التصفيق لنتياهو ليس الصورة الحقيقة: خطابه بالكونغرس يفتقر للإجماع

راغب ملي
الخميس   2024/07/25
نتنياهو في الكونغرس (غيتي)
في قاعة الكونغرس الممتلئة، تعالت أصداء التصفيق التي تشير الى إجماع نادر على خطاب رئيس حكومة الحرب الاسرائيلية بنيامين نتنياهو. هذه القاعة التي اعتادت على الخلافات والتباينات، وشهدت انفعالات سياسية محمومة، وقفت تصفيقاً لنتنياهو الذي رفض وقف الحرب قبل القضاء على "حماس" أو استسلامها، ودعا الى تحالف أميركي – اسرائيلي لمواجهة إيران.

هذه المشهدية والإشارات كانت هدف نتنياهو لتكون صورة للإعلام الذي سعى جاهداً لنقلها وتثبيتها في عقول المشاهدين حول العالم. 


يخاطب نتنياهو الحضور، مُحاطاً بأجواء من التأييد والتوافق. لكن وراء هذه الصورة المثالية، تكمن حقيقة أخرى، تتعلق بمحاولات "تطهير" الإعلام من الأصوات المعارضة، والترويج لوقائع غير حقيقية. هذا المشهد كله بحاجة إلى تدقيق بعيداً من مضمون الخطاب نفسه. 

ففي خضّم هذا الصخب، تلمع لافتة تندد بنتنياهو وتصفه بالمجرم، وتسلّط الضوء على وجود المعارضة في مواجهة ما يُظهره الإعلام كتوافق عام، أو كقضية تحظى بإجماع نواب الحزبين الأميركيين.

وبمعزل عن دور الإعلام في تشكيل الصورة الذهنية لدى المُتلقّي، يعكس الحدث الأخير المُتمثل بخطاب نتنياهو في الكونغرس، حقائق أخرى. يتضّح أن الأذرع والماكينات الإعلامية المُؤيّدة لإسرائيل، سعت إلى توحيد الصفوف خلف خطاب نتنياهو، وتجاوز أي خلافات. وعلى الرغم من وجود اختلافات في الآراء، فإن النهج الأميركي العام يظل ثابتاً في دعم إسرائيل، خصوصاً بعد عملية "طوفان الأقصى" التي إعُتبرت تهديداً وجودياً لدولة الإحتلال، حيث يتجاهل صناع القرار في الوقت الحالي الخلافات، ويسعون إلى تعزيز تأييد الرأي العام لإسرائيل.

اللافت للانتباه في كلمته التي استمرت 52 دقيقة، أنه تخللها تصفيق وصفير متواصل وصل إلى 81 مرة، مما يعني أنه كل 40 ثانية تقريباً كان هناك تصفيق له داخل الكونغرس. حاولت وسائل الاعلام الاسرائيلية وبعض الاعلام الاميركي الإشارة إلى دلالة التأييد والتأكيد على الإجماع السياسي للخطاب وترك إنطباع بصري وسمعي في الأذهان حول ذلك. تكرس ذلك في مشهدية الخطاب، عندما حاول الإعلام إظهار هذا الحشد من التأييد، ومن خلال عناصر متّعددّة، تبدأ في أصل وجود نتنياهو في القاعة والاستقبال الحار الذي حظي به رئيس الوزراء الإسرائيلي، وصولاً إلى التركيز على صورة التصفيق وصوته في الخلفية. 

لكن الحقيقة تقول شيئاً آخر. وفقاً لإحصاء "أكسيوس"، تغيّب ما يقرب من نصف الديموقراطيين في مجلسي النواب والشيوخ عن الخطاب. وتنسحب هذه الحقيقة على الصورة التي حاول الإعلام تغييبها، بينها صور نواب لا يتفاعلون، أو نواب دانوا في السابق المجازر الاسرائيلية بحق الفلسطينيين، وأضاءوا على الانتهاكات المتواصلة لحقوق الإنسان، وأيدوا حل إنشاء الدولتين.

والاعلام، حين يرتكب التحيز السياسي، يبرز دوره وتأثيره في تزييف الحقائق من جهة، وإخفاء وقائع أخرى ذات الصلة. صحيح أن هذا التأثير ساهم في ترك الإنطباع المرجو لدى الجماهير، نظراً لسلطة الإعلام المستمرة، غير أنّ قوّة هذه السلطة لم تعد كما كانت سابقاً، في ظل وجود مواقع التواصل.

مقطع لثوانٍ وصورة متداولة للنائبة عن الحزب الديموقراطي، فلسطينية الأصل رشيدة طليب، وهي ترتدي الكوفية الفلسطينية، كفيلة بتقديم صورة معاكسة للاجماع المفتعل. رفعت طليب خلال كلمة نتنياهو لافتة كتب فيها "مذنب بارتكاب إبادة جماعية" من جهة، و"مجرم حرب" من جهة أخرى، وكانت اللافتة كفيلة بإشعال الرأي العام الرقمي، وأضاءت على فكرة المعارضة في وجه الإجماع. 


يؤكّد هذا الموقف من جديد فكرة تفرّد سلطة الإعلام التقليدي من جهة، والتصاعد التأثيري للإعلام الإجتماعي. 

لم تكن هذه المشهدية عبثية، حاول نتنياهو توظيف زيارته إلى واشنطن قدر الإمكان لحل أزمته الداخلية، ولتلميع صورته في العالم بعدما تلطّخت بالجرائم التي ربما لم يشهد مثلها التاريخ المعاصر، وصولاً إلى الدعوى المرفوعة عليه في المحكمة الدولية والمطالبات في هذا السياق. فهل سيذهب نتنياهو بعد خطاب الكونغرس إلى حل إو إبرام صفقة؟ أم أنّ افتعال الإجماع سيعطيه دفعاً للإستمرار في الحرب وبالتالي الحفاظ على كرسيه وموقعه السياسي؟