الإعلام البديل في لبنان: التحديات تتفاقم على وقع الأزمة

سعد مطر
الخميس   2024/09/05
تحديات قانونية وضعف التمويل (غيتي)
لطالما واجه القطاع الإعلامي في لبنان تحديات هائلة طيلة الأعوام الماضية، وأهمها القدرة على الحفاظ على رسالة من شأنها خدمة الرأي العام بعيداً من التوظيف السياسي أو الترويج لأجندات وتوجّهات معينة. الأمر الذي كان في غاية الصعوبة مع إعلام تقليدي معظمه يتبع الأحزاب السياسية بشكل مباشر.
لكن ومع التطورات السياسية التي شهدها لبنان بعد العام 2019، برزت المواقع والمنصات الإعلامية البديلة بكثرة لتكون أداة لتقديم محتوى بديل، وتعزيز حرية الصحافة وتحقيق التوازن في المشهد الإعلامي. ويتميز هذا النوع من الإعلام غير التقليدي بالأسلوب المختلف في السرد، من ناحية طرح المعطيات والوقائع بأسلوب يتماشى مع المجتمع، ويخاطب الشباب بشكل خاص عبر مواكبتهم في منصات التواصل الاجتماعي التي تُعتبر صاحبة التأثير الأقوى في عصرنا الحالي.

تحديات قانونية
تواجه مؤسسات الإعلام البديل اليوم العديد من المشاكل التي تُعيقها عن القيام بدورها على الصعيد الإعلامي والوطني، ومنها التحديات القانونية، تحديداً في موضوع الترخيص، والقدرة على تأمين الاستدامة المالية، التي تمكنها من تغطية نفقاتها ونفقات العاملين لديها من صحافيين، فضلاً عن الأزمة الاقتصادية التي تضرب لبنان منذ سنوات والتي أثّرت في القطاعات كافة ومنها المنصات الاعلامية.
وحسب دراسة عن "منصات الإعلام البديل في لبنان" لمؤسسة مهارات العام 2020، تواجه وسائل الإعلام البديل في لبنان تحدي الرقابة والقمع والقيود المفروضة على حرية تعبير الجهات الإعلامية. والتحدي الآخر الذي يواجه بعض وسائل الإعلام البديل هو اعتمادها الكبير على المتطوعين الذين انضموا الى المنصات بدافع قضية أو موقف ما، من دون وجود مصدر تمويل، إذ تفتقر مثل هذه المنصات إلى القدرة المالية لطلب الدعم القانوني والتقني ومأسسة عملها.

ظروف قاسية للعاملين بالمنصات
يعاني الصحافيون العاملون في منصات ومواقع الاعلام البديل العديد، من التحديات التي قد لا يعانيها غيرهم، أبرزها نظرة القوانين لهم، والغُبن الذي قد يتعرضون له، سواء في عقود العمل أو الرواتب أو التأمينات الصحية.
ويشير الصحافي جاد ملقي إلى أن الصحافيين في الإعلام البديل يعانون نقص الاعتراف القانوني، وعدم توفر الحماية الكافية لهم. على الرغم من وجود مشاريع قوانين تتناول أوضاع العاملين في هذا القطاع، إلا أنهم لا يزالون "مكسر عصا" بالنسبة للعديد من الجهات الرسمية.
ويقول ملقي: "نحن كعاملون في قطاع الإعلام المرئي والمسموع عبر السوشيال ميديا، غير معترف بنا في القانون الإعلامي الحالي. حتى النقابة التي يُفترض أن تدافع عن حقوقنا تفرض شروطاً صارمة مثل ضرورة توافر سنوات من الخبرة للانضمام إليها. هذا الوضع يضعنا في مأزق قانوني مستمر، حيث لا إطار واضحاً يحمينا أو يضمن لنا حقوقنا كصحافيين". ويضيف ملقي أن التجربة الاعلامية التي مر بها كانت بعيدة عن أحلامه الصحافية، حيث كان يأمل في بيئة إعلامية تدعم وتطور الطاقات الشبابية، إلا أن الواقع كان محبطاً للغاية. 

اتفاقات شفهية
بدورها الصحافية، ومُؤسِّسة منصة بشوفك (منصة مناطقية في الشوف)، فرح الحسنيّة، أوضحت أن طبيعة عقود العمل في منصة "بشوفك" تعتمد على اتفاقيات شفهية أو عقود قصيرة الأجل نظراً لضعف الإمكانات المادية. وتؤكد الحسنيّة أن عدم توافر عقود طويلة الأمد يؤثر سلباً في الاستقرار النفسي والمادي للعاملين في المنصة، ويزيد من الضغوط المهنية والشخصية عليهم. وتقول الحسنية: "نحن نعتمد على التمويل المحدود الذي نحصل عليه من خلال المنح والمشاريع لتأمين نفقاتنا الأساسية، مما يصعّب علينا تقديم عقود عمل مستقرة وطويلة الأمد للعاملين لدينا".
وتضيف أن هذا الوضع يخلق بيئة عمل غير مستقرة ويؤثر في جودة الإنتاج الصحافي، حيث يُضطر الصحافيون للبحث عن فرص عمل إضافية أو بديلة لتأمين معيشتهم. حيث تعتبر ان "الاستقرار الوظيفي هو عنصر أساسي لضمان إنتاجية عالية وجودة في العمل، ولكن للأسف، الوضع المالي الصعب يجعل من الصعب تحقيق ذلك في الوقت الحالي".
ولا يقتصر هذا الوضع على منصة "بشوفك"، بل هو حالة عامة تعانيها غالبية المنصات الإعلامية البديلة في لبنان. الصحافيون في هذه المنصات يواجهون تحديات يومية تتعلق بعدم الاستقرار الوظيفي، وعدم وجود حماية قانونية كافية، مما يجعلهم عرضة للاستغلال وانتهاك حقوقهم.
وتختم الحسنيّة بقولها: "نعمل جاهدين لتحسين أوضاع العاملين لدينا، لكن هذا يتطلب دعماً أكبر من الجهات المانحة، وسياسات حكومية تعترف بأهمية الإعلام البديل وتوفر له البيئة القانونية الملائمة للعمل بحرية وفعالية".

العائق القانوني
يُعتبر قانون المطبوعات اللبناني الصادر في ستينيات القرن الماضي، الإطار القانوني الذي يحكم العمل الإعلامي حالياً. ورغم التعديلات على مر السنين وظهور قانون المرئي والمسموع العام 1994، ما زال الصحافيون يواجهون تحديات قانونية تتعارض مع المعايير العالمية لحرية التعبير وحقوق الإنسان، والتي كان لبنان من أوائل الموقّعين عليها.
لا يلحظ قانون الإعلام الحالي، الاعلام الالكتروني، ومن ضمنه الاعلام البديل، لا سيما في قضية إعطاء ترخيص أو علم وخبر يسمح له بمزاولة عمله بشكل قانونين وهو ما يزيد من تعقيد البيئة القانونية للإعلام، ويحرم الصحافيين من حقوقهم، ويُقيد قدرتهم للوصول إلى المعلومات، في مخالفة واضحة لقانون حق الوصول إلى المعلومات الصادر العام 2017.

مال إعلانات.. لا تمويل سياسي
ويوضح الصحافي كارل حداد (شريك مؤسِّس ورئيس تحرير منصة نقِد)، حول موضوع التراخيص والإجراءات القانونية، أنهم قاموا بترخيص شركة خاصة للتسويق والإعلانات من خلالها يمكن تخصيص مبلغ من الأرباح لاستمرارية منصة نقِد بعيداً من المال السياسي والحزبي. كما أشار إلى صعوبة تسجيل المنصة للعمل ضمن إطار قانوني واضح، كما درس القائمون على المنصة خيارات أخرى كالحصول على علم وخبر من المجلس الوطني للإعلام المرئي والمسموع، أو تسجيل المنصة كجمعية في وزارة الداخلية والبلديات، لكن في النهاية استقر الرأي على التسجيل كشركة مدنية لا تبغى الربح تُعنى بموضوع الإعلام بعيداً من رقابة المجلس الوطني للمرئي والمسموع أو وزارة الداخلية.
بدورها تشرح الصحافية فرح الحسنيّة أنه بالنسبة للنواحي القانونية فمنصة "بشوفك" مُسجلة كموقع لدى المجلس الوطني للإعلام المرئي والمسموع، وما زال فريق المنصة يسعى إلى التسجيل كشركة مدنية أو تجارية.
وتقول الحسنيّة: "للأسف قانون الإعلام المطروح حالياً والمعمول به لا يعترف بالإعلام البديل، وهذا ما يعطل حرية التحرك، فعند غياب الحاضنة القانونية للمنصات البديلة يصعب بناء الثقة مع المواطنين، كما عدم اعتراف القانون بالمنصات البديلة يُصعّب التمييز بين المنصات المحترفة والمنصات التي تتعدى على المهنة وتؤثر سلباً على سمعة الإعلام البديل". 

المال أساس الإستدامة
يُعتبر الاستقرار المادي أساسياً لوسائل الإعلام عموماً، وتحديداً وسائل الإعلام البديل، فهو الضامن الأول لاستقلاليتها، وقدرتها على تجنب الرضوخ للضغوط والاملاءات الخارجية. 
ويوضح المتخصص في الإدارة الإعلامية، حسان شعبان، أن الأزمة المالية في لبنان منذ 2019 أدت إلى تضخم اقتصادي وانهيار العملة المحلية، مما أثر سلباً في تمويل المنصات الإعلامية البديلة. فغالبية هذه المنصات أصبحت تعتمد على التمويل الخارجي، مما خلق منافسة شديدة على هذا التمويل.

ويفصّل شعبان التحديات في ما يلي:
- ضعف البنية التحتية: تدهور البنية التحتية التكنولوجية في لبنان جعل كلفة الاتصالات والإنترنت مرتفعة، مما يزيد من صعوبة تشغيل المنصات البديلة.
- القيود المالية والقانونية: تواجه هذه المنصات تعقيدات قانونية بسبب القيود المصرفية على التحويلات والأموال المودعة.
- تأثير التحديات المالية في الاستقلالية: الاعتماد على التمويل الخارجي قد يؤدي إلى تدخلات في السياسات التحريرية، مهدداً استقلالية المنصات. الاستدامة طويلة الأمد تصبح صعبة من دون مصادر تمويل متنوعة، مما يؤثر في استمرارية المنصات وجودة المحتوى.
بدوره يقدّم الصحافي والمراسل الميداني، جاد ملقي، نموذجاً عن التحديات المالية والقانونية التي يواجهها الإعلام البديل في لبنان، من خلال تجربته الشخصية مع "نبأ"، وهي محطة إذاعية تعمل عبر السوشيال ميديا، فيقول: "عملت منذ العام 2022 كمراسل ميداني في نبأ، واكتسبت من خلال هذا العمل خبرة مهنية واسعة وعلاقات اجتماعية قيمة، إلا أن الواقع المالي المتدهور أجبرني على الاستقالة". 
ويضيف ملقي: "استقالتي جاءت بعد حوالر شهر ونيف من تقليص الميزانية الذي قامت به المؤسسة بسبب ضعف التمويل. كانت المؤسسة غير قادرة على دفع مستحقاتنا وتأمين المعدات الضرورية للإنتاج، بحجة "ما في Budget"، وفي حين كنا نطلب فرصاً لتطوير إنتاجنا وتوسيع محتواه، كانت الإجابة دائماً نفسها".

فرصة الاعلام المناطقي
وفي السياق، وردّاً على سؤال حول قدرة منصة "بشوفك" على مواجهة التحديات المالية، تقول الصحافية فرح الحسنيّة: "المنح والمشاريع هي جزء من تمويلنا، كما نعتمد على تقديم خدمات إعلامية لشركات تجارية أو تغطيات لمؤسسات لا تبغى الربح تعمل على نشاطات معينة في المنطقة وهذه التغطيات غالباً ما تكون مدفوعة ما يسمح لنا بتأمين استمرارية للمنصة".
وتضيف الحسنيّة: "في رأيي أن الاعلام البديل أو المناطقي لديه فرصة للكسب المالي إذا عمل بشكل مناسب، فأي مشروع تجاري يُفتتح في المنطقة يهُمه أن يعرفه أهل المنطقة، ومن هنا تأتي أهمية الإعلام المناطقي في توجيه المنطقة وأهلها لهذه المشاريع التجارية. لذلك نستطيع القول إن الإعلام المناطقي يساهم في إنعاش اقتصاد المنطقة وتحريك العجلة الاقتصادية".