسية في مستشفى قصر العيني في القاهرة، سماح عبد الله، عما يمكن أن يدفع فنانة موهوبة مثل شيرين عبد الوهاب، حباها الله بموهبة حقيقية وأوتيت من النجاح والشهرة والمال، إلى هذا الترنح النفسي والاضطراب العائلي بدلاً من أن تعيش حياة مستقرة هادئة؟ فأجابتني باقتضاب: "فتّش عن التنشئة الأسرية"، قبل أن تفصّل ما أوجزته، وتقول: "في أحيان كثيرة – وليس المقصود حالة شيرين بالتحديد – تكون التنشئة الأسرية غير السوية مسؤولة عن اضطراب نفسي يعيش مع صاحبه طيلة حياته، وأحياناً يلعب المال والشهرة والأضواء دوراً هائلاً في النفوس الهشة، فيحدث ما نسميه الترنح النفسي، وفي حالة شيرين تحديداً يبدو أنها لم تجدْ في أسرتها أو زيجاتها المتعدّدة أو حتى أصدائها من يشعرها بالأمان والراحة، فلجأت إلى الهروب من عالمها بالتعاطي، الأمر الذي زادها اضطراباً وأدخلها في شرنقة الاكتئاب النفسي وانفلات تصرفاتها على النحو الذي تابعناه في كثير من مواقفها السابقة".

وقالت الاختصاصية النفسية بأنه ما دامت شيرين لا تتمتع بالقدرة على الحفاظ على نفسها وعلى إدارة موهبتها، فلا ضير من أن توكل ذلك إلى متخصص أو شركة تعمل في مثل هذا المجال، على نحو ما يفعل المشاهير فى أرجاء العالم. هذه الفكرة التي أشارت إليها سماح عبدالله فسرت لي لماذا كانت شيرين في قمة ألقها وبريقها ونجاحها وقتما كانت تحت إدارة مكتشفها المنتج نصر محروس، أو في الفترة حينما كان يدير أعمالها ياسر خليل على الرغم من أن علاقتهما انتهت أيضاً بصورة دراماتيكية.

شيرين بحاجة اليوم إلى مساعدة، إلى أصدقاء مخلصين يوجهونها إلى الطريق الصواب، قبل أن يأتي يوم آخر تتحسر فيه على ما فعلته بنفسها وبموهبتها، لكن بعد أن يكون قد ولى الشباب، وراح العمر، وشاخ الصوت أو تشوّه بفعل عدم الحفاظ عليه، فتفقد الأذُن العربية صوتاً جديراً بأن يكون فى مكانة أفضل مما هو عليه الآن.


increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها