"مغتربون"...مُخيّلة المخابرات السورية إذ تُسقَط على مكاتب الهجرة الألمانية!

نور عويتي
الجمعة   2024/09/06
مشاكل السوريين في الداخل.. مصيبة درامية أخرى (يوتيوب)
"أعيدوا بناء المجتمع أولاً، ثم افعلوا ما تشاؤون. كيف يمكننا أن نغترب ليس فقط عن بعضنا البعض أو عن أماكننا، بل بالأحرى عن أنفسنا؟ هل ستنتج أجيالاً متعاقبة لا تتقن سوى فن البقاء"! 

للوهلة الأولى، قد يبدو هذا الكلام وكأنه مقتبس من خطاب لأحد الأحزاب اليمينية المتطرفة في أوروبا ضد اللاجئين، لكنه فعلياً ليس إلا توصيفاً لمسلسل سوري يتناول حياة اللاجئين السوريين، ويُعرض تحت  اسم "مغتربون".

يُعرض المسلسل على قناة "شو 1+1" وفي "يوتيوب"، وهو من بطولة أيمن عبد السلام ولجين إسماعيل وريام كفارنة، ومن تأليف نجيب نصير ورامي عمران، وإخراج عمار العاني.

مشاهد اللاجئين السوريين
تبدأ شارة المسلسل بمشاهد للاجئين السوريين في المخيمات، مع تعليق صوتي يعدد أعداد اللاجئين والنازحين داخل سوريا وخارجها، مشيراً إلى أن المسلسل سيتناول قصص ثلاث شخصيات تمثل أبطال العمل. قد توحي هذه الشارة، المقدمة بأسلوب يشبه الأفلام الوثائقية، بأن المسلسل سيغوص في قضايا اللاجئين السوريين سواء في المخيمات أو في أوروبا؛ لكن الحقيقة أن المسلسل يبتعد تماماً عن هذه القضايا، وربما استُخدم اسم "مغتربون" والشارة التوثيقية الجذابة لأغراض تسويقية بحتة.

فغالبية أحداث المسلسل تجري داخل سوريا، وحلقاته القصيرة تخلو من الأحداث المؤثرة، وتقتصر غالبًا على الثرثرة عن الاغتراب والأحوال الاجتماعية والاختلافات في الوجهات السياسية. ولكن حتى بالحوارات يبدو المسلسل ضعيفاً، فلا يناقش مشاكل السوريين في الداخل بجدية، بل يمر عليها بشكل سطحي، كالأحاديث عن غلاء الأسعار أو أزمة مولدات الكهرباء من دون معايشة المشكلة.


إجراءات اللجوء في أوروبا
من خلال متابعة أحداث المسلسل، يتضح أن كاتب العمل ليست لديه أدنى معرفة بإجراءات اللجوء في أوروبا، ويعرض تصوراته عن الأمر على أنها حقائق، رغم أنها تحتوي على أخطاء جسيمة. يبدأ المسلسل بمشهد تعود فيه داليا، التي تؤدي دورها ريام كفارنة، إلى مكتب الهجرة في ألمانيا، حيث تستعيد ذكرياتها في دمشق.

في هذا المشهد، تشرح المحامية في مكتب الهجرة لداليا أن المكتب عيّنها كمحاميتها لأنها تتحدث العربية. المحامية تظهر وكأنها شامية، تتقن اللهجة العامية بطلاقة، وتستخدمها كلغتها الأم. بالإضافة إلى ذلك، تحاول المحامية إقناع داليا بالعودة إلى زوجها وعدم الاستمرار في إجراءات الطلاق من أجل مصلحة أطفالها، وهو أمر غير واقعي إطلاقاً بالنسبة لموظفي مكتب الهجرة الذين يحترمون قرارات الأفراد الشخصية ولا يتدخلون في حياتهم الخاصة. كما تقوم المحامية بالكشف عن معلومات سرية تتعلق بملف لجوء شقيق داليا وزوجها لها، وهو أمر محظور تماماً في مكاتب الهجرة.

تصورات أمنية
تصوُر الكاتب لعمل مكاتب الهجرة في ألمانيا يشبه عمل المخابرات والأجهزة الأمنية السورية في التحقيق بخلفيات الأشخاص. في أحد المشاهد، تقوم المحامية في مكتب الهجرة بالتحقيق مع هيثم، الذي يؤدي دوره لجين إسماعيل، وتستجوبه. تخبره المحامية أنه قد تم فحص هاتفه وملفاته الشخصية في وسائل التواصل الاجتماعي، وتم اكتشاف أن لديه العديد من الصديقات الأجنبيات في فايسبوك، وأنه في السنة الأخيرة زار العديد من مواقع التعارف التي تسهل العثور على زوجة أجنبية، وبدأت بالتحقيق معه حول هذا الأمر، وكأنه قد انتهك القوانين بشكل فاضح. هذا السيناريو مستحيل أن يحدث في أي دولة أوروبية، حيث لا يتم انتهاك خصوصية الأفراد بهذه الطريقة ولا يتم تفتيش أجهزتهم الشخصية للحصول على معلومات، كما أن مسألة العلاقات العاطفية مع نساء أجنبيات لا تُعتبر إدانة لطالب اللجوء.

مسلسل جريء؟
يزعم صناع المسلسل أنه يتسم بالجرأة نظراً لعدم خضوعه لرقابة القنوات التلفزيونية وعرضه عبر منصة مستقلة. ومع ذلك، يفتقر العمل إلى الجرأة الحقيقية، حيث لا يجرؤ حتى على تسمية أطراف النزاع في سوريا، مكتفياً بالإشارة إليهما بـ"اليمين" و"اليسار". من خلال النقاشات بين شخصيتي فؤاد (أيمن عبد السلام) وهيثم (لجين إسماعيل)، يُشوه المسلسل حقيقة ما جرى في سوريا من ثورة شعبية، ويتجاهل تماماً مسؤولية النظام عن تهجير السكان ونزوحهم، مقتصراً على طرح كليشيهات فلسفية حول المؤامرات الكونية ضد سوريا وحوارات مباشرة تفتقر إلى لغة الشارع وتتماشى مع الرواية الرسمية للنظام السوري.

الزمن في المسلسل يبدو مشوشاً وغير واضح. من خلال ذكريات داليا، نعود إلى حواراتها مع شقيقها هيثم في سوريا، حيث يتناقشون حول تكلفة غدائها مع زوجها في أحد المطاعم التي بلغت حوالي مليون ليرة. هذا يتماشى مع أسعار الصرف الحالية لليرة السورية مقابل الدولار، لكنه لا يتناسب مع الفترة الزمنية المفترضة في المسلسل، حيث من المفترض أن تكون داليا قد أمضت أكثر من عامين في ألمانيا، بعد سنوات قضتها كنازحة في منزل شقيقها هيثم في دمشق. إذًا، في أي زمن تجري أحداث المسلسل؟

ضعف النص في "مغتربون" يثير التساؤلات حول قدرة نجيب نصير على كتابة الأعمال الدرامية بمفرده بعد وفاة زميله في الكتابة حسن سامي يوسف، وهما اللذان قدما معاً العديد من الأعمال المهمة مثل "الانتظار"، "زمن العار" و"أسرار المدينة"؛ ليكون اقتران اسم نجيب نصير بمسلسل بنيته ضعيفة إلى هذا الحد هو علامة الاستفهام الأكبر التي يطرحها المسلسل.