حريق برج حمّود.. السلطة مشغولة بالمناكفات

رين قزي
الجمعة   2024/09/13
حريق برج حمود (مواقع تواصل)
كان يمكن لحريق مكب النفايات في برج حمّود، بعد ظهر الخميس، أن يكون سبباً جوهرياً لإشعال انتفاضة ضد السلطة السياسية في البلاد، لو لم تكن هناك تجربة ثورية أُحبطت، وغرق الناس في أزماتهم التي تفاقمت في 2019، ولم تنتهِ تداعياتها حتى اليوم. 


في داخل أروقة البرلمان، قالت اللجنة البيئية النيابية في اجتماعها الطارئ، كلاماً مكرراً. تحدثت عن مسببات الحريق، دون أسبابه الجوهرية. وخارج البرلمان، انشغل السياسيون في تقاذف المسؤوليات، وذهبوا الى الانتقادات السياسية للخصوم، في محاولة للاستثمار في أزمة وطنية من هذا الحجم. انتقاد، وانتقادات مُقابلة، لا يمكن أن تزيل السموم من بين الناس. فالفعل الأول مشروع في السياسة، أما الفعل الثاني، فهو محكوم بالتوافقات السياسية التي انتهت الى أن المطامر هي الحل المؤقت-الدائم، منذ 9 سنوات، ولا سبيل للخروج من هذه المعالجة، في المدى المنظور. 


ثورة النفايات
في صيف 2015، حين انفجرت أزمة النفايات، تبنت الحكومة "الإستراتيجية الوطنية لإدارة النفايات"، وهي استراتيجية لم تبصر النور، بعد انتهاء مفاعيل الاحتجاجات بطمر النفايات في مطمري "الكوستا برافا" و"برج حمود". بات الحل المؤقت في ذلك الوقت، دائماً، وبُنيت أحلام عليه: حين يتسع باتجاه البحر، سيخلق مساحات إضافية توسع المدينة، وتُنتج عنها بعد سنوات عقارات بحرية مملوكة للحكومة يجري استثمارها، إسوة بمنطقة "النورماندي" في بيروت. 


والحال إن الناس، كما السياسيين، لم يولوا هذه الهواجس اهتمامات. كان النقاش محصوراً في "السموم" التي يبثها الحريق. لولاه، لما تذكر أحد رقعة تلوّث جغرافية قائمة منذ سنوات وسط مواقع سكنية مأهولة. ولولا الدخان الذي تصاعد، لما اجتمعت اللجنة البيئية، وأعاد بعض أعضائها التذكير بـ"الإستراتيجية الوطنية لإدارة النفايات". تم إخماد الحريق، وستخمد النقاشات حول مسبباته، وسيُعاد الملف الى مرحلة ما قبل الحريق. 

تحركات الناس
وهذا الواقع والمصير، أنتجه غياب أي تحرك شعبي مؤثر. اقتصرت الاعتراضات على تدوينات في مواقع التواصل الاجتماعي، ولم تتخطَّ الحديث عن "سموم" المكب. لا يُلام الناس على سكوتهم. فالحراك الأخير في 17 تشرين 2019، كان ذروة التحركات الشعبية في لبنان ضد الدولة وإهمالها وتآمرها على الشعب. ومع ذلك، تم احباط هذا الحراك، بالقوة تارة، وبالوعود والاحتواء طوراً.


منذ 17 تشرين الأول 2019، انشغل الناس بأزماتهم. بلقمة العيش، وبودائعهم المحجوزة في المصارف، بالغلاء والحرب، بالسجالات السياسية. فَقَدَ الناس شرف المحاولة، وفقد ممثلوهم في البرلمان الإقدام، لأن السياسي لا يتحرك إلا تحت الضغط.
بدلاً من ذلك، تكفلت "غرينبيس" بالتحذير من أن "هذا الحادث الكارثي يسلط الضوء على الحاجة الملحة لمعالجة أزمة النفايات المستمرة في لبنان. فمطامر مثل برج حمود، مكدّسة بكميات هائلة من النفايات غير المعالجة، مما يؤدي إلى تدهور بيئي ويشكل تهديدات صحية خطيرة".

ورأت أن "هذا الحريق يعد تذكيراً صارخاً بأن لبنان لم يعد بإمكانه الاعتماد على حلول مؤقتة لأزمة النفايات. البلد بحاجة إلى تنفيذ حلول فعالة وعاجلة ومستدامة في المدى القريب والبعيد، مع التركيز على تقليل النفايات، وإعادة استخدامها، وإعادة تدويرها، ثم التخلص منها بشكل آمن".