الخميس 2024/08/29

آخر تحديث: 00:02 (بيروت)

اجتياح طولكرم وجنين: أهداف إسرائيلية علنية.. ومستترة

الخميس 2024/08/29
اجتياح طولكرم وجنين: أهداف إسرائيلية علنية.. ومستترة
إسرائيل تسعى لضرب أي لبنة لكيان فلسطيني متماسك (Getty)
increase حجم الخط decrease
تحمل العملية العسكرية الإسرائيلية الأوسع في شمالي الضفة الغربية، منذ نحو 22 عاماً، علامات استفهام بشأن أهدافها وسياقها وتوقيتها، خصوصاً أنها جاءت في خضم موجة متصاعدة من اعتداءات الاحتلال والمستوطنين في عموم الضفة، وبوتيرة أشد، بعد 7 تشرين أول/أكتوبر 2023.

السلطة علمت مسبقاً بالعملية؟
كشف مصدر رسمي بالسلطة الفلسطينية لـ"المدن"، عن أن السلطة علمت الأحد الماضي، بنية جيش الاحتلال تنفيذ عملية واسعة في شمال الضفة. لكن المصدر رفض كشف الجهة التي أوصلت للسلطة التسريب بهذا الخصوص، ذلك أن الاحتلال معروف عنه أنه لا يسرب معلومة استباقية بشأن نشاطه العسكري.
وأضاف المسؤول المقرب من رئيس السلطة محمود عباس، أن الأخير باشر منذ لحظة علمه بالعملية الإسرائيلية، بالاتصال بدول عربية وغربية، من أجل التحرك لمنعها. كما أكد أن المعلومة المسرّبة أفادت بأن عملية طولكرم وجنين ستكون مكثفة ولأيام طويلة، واصفاً إياها بـ"نسخة ثانية من عملية السور الواقي التي نفذها الاحتلال في الضفة عام 2002".

"هدف أسوأ من السور الواقي"
ونوّه المسؤول بأن هدف الحملة الإسرائيلية في شمال الضفة، "أسوأ من عملية السور الواقي"، لأنها تتضمن أهدافاً ومخططات للمستوطنين الذين وصلوا إلى الحكومة، ويريدون تحقيقها الآن، بحجج أمنية.
وبحسب المصدر، فإن الاجتياح الواسع لطولكرم وجنين رغم تبريره من إسرائيل بـ"اجتثاث مخاطر مهددة لها"، إلا أنه يندرج في سياق حملة لـ"تقويض منهجي وتدريجي للسلطة، تماشياً مع ما يجري في قطاع غزة، بما يضمن ضرب أي لبنة لكيان فلسطيني متماسك، بموازاة تعزيز الاستيطان والسيطرة الشاملة على الضفة، وتهجير المزيد من الفلسطينيين". 

تهيئة لصيغ إدارية جديدة؟
واعتبر القيادي بالسلطة أن الاحتلال عاد بذلك إلى مشروعه الأصلي، وهو فرض صيغة إدارية جديدة في الضفة، حيث تقوم على تقاسم وظيفي لإدارة السكان عبر بلديات أو أجسام بديلة. وبهذا المعنى، تعتقد السلطة أن الاحتلال يخطط لفرض 3 صيغ في الضفة: الأولى، "صيغة الحسم الأمني" في شمال الضفة، فيما تمزج الثانية، بين الأمني والسياسي في وسط الضفة (رام الله وأريحا وضواحي القدس). وأما الصيغة الثالثة المتعلقة بجنوب الضفة، فهي تعتمد على حكم العشائر والعائلات الكبيرة.
لكنّ المسؤول أقرّ أيضاً أن السلطة غير قادرة على "تثبيت صمود المواطن على الأرض"، بسبب "ظروفها الاقتصادية والسياسية المعقدة".

مخطط ولد في 2021
بدوره، قال عضو اللجنة المركزية لحركة فتح عباس زكي لـ"المدن"، إن ما يجري في شمال الضفة، بمثابة تنفيذ لمخطط إسرائيلي أُعد العام 2021. واعتبر أن إسرائيل ليست "دولة" الآن، وإنما تحكمها "عصابات المستوطنين"، وأنه لا أحد يلجمهم، وأن أميركا ودولاً أخرى في حلف شمال الأطلسي (ناتو)، "متورطون بمخطط تغيير الخرائط".
وقال زكي إن السلطة لم تُعدّ نفسها للقتال، وإنما هي "جزء من عملية السلام المخادع"، لكنه اعتبر أن السلطة تؤكد مواقفها السياسية في الأمم المتحدة، واتصالاتها بالأطراف العربية والدولية لـ"احتواء المخاطر".

الضفة.. ساحة "أخطر"
في المقابل، تركز حركة حركة حماس في قراءتها لتطورات الضفة، على منظور ميداني أكثر، وذلك باعتبارها اجتياح طولكرم وجنين، بمثابة محاولة من الاحتلال لحسم واقع أمني متفاقم في ساحة تُعدُّ "الأخطر جيوسياسياً".
وقال مصدر من الحركة لـ"المدن"، إن ذهاب الاحتلال إلى عملية كبيرة في شمال الضفة، هو إقرار منه بفشل عملياته الموسعة السابقة، بدليل تطور صناعة العبوات الناسفة. وأكدت عملية تل أبيب التفجيرية الأخيرة هذا الاستنتاج.
وبحسب المصدر الحمساوي، تسعى عملية الاحتلال الواسعة تقويض بنية المقاومة، وقطع تواصلها مع فروع المقاومة في الساحات الأخرى. كما قدّر أن الاحتلال يخشى من عملية مفاجئة وكبيرة للمقاومة في الضفة، ويريد بحملته الجديدة أن يوحي بأن حملته الاستباقية تكبح الهاجس من "7 أكتوبر جديد".
كما نوه المصدر إلى دافع آخر للعملية، وهو سعي إسرائيل لاستعادة "الردع في الجبهات السبع"، مبيناً أن الضفة تشكل "الساحة الأخطر" على الاحتلال، لو تصاعدت المقاومة فيها بشكل شامل.

ترجمة لاتفاقات ائتلافية
من جانبه، يقول الباحث في الشأن الإسرائيلي أنطوان شلحت، إنه يجب الأخذ بالاعتبار أن العملية الإسرائيلية الواسعة في طولكرم وجنين، تجري في ظل حكومة أكثر يمينية، قومياً ودينياً، وهي حكومة بُنيت على اتفاقات ائتلافية، تضمنت نصاً صريحاً بأن "حق تقرير المصير في أرض إسرائيل"، بما يشمل الضفة، هو "حق حصري لليهود".
ونوه شلحت في حديث لـ"المدن"، بأن الحكومة الإسرائيلية نقلت الصلاحيات المتعلقة بالاستيطان و"الإدارة المدنية في الضفة"، من الجيش إلى زعيم "الصهيونية الدينية" بتسلئيل سموتريتش، وهو ما يعني تحولا إدارياً من صيغة "فترة انتقالية" إلى "دائمة" في الضفة. ناهيك عن تقرير لخمس منظمات حقوقية، أكد حصول "انقلاب" بالاستيطان في الضفة، حيث أصبح مُهدِّدا ليس فقط للمناطق "ج"، التي ينتشر فيها الاستيطان وتسيطر عليها إسرائيل، بل أيضا للمناطق "ب"، التابعة للسلطة الفلسطينية.

أهداف آنية.. وبعيدة
وبهذا المعنى، يرى شلحت أن عملية الاحتلال العسكرية في شمال الضفة، لها أهداف آنية، وأخرى متوسطة وبعيدة المدى، بما يتربط بـ"مأسسة الضم"، والقضاء على أي إمكانية لـ"حل الدولتين".
إلى جانب هذا، يؤكد شلحت الهدف الأمني أيضاً، على ضوء تصاعد حالة من الانتفاضة المسلحة في شمال الضفة، وقد أثبتت تحسن أدائها، تسليحاً، وقدرة على تنفيذ عمليات، وهو ما دفع إسرائيل إلى محاولة إخمادها، لأنها بدأت تشكل نموذجاً يُحتذى.
يبدو أن إسرائيل تظن أن الوقت "مناسب ومريح لها"، لفرض أهدافها الأمنية والسياسية، عبر حملات عسكرية غير مسبوقة في الضفة.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها