الأربعاء 2024/08/14

آخر تحديث: 12:26 (بيروت)

أزمة "الملحد" المصرية: تربّص بإبراهيم عيسى أم بوزير الثقافة؟

الأربعاء 2024/08/14
أزمة "الملحد" المصرية: تربّص بإبراهيم عيسى أم بوزير الثقافة؟
المخرج محمد العدل: "الفكر يتواجه بالفكر مش بالمنع، والحُكم للناس"
increase حجم الخط decrease
يسألونك عن حقيقة أزمة فيلم "الملحد" التي تزداد تضخماً في مصر الآن، فقُل إنه التربص ولا شيء سواه. تربّص بالأشخاص أكثر منه تربصاً بالأفكار. وإلا فما معنى أن تثور الثائرة على فيلم لم يُعرض بعد؟ وما معنى أن يحتشد ثمانية محامين، على رأسهم المحامي مرتضى منصور، للجوء إلى القضاء من أجل منع عرض فيلم بمجرد الإعلان عن تاريخ طرحه في صالات السينما؟ محامون لا ينتمون إلى تيار واحد، بينهم مَن هو محسوب على الدولة، وبينهم أصحاب أفكار راديكالية دينية، وأجمعوا كلهم على شخصنة الأزمة في رجل واحد، هو مؤلف الفيلم الكاتب إبراهيم عيسى-المثير للجدل، تدعمهم جحافل الكتائب الالكترونية عبر مواقع التواصل الاجتماعي التي نصبت نفسها خصماً وحكَماً وجلاداً في الوقت ذاته، من دون متابعة مشهد واحد من الفيلم-الأزمة، لا لشيء إلا لأنهم علموا، ربما بالصدفة، أن اسم إبراهيم عيسى، يتصدّر الملصقات الدعائية للفيلم الذي يتم الإعداد له منذ سنوات. فهل هناك توصيف آخر لكل ما حدث ويحدث غير التربّص؟!

تصاعدت خيوط الأزمة وتشعبت طوال الأسبوعين الماضيين، منذ أعلنت الشركة المنتجة الرابع عشر من آب موعداً لعرض الفيلم، حتى فوجئ الجميع قبل 72 ساعة من الموعد المحدّد، بقرار الشركة المنتجة تأجيل طرحه في الأسواق، وإلغاء العرض الخاص الذي دعت إليه الصحافيين والنقاد.

وهذا ما تعامل معه ذوو الفطنة على أنه منع للعرض وليس مجرّد تأجيل. صحيح أن منتج الفيلم أحمد السبكي، حاول التأكيد على أنه مجرد إرجاء لمدة أسبوعين ريثما يتم الانتهاء من بعض الأمور التقنية. لكن تغريدتين متتاليتين لمخرج الفيلم محمد العدل، أكدتا صحّة ما ذهب إليه من فهموا جيداً إعلان "التأجيل". فقال العدل في التغريدة الأولى: "المنع مش حل"، وقال في الثانية: "الفكر يتواجه بالفكر مش بالمنع، والحُكم للناس".

أما إبراهيم عيسى، الذي اعتاد مثل هذه المعارك، فقد لاذ بالصمت، مكتفياً بنشر أحد مشاهد الفيلم عبر حسابه الخاص، رافضاً التعليق على كل ما يجري، وإن كان قد أكد لي قبل أشهر أنه يرفض الوصاية على أفكاره، وأنه يتوقع حملة ضارية عليه وعلى فيلمه حتى من قبل أن يشاهده أحد، مردفاً أنها سمة أهل التطرف والجمود، على غرار من قام بمحاولة اغتيال نجيب محفوظ في تسعينيات القرن الماضي على خلفية رواية "أولاد حارتنا" من دون أن يكون الرجل الذي أمسك بالسكين قد قرأ منها حرفاً واحداً.

خلاصة القول، إن أحداً من صنّاع الفيلم لم يُشف نهَم المتسائلين عن الأسباب الحقيقية وراء عدم عرض الفيلم في التوقيت المعلن. حتى أن كلام المخرج، يمكن التنصل منه وتأويله على أنه يتحدّث في أمر عام وليس عن هذا الفيلم بالتحديد. الملفت أن كلاماً قوياً تردّد في الأوساط السينمائية، بأن السبكي تلقى تعليمات شفهية عبر اتصال هاتفي من مسؤول رسمي، بإرجاء عرض الفيلم، غير أن مكتب المنتج المعروف نفى لي ذلك وأعاد ما قاله الرجل بأن الرقابة في مصر قد أجازت السيناريو منذ سنوات، وصرّحت بالتصوير، وأعطت ترخيص العرض العام الذي على ضوئه حُدّد 14 آب موعداً له. فهل يمكن أن تمنح الرقابة ترخيصاً لفيلم يدعو إلى الإلحاد ويخالف صحيح الدين؟!

سألتُ مصدراً مسؤولاً في جهاز الرقابة على المصنّفات الفنيّة، عن ملابسات تلك الموافقات الرقابية، فافادني بأن هناك مآخذ كثيرة طفت على السطح في نظام عمل الرقابة منذ سنوات، وأن الموافقات لم تعد تتم وفق المعايير والإجراءات المتعارف عليها، وإنها باتت تتم في غرف مغلقة بعدما أصبحت رئاسة الرقابة على المصنفات الفنية عبارة عن لجنة ثلاثية، مؤلفة منه ومن سيدة تقوم بتسيير أعمال إدارة الأفلام العربية لا يتجاوز عمرها الأربعين عاماً، وشاب ثالث في مطلع الثلاثينيات ظهرت عليه علامات الثراء رغم أنه مجرّد موظف بسيط.

أضاف المصدر إن أياً من الرقباء الفعليين لا يقرأ السيناريوهات أو يشاهد نسخ الأفلام قبل العرض، ولا يكتب تقريره كما جرت العادة. وهذا ينطبق على فيلم "الملحد" كما ينطبق على غيره، لكنه لا يعني أن في الفيلم ما يسيء للدين أو العقيدة.

غير أن أهم ما ذهب إليه هذا المصدر، هو اعتقاده الراسخ بأن خالد عبد الجليل، مدير جهاز الرقابة، أراد بإجازته عرض الفيلم بتلك السهولة، توريط وزير الثقافة المصري الجديد، أحمد فؤاد هنو، في هذه الأزمة، بعدما قلص الوزير اختصاصات المسؤول الكبير الذي كان يهيمن على كل ما يتعلق بأمور السينما في مصر، واستبعده من منصبه كمستشار للوزير لشؤون السينما.

وعلى صعيد الأزمة نفسها، قام المؤلف والمخرج السينمائي، نادر سيف الدين، باختصام كل من مؤلف الفيلم ومنتجه وجهاز الرقابة قضائياً، من أجل منع عرض "الملحد" وتصديره إلى الخارج، على اعتبار أنهم قد استولوا على قصة واسم فيلم كان قد أنجزه وعُرض العام 2014، متسائلاً كيف أجازت الرقابة فيلماً يحمل اسم فيلم سابق؟ لكن ما أعلمه جيداً أن قانون الرقابة في مصر لا يمنع تكرار عناوين الأفلام، وهناك حالات كثيرة تدل على ذلك أبرزها أفلام: أرض الأحلام، نادية، أفراح، خارج على القانون، وغيرها...

وأفاد مكتب المنتج أحمد السبكي أن الفيلم الذي يقصده مقدم البلاغ لم يكن سوى عمل عابر لم يشعر به أحد وقت عرضه في فترة الاضطراب السياسي والاحتماعي والفكري التي عرفتها مصر بين العامين 2011 و2014، وإن الكاتب إبراهيم عيسى ليس بحاجة إلى سرقة أفكار غيره أو عناوين أفلامهم، وأنها مجرد صدفة. وأشار السبكي إلى أنه ربما أوعز إلى هذا الشخص للدخول على خط الأزمة حتى يأتي منع عرض الفيلم الجديد لأسباب قانونية تتعلق بحقوق الملكية الفكرية بعيداً من اللغط الديني الدائر حالياً.

الملفت أن الفيديو الدعائي لفيلم "الملحد" لا يشير على الإطلاق إلى أن مؤلفه إبراهيم عيسى ينتصر لفكرة الإلحاد أو يدعو لها في فيلمه، كما أني حضرت تصوير بعض مَشاهد الفيلم، خصوصاً تلك التي ضمّت الممثل محمود حميدة وصُوّرت داخل إحدى المؤسسات الصحافية، ولم يسترع انتباهي ما يشير إلى أن صنّاع العمل يدعون إلى الكفر أو إلى هدم العقائد الدينية، وإنما جلّ الحوار عبارة عن مساجلات فكرية بين أبٍ متشدّد دينياً (محمود حميدة) وأمٍّ تعرف جيدا أصول دينها (صابرين) من جانب، وبين ابن يعمل طبيباً اتجه إلى الإلحاد (أحمد حاتم) من جانب آخر.

وهذا ما يؤكد أن التربص بشخص مؤلف الفيلم كان وراء كل هذه الأزمة، لا سيما أن هناك فيلماً آخر يتم التجهيز له، يتناول الموضوع ذاته، وهو مأخوذ عن رواية صدرت قبل سنوات للكاتب أحمد مراد عنوانها "موسم صيد الغزلان"، بطلها ملحد أيضاً، وسيقوم بأداء شخصيتها الرئيسية الممثل أحمد عز، ولم تثُر ثورة أحد وقت صدور الرواية، ولا استعر الغضب أثناء إعداد الفيلم.

فهل ينجح وزير الثقافة الجديد في احتواء أزمة "الملحد"؟ أم أننا سنشهد فصولاً أخرى في الأيام المقبلة؟

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها