الأحد 2024/05/12

آخر تحديث: 07:33 (بيروت)

سيرة نضال الصالح القاتمة..كيف اتفق الجميع على تفاصيلها؟

الأحد 2024/05/12
سيرة نضال الصالح القاتمة..كيف اتفق الجميع على تفاصيلها؟
استفاض المثقفون في الحديث عن هذه المحطات في حياة الصالح
increase حجم الخط decrease
رحل قبل أيام نضال الصالح الأستاذ في جامعتي دمشق وحلب، رئيس اتحاد الكتاب العرب السابق، إثر فترة من الغياب، تسببت بها الإصابة بالمرض، وانحدار أحواله، على كافة المستويات.

وبينما نعته المؤسسات الرسمية كوزارة الثقافة التي شغل فيها منصب معاون الوزير، واتحاد الكتاب العرب، وعدد غير قليل من معارفه المحبين عبر شبكات التواصل الاجتماعي، كتب سوريون آخرون، عرفوه من خلال أمكنة العمل وقبلها المقاهي وأمكنة لقاء الفاعلين في الوسط الثقافي، عن تاريخ الرجل وتحولاته من شاب طموح قادم من بيئة فقيرة، إلى شخصية فاجرة لا تتورع عن الإساءة للآخرين ممن يخالفونه الرأي أو المزاج السياسي. 

اعتبر هؤلاء أن قيام الثورة السورية في آذار 2011 هو الحد الفاصل بين وضعه العادي في المجتمع المصاب بأمراض شتى بسبب التسلط السلطوي، وبين الحالة المختلفة التي انتهى إليها كمثقف حاز مكانة في وقت ما في سلالم النظام بعد جولات تشبيحية وصل بها إلى مقام المخبر كاتب التقارير بحسب بعض من تضرروا من أفعاله.

استفاض المثقفون في الحديث عن هذه المحطات في حياة الصالح، وكأنهم يكتبون -كل بدوره وعلاقته به في مكان ما- كتاباً مشتركاً عنه، غير أن المفارقة اللافتة في هذا الأمر، تأتي من أن أغلب من جردوا أقلامهم للقصة، كرروا تفاصيل شبه مطابقة، رغم أنهم لم يتفقوا، لا على التفاصيل، ولا على التقييم! حتى يخال للقارئ أن هؤلاء قد اجتمعوا، ووضعوا خطتهم في سرد حكاية المثقف السلطوي في لحظات الثورة. لكن الحقيقة تقول إن المؤامرة لم تبدأ من لدنهم، بل إنها ولدت من الشخصية ذاتها، موضوع الكتابة، وعاشت في بيئة فاسدة صنعها النظام في الحياة السورية، ووصلت إلى نهايتها في الواقع ذاته، ويمكن بقليل من الاجتهاد اعتبار هذه المعادلة صالحة للحديث، ليس عن المثقفين الممالئين للأسد من مقام نضال الصالح وغيره، بل مفيدة لتتبع حيوات الآلاف من الشخصيات الفاعلة في مجالات الحياة العامة.

طبيعي أن يحدث هذا في سوريا، بعد أن حدث ما يشبهه في مجتمعات أخرى عاشت تجارب الحكم الشمولي، لكن الخصوصية المحلية تأتي هنا من أن ما يختلف عليه في السير الشخصية لأولئك المشكوك بنزاهتهم وارتباطاتهم بالأجهزة الأمنية في بلدانهم، ويستدعي العودة إلى أراشيف هذه الأجهزة، لتبيان الحقائق عنهم، يتحول وبدون شكوك إلى حقائق في سوريا، ليس لأن شخصية كالصالح كانت تشهر عن نفسها ارتباطاتها المشينة، بل لأن الجهة التي تستميت في خدمتها، وتبذل من أجلها الغالي والنفيس من تاريخها المهني أو الثقافي، هي من يتكفل بحرقها، وإزاحتها إلى الهامش بعد أن يستنفذ أغراضه منها!

يمكن العثور على قصص تشبه هذه الحكاية دائماً، لكن ما يصعب أن يتوفر مثله هو تضافر هذه المساهمات للكتابة فيها وعنها، وربما سيكون ملفتاً أن غالبية من دون التفاصيل عن الرجل لم ينف آهليته العلمية، وقدراته المعرفية، وحتى سوية الكتابة الإبداعية التي خاض فيها، وهذا الملمح يدفع هذه الكتابة إلى مرتبة النزاهة بنسبة كبيرة، فالكلمات والجمل التي كررت عن رداءة ما قام به الصالح في البيئات التي عمل فيها، لا تنتمي لأغوار "المؤامرات الممولة من الخارج للإساءة إلى الشخصيات الوطنية" بحسب المؤيدين، بل هي جزء من سياق توصيفي، طبيعي، ساهم فيه كتاب يقيمون في الداخل السوري، تحدثوا عن جوانب عرفوها بحكم قربهم منه.

ربما يمكن اعتبار هذه القصة، كتابة السيرة الذاتية من خلال عيون مختلفة، غير متفقة، نمطاً من أنماط بناء الذاكرة العامة، يجادل الروايات الرسمية، ويتغلب عليها، لا لقوة نشره، أو تعميمه، بل لأنه ينطلق من الهامش، ومن المساحة التي لا تظهر في السياق العام، حيث يكتفي الشهود بالمراقبة، وتسجيل التفاصيل، وصولاً إلى لحظة استدعاء شهاداتهم، لتوضع أمام القارئ، تاركة له الحرية والخيار في أن يجري التقييم الأخلاقي المناسب.


ينطبق هذا الأمر على شخصيات أخرى، عاشت ورحلت في البيئة ذاتها، لكنها بقيت متوارية عن عيون الصحافة والإعلام، فكتب الشهود سيرها، وكذلك يجري الأمر نفسه على آخرين اشتهر عنهم الإبداع والتميز، لكن المخفي من حيواتهم لم يتأخر عن الظهور، فكشفت علاقاتهم مع النظام، وتبين أن لحظات نفاقهم لأهل السلطة، كانت ومازالت مرصودة، ومسجلة.

المشكلة أن شخصيات في زمننا الحالي تشبه حالة نضال الصالح، وهي تقرأ ما يكتب عنه، وترى كم بات صعباً تلفيق سيرة معطرة عن شخصية عفنة تفوح منها الرائحة الكريهة للنذالة والارتهان والانبطاح، لكنها (الشخصيات) لا ترتدع ولا تتعلم، وتتجاهل المصائر المحتملة، وكأنها ترى قصة في مسلسل درامي، جاء من خيال مؤلفيه!
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها