الخميس 2024/05/23

آخر تحديث: 13:26 (بيروت)

"كل طاولة لها قصة" لغيلان الصفدي...كيان شاعري يستقبل الجميع

الخميس 2024/05/23
increase حجم الخط decrease
"كل طاولة لها قصة" هو العنوان الذي اختاره الفنان السوري غيلان الصفدي (مواليد السويداء 1977) لمعرضه الجديد لدى "غاليري آرت أون 56 " (الجميزة، بيروت، شارع يوسف الحايك). أعمال مشغولة بمادة الأكريليك، وذات حجم يتراوح بين المتوسط والكبير، تتشكل ضمنها موضوعات تتعلّق بالعنوان المذكور، الذي يشير إلى الطاولة كعنصر مادي لا يخلو منه بيت من البيوت. أمّا إذا دار الحديث حول طاولة المقهى وإمكان حضورها في المكان، فإن الجواب سيكون بديهياً، وساذجاً ربما.
 
لا شك في أن طاولة المقهى هي المقصودة في العنوان قبل سواها، ولا يستقيم الحديث ما لم يشمل المقهى نفسه. جرت العادة، أحياناً، أن يختار بعض الروّاد طاولة في عينها للجلوس إليها في المقهى. "لكل شخص طاولته الخاصة، حيث يضع خصوصياته وذكرياته"، يقول صفدي. الطاولات في المقاهي تحمل ذكريات، وأشياء أخرى كثيرة. حتى الصور القديمة لمقاه بائدة ننظر إليها، في الوقت الحالي،  بكثيرمن النوستالجيا، لسبب أو لآخر. مقهى "مودكا" في شارع الحمرا ببيروت مثالاً، وأقل منه إلى حدٍ ما مقهى "ويمبي"، وذلك لمن اعتاد ارتياد أحد المقهيين.


الفكرة التي يقوم عليها المعرض هي ذات طابع شاعري، وتحمل نزعات أقرب إلى الروحانية. ولو جرت محاولة إيجاد تصوّر تمثيلي لها، لانفتحت أمامنا خيارات لا تنتهي. العنصر المادي الجامد في هذه المسألة هي الطاولة. هذه الطاولة، ولو شئنا البحث في كينونتها، لقلنا أنها تُعتبر تقليداً حديثاً، إذا ما قيس الأمر بالفترة التاريخية التي أصبحت خلالها الجسم المادي الضروري، الحامل لأوعية الشراب المادية بدورها. كانت العرب حتى وقت غير بعيد يفترشون الأرض في المقاهي الشعبية وخلال جلسات السمر، وقد عاد هذا التقليد إلى بعض الأماكن كنوع من "الصرعة" الإكزوتيكية، في ما يُصنّف كموقف مضاد لكل ما يمت بصلة إلى الطابع الرسمي وضروب الإتيكيت، التي يثير بعضها التعجّب، وحتى الضحك، لدى أوساط معينة.

على أي حال، سنرى هذه الطاولة في أعمال الصفدي، لكنه لم يجعل منها جزءاً أساسياً من العمل التشكيلي، أو بالأحرى من ناحية التأليف، كما يمكن أن يُخيّل للباحث عنها في اللوحة، إستناداً إلى عنوان المعرض. إذ سوف نراها في الزاوية السفلى في بعض الأعمال، أو مختبئة في بحر يموج بالخليقة، كما في لوحة "طاولة الظل". وللمناسبة فإن الحاضرين في هذا العمل، ونظراً إلى الشكل الخارجي للشخصيات، وما يرتدونه من لباس، يشير إلى أنهم ينتمون إلى فئات، وحتى جنسيات مختلفة. الطاولة جاهزة لإستقبال الجميع، بلا تفرقة بين ما يود أن يجلس إليها، والظل الذي يرتسم على صفحتها (في العمل) لا هوية له، ويمكن أن يكون أياً كان. ربما تقصّد الفنان أن يكون ظلاً لذكرى، أكثر منه لشخصية وقع الضوء عليها، وانبسط ظلّها على الصفحة الخشبية.


"طاولة الموسيقى" إتخذت لنفسها أسلوباً تشكيلياً يذكّر بالتكعيبية، وخياراً لونياً "طفولياً"، يتراوح بين الأزرق والأحمر، والقليل من الأخضر. وكأن الصفدي شاء من خلالها أن يرسم أجواء فرح عامر، بعيداً من العالم الواقعي، وأقرب إلى عالم السيرك، حيث لا يبدو المهرّجون على هيئآتهم الأصلية، بل على الهيئة التي تسلّي الجمهور، وتبعد عنه همومه اليومية، وما أكثرها في بلدنا. "طاولة السمكة والصبّار" ذكّرتنا بلوحة جورج دي لاتور "الغشّاشون" Les Tricheurs ، وكذلك لوحة كارافاجيو حول الموضوع نفسه، مع الفارق في عدد الحاضرين في اللوحة، وهم ليسوا كثر في اللوحتين المذكورتين. وجوه اللاعبين (الشخصيات في لوحة صفدي) تدور في غير اتجاه، أو ينحرف بعضها عن النظر إلى المشاهد. لكن عمل الصفدي يستحضر في الواقع أشخاصاً عدّة، ولكل منهم موقف يختلف عن ذاك الذي يجاوره، في حين ترسم الأيدي، بدورها، علامات تتراوح بين التساؤل والتعجب وإخفاء الوجه وسواها. أما "طاولة القارب"، فلا شك في أنها تحمل طابعاً أقرب إلى الدراما، وقد نتساءل إذا ما كان الفنان أراد من خلالها تصوير حال المسافرين غير الشرعيين، الهاربين من جحيم الحرب والفقر والعوز، في رحلتهم نحو المجهول، التي قد تؤدي إلى الموت، قبل الوصول إلى بلاد يحلمون بأن يصبح لهم فيها حياة أخرى.
 
"في ھذا المعرض، بين الحشود وحياة الآخرين الملونة، أردت التحدث عن قصص تلك الطاولات الصامتة والمنسية. طاولات تحملُ كل اللحظات الحزينة، الفرحة، الحب، الموت ولعلها الحياة. ربما تجد طاولتك الخاصة في إحدى اللوحات... ربّما أقول ربّما"، يشير غيلان صفدي.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها