الخميس 2024/06/13

آخر تحديث: 12:24 (بيروت)

أزمة في معهد الفنون المسرحية بدمشق: لا مشاريع تخرج!

الخميس 2024/06/13
increase حجم الخط decrease
انتهى في 12 حزيران الجاري، دوام طلاب السنة الرابعة لقسم التمثيل في المعهد العالي للفنون المسرحية بدمشق، وتداول بعض هؤلاء في حساباتهم في فايسبوك كلمات وداعية لمكان أهَّلَهم علمياً، ليكونوا ممثلين ينتظرون تقديم إمكاناتهم، في سوق العمل، عبر الدراما والسينما، وقبلهما المسرح ذاته.

كان يمكن لمشاعر هؤلاء، وقد تدفقت من كلماتهم المكتوبة، أن تكون معتادة، أو طبيعية في سياقها، لا سيما أن التخرج حدث تكرر كل عام، لولا أن هذه الدفعة من الممثلين الشباب تتخرج هذه السنة من دون تقديم مشروع تخرج، وهو في الأعراف العلمية المسرحية، عرض مسرحي، يتولى الإشراف عليه أحد الممثلين من أصحاب التجربة الأكاديمية، ممن تتوافر لديه مقومات ضرورية تمكنه من التعاطي مع إمكانات الطلاب. أي أنه يجب أن يكون مُلماً بقواعد إعداد الممثل، إضافة إلى رؤية إخراجية لا يسعى من خلالها إلى إظهار موهبته، بل يحاول تقديم طاقات الممثلين الذين سيؤدون شخصيات نص مسرحي، يُختار بعناية فائقة.

حرمان طلاب السنة الرابعة من تمثيل من مشروع تخرجهم، جاء بعد إصدار عمادة المعهد قرارها باعتماد درجة مشروع تخرج الفصل الأول، إثر أزمة مع المشرف المختار من قبل الإدارة، الممثل كفاح الخوص. وفي تلخيص القضية، ومن خلال ما صرح به البعض، بمن فيهم عميد المعهد الحالي تامر العربيد، ظهر شرخ بين الأستاذ والطلاب إثر عدم التوافق في ما بينهم على نصٍ يجب أن يعملوا عليه، بالإضافة إلى استياء عام من طريقة تعامل الخوص، فيما أُشير إلى خلفيات سابقة، كالعلاقة السيئة بينه وبين بعض الطلاب، وكذلك رغبة المجموعة في الاستمرار مع أستاذ آخر سبق له التعامل معهم لمدة طويلة.

كان يمكن لمثل هذه المشكلة أن تكون عابرة في الفضاء الأكاديمي المسرحي، لكنها ضمن الظروف الحالية في البلاد، حيث تعيش المؤسسات العامة أزمات شتى، تحولت إلى مشكلة تتجاوز حيثياتها الصغيرة لتتصل بشكل وأسلوب إدارة العمل الفني والثقافي. ولعل تصريحات أدلى بها عميد المعهد تامر العربيد، تكشف أن سبل الحوار المتبعة بين الأطراف في المساحة الإبداعية لا تؤدي إلى تبادل متكافئ للأفكار، بل هي صورة عن شكل الحوار القائم تاريخياً بين السوريين وبين السلطة، أيُ سلطة. فكل إدارة لمؤسسة سورية ترى نفسها ممثلة عن النظام ذاته، وهي تُخضع مرؤوسيها لقواعد تخضع لها بدورها، في علاقتها الهرمية مع الجهات الأعلى.

وإذا كان لا بد من استدعاء استعراضي لممارسة ديموقراطية ما، أمام الرأي العام، فإن الاجتماع الذي جرى بين الطلاب والعميد مع وزيرة الثقافة لبانة مشوح، نهاية الشهر المنصرم، لم يكن أكثر من ذر للرماد في العيون، إذ ظهر الطلاب يستمعون مع الوزيرة، للعربيد، في ما يبدو أنه شرح مدرسي عن ضرورة تنفيذهم للإملاء الإداري!

حُبّ تامر العربيد للاستعراض، قديم جداً، يكرره كلما تولى منصباً أو إدارة، لكنه هذه الفترة يؤدي إلى فضيحة علمية، قوامها وصوله إلى عتبة "المكاسرة" بين إرادته كعميد، وبين إرادات الطلاب. وها هو قد انتهى إلى الاصطدام بالحائط، من دون أن يستطيع إقناع الجمهور المتابع للقصة بروايته، بعدنا صرح في غير مكان أن إدارة المعهد رأت أسباب اعتراض الطلاب على كفاح الخوص "غير مبررة"، لكنه لم يخف السبب الذي جعله يلجأ إلى الحلول السلطوية. فهو يرى "أن مطالب الطلاب لم تظهر كشكوى، بل كتمرّد على أنظمة وقوانين المعهد". وبالتالي فإن هذا لا بد سيفضي إلى الحل الأقل كلفة والأشد حسماً وتكريساً للعنف المعنوي، وهو إلغاء عرض التخرج، وتحميل المتمردين المسؤولية عما جرى! بينما كان يُفترض ألا يأتي هو شخصياً، ومن موقعه العلمي والفني، بتصرف كهذا، واللجوء إلى حلول أخرى، حتى وإن اضطر إلى تأجيل موعد عرض التخرج.

ساق العربيد في حديثه عن الأزمة، أنه كإدارة، تواصل مع عدد كبير من الفنانين أصحاب التجربة العلمية، لكنهم رفضوا الإشراف على هذه الدفعة، متذرعين بأسبابهم الشخصية. لكن المفارقة التي تقود إلى عمق الأزمة، تتجلى في أن المعهد العلمي أنفق جهداً كبيراً في فعالية إعلامية اسمها "ملتقى الإبداع"، يستضيف فيها ممثلين معروفين في الدراما السورية، لتظهر أمام الكاميرات صور الضيوف وهم يبتسمون، سعداء بعراضات تستقبلهم، وسط حشد من طلاب المعهد والصحافيين. لكنه في وقت الأزمة لم يجد واحداً من هؤلاء، يقبل بالشغل تحت إدارته، في سبيل تخريج الدفعة المأزومة.

لا يبدو أن القصة ستنتهي عند ما وصلت إليه، خصوصاً أن حسابات الفايسبوك تحفل بكلام يساند "الضحايا"، والمسكوت عنه سيظهر للعلن. لكن السياق العام الذي نعرفه عن المشهد الثقافي والفني السوري، لا ينبئ بأن شيئاً سيتغير، بل إن أقصى ما يمكن أن يحدث هو قرار يصدر من وزيرة الثقافة، بعد وقت طويل، بتنحية العربيد من منصبه بعدما استُخدم كورقة قابلة للاستهلاك، وحان وقت استبداله بشخصية أخرى، ترى فيها الجهات المختصة (المخابرات طبعاً) صفة الخضوع ولا تعاني أعراض فقدان الولاء للنظام، وهكذا دواليك..


increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها