الإثنين 2024/06/17

آخر تحديث: 09:36 (بيروت)

شعراء المهرجانات العرب

الإثنين 2024/06/17
شعراء المهرجانات العرب
الشاعرة الأذربيجانية، نيكار حسن زاد، تقرأ في قصر الباهية بمراكش
increase حجم الخط decrease
لا يرتاح بعض الشعراء العرب من السفر. يقضي جزءاً مهماً من وقته، متنقلاً بين المهرجانات، التي باتت منتشرة على مساحة الكرة الأرضية. حتى صار بعضهم لا يستطيع تلبية كل الدعوات، يشارك خلال هذا الشهر في مهرجان دولي في الهند، وفي الشهر التالي في إيران، ومن ثم إلى تركيا والعالم العربي وأوروبا وأميركا اللاتينية. ومن بين مفارقات هذا الوضع، أن ينعقد مهرجانان دوليان للشعر في الأسبوع ذاته، في بلدين شبه جارين، كما حصل في نيسان الماضي، في تونس ومراكش. وقد مر الحدثان من دون أي صدى، على أي مستوى من المستويات، باستثناء بعض الصور الشخصية، التي نُشرت في صفحات فايسبوك.

ثمة ما يشبه الطفرة، في الأعوام الأخيرة، على صعيد المهرجانات المخصصة للشعر، رغم تراجع عدد القراء، وكساد كتب الشعر. ولا يقتصر ذلك على مهرجان واحد في بلد واحد. بل تعددت المناسبات والأماكن بين المدن وحتى القرى والأرياف. بعضها للاحتفال بعيد الشعر، وآخر بمناسبة معينة، وصار معظمها دورياً. ومن أجل حجز مقعد للمشاركة في هذا النمط، تتدافع فئة من الشعراء كي لا تغيب عن المنابر.

غالبية المهرجانات تستقبل شعراء عرباً يتكررون، ومع الوقت تحولت إلى مناسبات للتلاقي وتجديد الصلات بين الزبائن، ورغم تعددها وانتشارها، لم تخرج منها قصيدة تثير ضجة، أو تنعقد ندوة ذات فائدة على الثقافة العربية، وبالتالي صارت تنتهي، وكأنها لم تنعقد، ولولا وسائل التواصل والصور التي ينشرها بعض المشاركين، لما سمع بها أحد. وهنا أضرب مثالاً على مهرجان المربد في العراق، الذي تأسس العام 1971 وشكل ظاهرة بارزة على مستوى الحركة الشعرية العربية، لكنه فقد بريقه منذ أعوام، ولم يعد يثير الاهتمام نفسه. ينعقد ويختتم، من دون أن يدري به أحد. وذلك لأسباب معروفة صارت مملة لكثرة تكرار الحديث عنها، وهناك قدر من الانتقادات، التي لا يستمع إليها أو يأخذ بها أحد، لأن الثقافة العربية صارت همّاً ثانوياً، ولم تعد شاغلاً أساسياً في الحياة العربية، التي تقتات اليوم على القشور.

ساهمت مهرجانات في ترويج بعض الأسماء، وباتت سبباً في شهرة أسماء بعينها، لا حضور لها في الساحة الشعرية العربية، لكنها جعلت منها ذات شهرة كبيرة في لغات أخرى، وبعض هؤلاء يتم تقديمهم على أساس أنهم آخِر ما أنتجه الشعر العربي. وما كان لهذا الأمر أن يتم لولا الترجمة إلى لغات أخرى، وهذه العملية ليست منزهة تماماً عن تبادل المصالح، ويكفي تأمل المشهد قليلاُ حتى تتضح التقاطعات بين الشاعر والمترجم والناشر، ونوعية الخدمة، أو المقابل الذي يقدمه كل طرف للآخر، خصوصاً من قبل بعض القائمين على صفحات ثقافية، الذين يستثمرون المواقع التي يشغلونها من أجل خدمة أنفسهم على نحو صريح، وقد أنتج هذا السلوك المنحرف حالة من الفساد لم يسبق للثقافة العربية أن شهدتها خلال الأعوام الخمسين الماضية. للمرة الأولى، نلاحظ تشكل شِلَل متعددة المصالح، تتحكم في المشهد، تفتح الباب لمن تشاء، وتوصده أمام من لا ينتمي إليها، وهذا هو سر تكرار الوجوه في أكثر من مهرجان ومعرض كتاب ولجنة تحكيم لجائزة. وبات من الصعب على شاعر مستقل أن يشارك في مهرجان، أو يترجم عمله، أو أن يحصل على جائزة.

المفترض أن المهرجانات منصات لها هدف محدد يتوخى تقديم الشعر والشعراء، وزاد على ذلك الحفاظ على مكانة الشعر بعدما تدنى الاهتمام به من قبل دور النشر ووسائل الإعلام والمؤسسات الثقافية. وعلى هذا، يُنتظر منها أن تهتم بجديد الشعراء المعروفين، وإفساح المجال أمام الأسماء الجديدة كي تقدم ما لديها، لكن للأسف ليست هذه هي القاعدة المعمول بها. وصارت غالبية المهرجانات العربية والدولية، تدور في حلقة مفرغة، مكرسة لتكريس المكرّس من الأسماء، وفشلت محاولات عديدة من أجل الخروج من هذا النمط، والسبب في ذلك هو أن القائمين عليها، لا يقدّرون الشعر والشعراء، ويتعاملون مع المناسبة على أساس حاسبات ذاتية.
هذا هو الحال. ومع ذلك لا يكف البعض عن طرح السؤال حول سبب تراجع حضور الشعر في حياتنا العربية. لا أحد يعترف أن أصل المشكلة هو أهل الشعر أنفسهم، الذين ابتذلوه إلى حد الإشفاق.
 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها