السبت 2024/07/27

آخر تحديث: 13:07 (بيروت)

في مزاج الدولة الأسدية وجوائزها التقديرية والتشجيعية

السبت 2024/07/27
increase حجم الخط decrease
منذ تأسيسها في العام 2012 وحتى فترة قريبة، كنت أظن أن جائزة الدولة التقديرية والتشجيعية التي أعلنت في مرسوم تشريعي، هي واحدة، لكن لا بأس من تدارك الخطأ والاعتراف به، إذ تبين أن هناك جائزتين: واحدة تقديرية وأخرى تشجيعية، لكن المشرع لم يشرح للجمهور الفضولي، ولا حتى للجهة التي ستمنحها، أي وزارة الثقافة، ولا للجانها التحكيمية، إن وجدت، ماهية المعايير المتبعة للاختيار، ولم يفصّل في الشرائح الثقافية، التي يمكن لكل جائزة أن تركز فيها! بل اكتفى بالقول إنهما تُمنحان "للمبدعين والمفكرين والفنانين تقديراً لهم على عطائهم الإبداعي والفكري والفني"! 

من المهم هنا الإشارة إلى أن الجائزة التقديرية جاءت ذات قيمة مادية أكبر من التشجيعية. وبغض النظر عن قيمتها المتواضعة بالقياس مع إمكانيات بلد كسوريا، إلا أنه من الواجب ملاحظة أن المبلغ الذي قدمته الجهة المنظمة للفائزين في الدورة الأولى بلغ في دورتها الأولى مليون ليرة للتقديرية (ما يعادل آنذاك 20 ألف دولار) ونصف المليون للتشجيعية (ما يعادل آنذاك 10 آلاف دولار) وأن وزارة الثقافة حاولت رغم انخفاض قيمته الفعلية، إثر تدهور الحال الاقتصادي في البلد، إبقاءه بعيداً من سخرية الشامتين، من خلال عدم ذكره في الأخبار، خلال الأعوام السابقة.

يصح القول عن هذه الجائزة، أو الجائزتين، أنهما جائزتا الأوقات السيئة، فقد أعلن عنهما في أردأ أوقات السوريين، أي في العام الثاني للثورة ضد الأسد في العام 2011، فظهر وكأنه يحاول خطب ود المثقفين، لكن النقاش حول ذلك أفضى إلى السؤال اللاحق؛ لمن يتوجه صاحب الجائزة بمكرمته؟ هل يريد أن يجعلها حيادية، وبعيدة من الانقسام السياسي الحاصل في أوساط المشتغلين بالثقافة؟ أم أنه يريد منها مكافأة المؤيدين منهم، أو الحياديين والرماديين، أو الصامتين؟ 

لائحة الفائزين بالجائزتين لا تفصح عن نمط سلوكي محدّد، فهي تحتوي أسماء علمية بارزة، وكتّاباً مرموقين، لكن السمة التي تجمعهم كلهم، تتحدّد في أن موقفهم السياسي غير واضح الملامح، إلا في تفصيل عام يقول بضرورة الحفاظ على الوطن! 

غير أن ورود بعض الأسماء المحترمة رغم حياديتها، أو لنقُل صمتها، لا يعني أبداً تحلي المانحين بالنزاهة، فهم يسعون إلى إقناع الجمهور بأنهم كذلك. لكن، في المقابل، يرى آخرون القصة من زاوية مختلفة، قوامها محاولة النظام إظهار نفسه في موقع من يحتوي الجميع، بالجوائز، بينما في الخلفية مشهد دموي، لم يستطع فيه تحمل سماع هتافات بعض المثقفين ضده، فسجنهم وعذبهم، وقتل بعضهم، وهجر الناجين إلى بلاد بعيدة.

الجائزة بحد ذاتها، لم تحمل في البيئة السورية أهمية تذكر، فلا نعثر أبداً على أخبار عن منافسات بين "الكبار" أو "الصغار" حولها، ولا حتى نقاش حول مرتبة من فازوا بها، لا بالسلب ولا بالإيجاب! وفي المحصلة تعلن الجائزة سنوياً، وتمر مرور الكرام، حتى إن بعض من فازوا، لم يحتفوا بها، وناموا على القصة، وكأنها لحظة شائنة!

يمكن أيضاً، فهم الحالة ضمن السياق العام، في المشهد الثقافي السوري، من خلال إدمان الدولة الأسدية على تكريم ذاتها، ومنح رعاياها المفضلين الثناءات، ففي كل مهرجان سينمائي أو مسرحي أو أدبيّ مرّ طيلة العقود السابقة، هناك مكرمون يتم استدعاؤهم إلى خشبات المسارح، ليمنحهم المسؤول الثقافي، وبجانبه زميله البعثي رئيس فرع الحزب، الميداليات التذكارية، ثم يُنسون في حال كانوا ممن بلغوا من العمر عتياً، أو يمضون لأشغالهم، إن كانوا في سن "العطاء"، ثم يُعاد تكريمهم بعد فترة! 

التكريم وفق هذا التواتر، لم يعد قصة ذات قيمة. وحتى حين منح بشار الأسد أوسمة الدولة السورية لعدد من الشخصيات، فإن المانح ظهر في أغلب الأحيان، أقل قيمة وهيبة وحضوراً من الممنوحين. وكان البعض منهم، بحسب الصور التي تنشر عن الواقعة، يظهر وفي عينيه إحساس مبهم، غير مفسر، لكنه بعيد من السعادة والفرح، وربما يمكن تخيّل أن صوته الداخلي، كان يلعن اللحظة التي أجبر فيها على الرضوخ والموافقة، على تلقي وسام رئاسة الجمهورية على يد بشار الأسد. فالناس تعرف أن هذا الأخير، يريد أن يمنح لنفسه مكانة وسطوة، فوق فئة من السوريين لديها في عقولها الكثير من الأفكار والآراء، التي لا تعجبه، ولديها على ألسنتها كلام لن يسرّه، لكن البروتوكول العام يقتضي ألا يحدث ما ينغص على الطرفين اللحظة العابرة.

الجائزة التي أُعلن عنها قبل يومين، وفاز فيها الممثل أسعد فضة عن فئة الفنون، والكاتبة كوليت خوري عن فئة الأدب، والباحث عطيّة مسوح عن فئة الدراسات والترجمة، لا تخرج عن السياق العام المذكور أعلاه. فالفائزون فضة وخوري من الأعضاء البارزين في نوادي المُكرّمين السوريين، لكن لم يعرف عن الشيوعي مسوح أنه كان من المحتفى بهم في أوقات سابقة. 

وهنا قد يسأل البعض عن مزاج من يقوم بالاختيار، فهو هذه المرة يوزع الجائزة بين بعثي وشيوعي وليبرالية محسوبة على البرجوازية المسيحية الدمشقية. لكنه يحافظ على الحد الأدنى من معقولية الأسماء، رغم أن بعض الدورات السابقة حمل للجمهور رداءة لا تُنسى، كما حدث في العام 2019 حين فاز صابر فلحوط، رئيس اتحاد الصحافيين الأسبق والبعثي صاحب الشِّعر المتقعر في مديح الأسدَين، وفاز معه المطرب جورج وسوف المتعصب في حب الأسديين أيضاً، ومعهما جاءت لبانة مشوح وزيرة الثقافة الحالية الخادمة المطيعة لرئيسها وزوجته! لكن في المحصلة لم يجنح المانح هذه السنة عن قاعدة إبقاء الجائزة في دائرة مؤيدي الأسد، أو السعداء به.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها