عدوان "البايجر": سردية لبنانية مضبوطة...قاومَت غواية "الإثارة"

صفاء عيّاد
الثلاثاء   2024/09/17
الحدث إعلامياً كان خارج الضاحية، وهو ما أعطى المراسلين حرية حركة (غيتي)
إستنفر الإعلام اللبناني لنقل الوقائع جراء الإعتداء الإلكتروني الإسرائيلي الذي تعرض له أكثر من 2700 من عناصر "حزب الله" والموظفين في مؤسساته، عبر تفجير أجهزة البايجر التي يحملونها للتواصل في ما بينهم، وفي وقت متزامن في جنوب لبنان والضاحية الجنوبية لبيروت والبقاع. ركزت وسائل الإعلام المحلية على الصور المتداولة في وسائل التواصل الإجتماعي. وتوزعت كاميرات البث المباشر أمام المستشفيات، لا سيما مستشفى الجامعة الأميركية، والتلال المطلة على الضاحية. ولا بد من التسجيل أن التلفزيونات اللبنانية، لم تشهد فوضى في المعلومات، وهو تطور لافت، خصوصاً بعد الإعتداء الإسرائيلي على الضاحية لاغتيال القائد العسكري في "حزب الله" فؤاد شكر، إذ اتسمت تغطية تداعيات الاغتيال آنذاك بالفوضوية واعتمدت على التحليل والتجييش الداخلي.

أما اليوم، فقد فُتحت الشاشات لعدد من المراسلين من كل قناة، بلا عثرات نافرة، ومن دون الوقوع في فخ الروايات غير الدقيقة. غالبية القنوات اللبنانية تريثت في إعلان عدد الشهداء وأسمائهم، رغم انتشارها في مجموعات "واتسآب"، وهذا ما حرصت عليه مراسلة "إم.تي.في"، نوال بري، في رسائل مباشرة من بيروت. فيما نقل زميلها صبحي قبلاوي، في رسائل مباشرة تفاصيل مع جرى، من دون أي تحليل أمني وعسكري، وهذا لافت ولم تعتده المحطة في التغطيات السابقة لأحداث مماثلة سواء للإعتداءات الإسرائيلية للضاحية، أو أحداث أمنية يشهدها لبنان بالعموم، عندما كانت القناة من الأكثر تحريضاً أو تشنجاً بالمعنى السياسي.

وإذا كان أداء اليوم الأول هذا، نوعاً من إيثار الحكمة المهنية على إغراء "الإثارة"، فلعل طبيعة الحدث المعقّدة تقنياً وعلمياً واستخباراتياً، فرضت بدورها تقليص الاستنتاجات لصالح الرويّة والتقيد بالمعلومات المؤكدة، ولو كانت شحيحة.

ومن جهته، أبرز قبلاوي، في العديد من رسائله، الأخبار العاجلة الصادرة عن الصحافة الإسرائيلية، واستغل مساحة الهواء المفتوحة لعرض تفاصيل العمليات العسكرية والإستهدافات الإسرائيلية للجنوب منذ 11 شهراً. فهل هذا تعويض عن غياب "إم.تي.في" عن التغطية المباشرة جنوباً؟

وفتحت "إم. تي.في" هواءها لتصريحات نواب ووزراء من مختلف التوجهات السياسية، وحرصت لى ألا تكون تصريحات السياسيين مستفزة لبيئة المقاومة، بل أتت مستنكرة وتحث على التضامن بين اللبنانيين. وكان أبرزها تصريح لرئيس حزب القوات اللبنانية، سمير جعجع، قال فيه: "أشدّ الحزن على ما حصل اليوم...مش وقت نحكي سياسة".


أما في قناة "إل.بي.سي.آي"، فكالعادة أمسك الصحافي والمذيع يزبك وهبة زمام الأمور، وصوّب أسئلته على المراسلين الذين توزعوا على المستشفيات. ركزت القناة على ترك الهواء مفتوحاً للصورة فقط من أمام المستشفيات، ومشاهد الجرحى، من دون أي رسائل صوتية في غير محلها أو تعتمد على التحليل العشوائي. وإكتفت برسائل المراسلين، فقط عندما يمتلكون معلومة رسمية، لا سيما التصريحات الرسمية التابعة لوزارة الصحة، ولنداءات المستشفيات. وبدا لافتاً أن "إل.بي.سي"، أطلقت تسمية الشهداء على الضحايا، في حين اعتمدت قبل ذلك عبارات من نوع "سقوط قتلى لحزب الله جراء قصف أو اعتداء اسرائيلي".

ومع أن الضاحية كانت مسرحاً رئيساً للهجوم، إلا أن الحدث الإعلامي لم يكن فيها. كانت مستشفيات بيروت مركز الاستقطاب، مما أتاح للإعلام فرصة للتحرك براحة أكبر، متخففاً من القيود الأمنية التي يفرضها الحزب على الأرض في مثل هذه الحالات. قناة "إم.تي.في" على سبيل المثال، والتي توترت تغطيتها في الاعتداء على الضاحية أواخر تموز الماضي، تجنبت الدخول إلى مستشفيات الضاحية هذه المرة، وامتلكت حرية حركة أكبر خارجها.

والقناة، كما القنوات الأخرى، عادت إلى الضاحية بقوة من بوابة التعازي للنائب علي عمار. رئيس الحكومة وكبار السياسيين قدموا واجب العزاء، فكان من الطبيعي أن تلحق بهم الكاميرات.

هكذا، ركزت القنوات اللبنانية على النقل المباشر من خيمة العزاء الخاصة بنجل النائب علي عمار الذي استشهد في العدوان، لا سيما مع زيارة رئيس الحكومة نجيب ميقاتي للتقديم واجب العزاء. وكانت قناة "الجديد" سباقة في أخذ تصريح صحافي من النائب عمار قال فيه: "نقول إنا لله وإنا إليه راجعون، لنا يوم مع هذا العدو والأيام بيننا وما حصل هو بمثابة عدوان إسرائيلي واضح وسنتعامل معه باللغة التي يفهمها".

وشددت القنوات على حملات التبرع بالدم، والنداءات التي تطلقها الجهات الطبية المختصة.