الأحد 2024/06/23

آخر تحديث: 10:06 (بيروت)

معرض إلهام شاهين...بين الضوء والعتمة شيءً يشبه ضربات القلب

الأحد 2024/06/23
increase حجم الخط decrease
تعرض الفنانة التشكيلية إلهام شاهين، لدى منتدى خيرات الزين الثقافي (شارع مدام كوري، قريطم - بيروت)، مجموعة من الأعمال ذات أحجام كبيرة ومتوسطة، منفّذة بتقنية الأكريليك، وذلك تحت عنوان "الضوء الداخلي". موضوعات هذه الأعمال تدور في معظمها حول المنظر الطبيعي، في أحواله وتجلياته المختلفة. 

ينبغي القول، بداية، أن إلهام شاهين، وبحسب ما نعلم، كانت اشتغلت طويلاً لإقامة معرضها. قامت بالكثير من المحاولات والتجارب، على شكل اسكتشات ورسوم صغيرة، تضمّنت بورتريهات وقامات بشرية في أوضاع شتّى. لا يشي كلامنا هذا، حول امتداد الفترة التجريبية، بضعف في إمكان المعالجة، أو قصور فني. جلّ ما في الأمر أنها أرادت اختيار التيمة التي تتناسب مع طرق التعبير الخاصة بها. وها هي قد رست أخيراً على المشهد الطبيعي، بعدما وجدت ضالتها في ما يمكن أن يقدّمه هذا المشهد من إمكانات تعبيرية.
من حيث المبدأ، يتم تعريف فن المناظر الطبيعية على أنه تمثيل للبيئة المعيشية، مضافاً إليها نوع من طموح جمالي، كما يمكن توجيه رسم المناظر الطبيعية نحو الموضوعية أو الذاتية، اعتمادًا على إلهام الفنان وتخيلاته. وإذا كان الرسام يقوم، في حالة الموضوعية، بإعادة إنتاج المشهد وفقًا للإدراك البصري البشري، فهو في الحالة الذاتية يطمح إلى  أبعد من ذلك. هذا من جهة، ومن جهة أخرى، لم يعد خافياً على المهتمين بأمور الفن أن ثمة عودة إلى المشهد الطبيعي في الآونة الأخيرة. تتضاعف المعارض حول هذا المشهد، وهذا دليل على أن هذا النوع، الذي يوصف في كثير من الأحيان بأنه "عفا عليه الزمن"، قادر على فهم ومعالجة قضايا جديدة. وكأننا، هنا، في صدد صحوة "الوعي بالمناظر الطبيعية" التي تحاول بناء منظور جديد ومواقف فنية أخرى. في هذا المجال، يقول الناقد الفني الفرنسي كميل برتران – هاري: "يبدو أن الفن اليوم، والرسم على وجه الخصوص، ينفتح مرة أخرى على المناظر الطبيعية".

بعيدًا من الفرضية القائلة بأن رسم المناظر الطبيعية سيكون بمثابة رسم المشهد نفسه، تعمل إلهام شاهين على ابتكار "طبيعتها" الخاصة. إن ما تنتجه الفنانة لا يتماثل بالضرورة مع حقيقية خارجية، وأغلب الظن أنها عمدت إلى رسم صور من الذاكرة. لقطات بقيت في الذهن بعد رحلة إلى قرية من القرى (نرجح أنها جنوبية). حقول بعيدة من العاصمة المتخمة بعمارات خرسانية يتسلل الهواء من بينها بالكاد. فوضى وضجيج ودخان أسود وروائح مقززة. لقد صار الهروب من المدينة هدفاً لكل من يبحث عن طبيعة خام، أو مزروعة بأيدي إناس مخلصين لذاك التراب الذي يجهل مواربات المدنية وأكاذيبها.

أما أكثر ما يثير إنتباه شاهين فيما تصنعه فهو الضوء الذي تراه في كل ما له علاقة بذاك الريف النقي. "هو ضوء ينبع من داخلي، يمسك بيدي ويرشدني، كان يجذبني ذلك الضوء المشع وسط العتمة" تقول الفنانة، وتضيف في ما يخص اللون: "كنت أبحث عن قيمة اللون وهو يعانق نقيضه، هذا التناقض والتضاد المكمّل لبعضه البعض بين اللون الحامي والبارد، بين الفاتح والغامق، بين الضوء والعتمة شيءً يشبه ضربات القلب، عزفٌ على وتيرة الألوان والإحساس". هذه الكلمات تشير إلى أن الفنانة هي على إدراك تام بما تفعله في هذا الخصوص. ليس من قبيل المصادفة أنها تقيم التوازن الدقيق بين الألوان الحارة والأخرى الباردة. لقد قامت معظم معطيات اللون على فهم هذه العلاقة، علماً أن البعد الكمي بين الإثنين لا يقوم على نحو متوازن بمعنى شيء من هذا وكمية مماثلة من ذاك، بل على معرفة وافية بالتأثير المتبادل بين الإثنين، مما يريح العين. على هذا الأساس، صاغ  الكيميائي ميشيل يوجين شيفرول، العام 1839، قانون تباين الألوان المتزامن، الذي هو سمة من سمات إدراك اللون لدى الكائن البشري.
ليس من الصعب أن نلاحظ أن الطابع العام للأعمال المعروضة ينحو صوب الإنطباعية، ويقترن، ربما بشيء من التنقيطية. لكنها تختلف عن تنقيطية جورج سورا، على سبيل المثال، الذي هدف إلى تحديد الشكل من خلال تراكم وتجاور نقاط متناهية في الصغر. فالنهج الذي تتبعه شاهين يحدّد الشكل من خلال لمسات متفاوتة الحجم، وقد يتكوّن هذا الشكل عبر ضربة واحدة، متجاوراً مع سواه من دون تماثل في الحجم، أو القوة اللونية. هذا الأسلوب سيؤدي إلى عمل شبه فسيفسائي، ولن نبالغ إن قلنا أن أعمال الفنانة تصلح جيداً من أجل تطبيقها المادي في لوحات الفسيفساء والموزاييك.  

في زمن الكارثة البيئية المتوقعة، وفي مواجهة البيئات الملوثة والمتهالكة والمقفرة، يتضاعف الاهتمام بالمناظر الطبيعية. ويصبح البحث عن الصور البانورامية والمشاهد الطبيعية أكثر أهمية من أي وقت مضى، مما يضعنا أمام تمثيلات للمناظر الطبيعية التي تبدو وكأنها غير قابلة للتغيير. وإذا كانت المناظر الطبيعية الحلمية والمناظر الطبيعية الحقيقية تبدو دائمًا وكأنها تتكون من أرض أو بحر وخط أفق، فإن الممارسة التصويرية مع ذلك تعيد تأكيد نفسها في شكل مختلف. إذ أنه من خلال فن التأطير، وتركيب العناصر - الأرض والهواء والماء وأحيانًا النار - ولعبة الألوان والإيماءات يتم تجديد المناظر الطبيعية. إن هذا الأمر، أو بعضاً منه على قدر المستطاع، هو ما تسعى إلهام شاهين إلى فعله.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها