الأربعاء 2024/08/07

آخر تحديث: 14:58 (بيروت)

الضفة الغربية: ماذا وراء تصعيد الاحتلال اقتحاماته العنيفة؟

الأربعاء 2024/08/07
الضفة الغربية: ماذا وراء تصعيد الاحتلال اقتحاماته العنيفة؟
قوات الاحتلال تقتحم الضفة بمعدل 6 مرات شهرياً حاصدة عشرات الشهداء (Getty)
increase حجم الخط decrease
تشكّل العملية العسكرية الواسعة التي نفذها جيش الاحتلال أخيراً، في مدينة جنين ومخيمها، وعدد من بلداتها، أن الاحتلال يصعد اقتحاماته لمناطق الضفة الغربية، وتحديداً شمالها، يوماً بعد آخر، وضمن مشهدية تعتمد على القتل والتدمير الكبيرين، عبر استخدام سلاحي الجو والبر.

قمع.. براً وجواً
وبدأ الاحتلال باستخدام مسيّرات جوية، وطائرات "إف-"16؛ لاغتيال من يصفهم بـ"المطلوبين" في الضفة، على نحو غير مسبوق، وللمرة الأولى بعد 7 تشرين أول/أكتوبر 2023، لكنه كثفها بشكل كبير في الأسابيع الأخيرة، لتحقيق عمليات قتل بـ"الجملة".
وبحسب تقديرات فلسطينية، فإن جيش الاحتلال نفذ نحو 60 عملية عسكرية واسعة، في مدن ومناطق شمال الضفة خلال 10 أشهر، بحيث مكث في كل اقتحام ساعات وأيام طويلة، وحصد عشرات الشهداء، إضافة إلى تدمير واسع للبنية التحتية، بواقع 6 عمليات شهرياً، وهذا الرقم لا يشمل الاقتحامات الاعتيادية شبه اليومية، التي ينفذها الاحتلال ليلاً في عموم مناطق الضفة، لاعتقال فلسطينيين.
وحاول جيش الاحتلال تسويغ قمعه المتصاعد للضفة، تارة بالادعاء يأن عملياته العنيفة، واغتياله شباناً فلسطينيين بطائرات مسيّرة، هدفها منع هجمات مسلحة آنية، وإحباط تطوير مجموعات مسلحة وسائل قتالية "أخطر على إسرائيل"، وتارة أخرى، بالزعم أنها لقطع الطريق على "محاولات إيرانية وحمساوية لإشعال الضفة، بموازاة جبهات أخرى". 

"قلق" من القدس.. وهاجس "الانفجار"
ونقلت إذاعة "مكان" العبرية عن مصادر أمنية أن دائرة قلقها في اتساع مستمر، ولا تقتصر على جنين وطولكرم، بل تمتد إلى مناطق أخرى، مشيرة إلى أن القلق الأكبر هو ازدياد المواجهة، وتشكيل مجموعات مسلحة في مناطق جديدة بالضفة.
وبحسب مزاعم الاحتلال، فإن الدوائر الأمنية لديها قلق متزايد في الأيام الأخيرة من منطقة القدس، وتحديداً من بلدة العيسوية، وبلدات مجاورة لها، مدعية أن المنطقة مرشحة لتصعيد الأوضاع. 
واللافت أن القراءات الإسرائيلية لأنشطة جيش الاحتلال المكثفة بالضفة، تبدو متباينة، حيث ترى قيادة جيش الاحتلال أن الاقتحامات العنيفة والمكثفة ستبقى مستمرة؛ بوصفها "وسيلة" لمواجهة سيناريو انفجار أكبر في الضفة، بينما تخشى تقديرات إسرائيلية أخرى من أن هذا النوع من الاقتحامات، سوف يؤدي إلى انفجار  حتمي للضفة، من شمالها حتى جنوبها.
ووفق رواية الاحتلال، فإنه يتعامل مع نحو 20 مجموعة مسلحة في الضفة، أبرزها "كتيبة جنين، كتيبة جبع، كتيبة طولكرم، كتيبة طوباس، وغيرها..."، وسط محاولاته لمنع توسع دائرة تشكيل هذا النوع من المجموعات في مناطق أخرى.
والحال أن الضفة تُعد مربِكة للاحتلال من الناحية الأمنية، نظراً لموقعها الجيوسياسي، ووقوع جنين وطولكرم بمحاذاة أراضي الـ48، إضافة إلى أن وجود المستوطنين فيها يجعل المواجهة من المسافة صفر. وهي عوامل تجعل "خطر الضفة" مضاعفاً على الاحتلال، خصوصاً في حال انفجارها بالتزامن مع اندلاع حرب أو تصعيد واسع في الجبهة الشمالية، وجبهات أخرى، إذ أن هذا السيناريو تعده إسرائيل "خطيراً"، ومشتتاً للجيش والأمن.
وهنا، تقرّ تقديرات عسكرية إسرائيلية بأن معظم الاغتيالات والاقتحامات الواسعة في الضفة، يُدرجها الأمن الإسرائيلي في سياق "ضربات وقائية واستباقية"، لمنع "سيناريو أخطر متمثل بانفجار الضفة، تزامناً مع فرضية اندلاع الحرب الشاملة والواسعة مع إيران وحزب الله وحلفائهما".

أهداف علنية.. وخفيّة
في المقابل، يقول المتخصص في الشؤون الإسرائيلية عادل شديد لـ"المدن"، إن هناك دوافع أخرى لاقتحامات الاحتلال العنيفة لجنين وطولكرم، ومناطق أخرى، حيث يستغل الاحتلال ما يحدث في غزة، والانشغال الإقليمي والدولي بخطر اندلاع حرب مع إيران وحزب الله، من أجل خلق واقع جديد بالضفة، يمكّنه من رسم مستقبل جديد قائم على تعزيز مشروع الاستيطان، وتفريغ مناطق من السكان الفلسطينيين، وإجبارهم على التهجير، أو حصر وجودهم في "كنتونات" مشتتة ومكتظة، وذلك بالترافق مع تصاعد عمليات السيطرة على مزيد من الأراضي الفلسطينية، واعتداءات المستوطنين على سكان الضفة.
 ويرى شديد أن إسرائيل تمعن بمخططها في الضفة، مستفيدة من ضعف البنى والهياكل التنظيمية للقوى السياسي الفلسطينية فيها، إلى جانب رغبتها بضرب البيئة الجماهيرية الحاضنة للمقاومة، عبر سياسة العقاب الجماعي، وتدمير وتخريب البنية التحتية في جنين وطولكرم.
ونوه شديد إلى أن استخدام الاحتلال سلاح الجو في تنفيذ اغتيالات، هدفه ضرب معنويات الفلسطينيين، وإرباك المقاومة، وتشتيتها، عبر الإيحاء بأنها "مخترقة"، إلى جانب مساعٍ إسرائيلية لاستعادة ثقة الإسرائيليين بقيادتهم السياسية والأمنية. 
أما السلطة الفلسطينية، فإنها تعتقد أن الاقتحامات المتصاعدة في الضفة، وتيرةً وعنفا، تندرج في سياق مخطط إسرائيلي لجعل كل محافظة فلسطينية تواجه مصيرها لوحدها، وأن يتم "ضرب الرأس السياسي للسلطة". 
وقالت مصادر قيادية في السلطة لـ"المدن" إن المخطط الإسرائيلي يريد خلق واقع جديد قائم على "تغيير جوهري في شكل السلطة الفلسطينية ومضمونها؛ لقطع أي إمكانية لإقامة أي كيان فلسطيني متماسك بنيوياً أو جغرافياً".
 وبغض النظر عن دوافع تصعيد الاحتلال أدوات قمعه واقتحاماته، فإن سكان من الضفة الغربية يؤكدون لـ"المدن"، أنهم يعيشون ظروفا أشد تعقيداً وقتامة مما سبق، بموازاة ضعف شديد بالسلطة، وغياب الفصائل، وقيادة بالميدان.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها