إجلاء الرعايا الأتراك: دموع و"استثناءات" لاصطحاب أقرباء لبنانيين

المدن - ميديا
الخميس   2024/10/10
لبنانيون أتراك يغادرون عبر سفينة مخصصة لإجلاء الرعايا الأتراك من مرفأ بيروت (غيتي)
تنفست منى الصعداء أخيراً بعدما أنهت أوراقها استعداداً للرحيل من مرفأ بيروت مع عائلتها على سفينة مخصصة لإجلاء الرعايا الأتراك، وقالت أنها تشعر بـ"الانسلاخ" عن لبنان الذي يتعرض لقصف إسرائيلي مدمر.

وذكرت منى (42 عاماً) التي تحفظت عن ذكر اسم عائلتها، وهي أم لأربعة أبناء، من قرب مرفأ بيروت الأربعاء: "نهرب من حرب تدمر البشر والحجر وتسرق النوم من عيوننا". وانسابت دموعها على وجنتيها وهي تتفقد أكثر من عشر حقائب سفر لعائلتها، قبل أن تسافر في إطار عملية إجلاء تعد الأكبر والأولى عبر البحر منذ توسيع اسرائيل نطاق عملياتها القتالية في لبنان الشهر الماضي، حسبما نقلت وكالة "فرانس برس".

وأضافت السيدة اللبنانية التي حصلت على الجنسية التركية من جدتها: "لبنان هو بلدنا. كان بلدنا أفضل بلد. دمروا حياتنا وسرقوا ضحكتنا"، مضيفة بتأثر: "الآن أصبحنا مشردين. أشعر أنني أنسلخ عن بلدي"، علماً انها كانت وعائلتها من بين نحو 2000 مواطن تركي، معظمهم من اللبنانيين مزدوجي الجنسية الذين يستعدون للإبحار ظهر الأربعاء من بيروت على متن سفينتين تابعتين للبحرية التركية أقلتا نحو 300 طن من المساعدات الإنسانية الى بيروت.

وبعد عام من تبادل إطلاق النار عبر الحدود اللبنانية بين "حزب الله" وإسرائيل، كثفت الدولة العبرية منذ 23 أيلول/سبتمبر قصفها على مناطق تعتبر معاقل للحزب في جنوب لبنان وشرقه وضاحية بيروت الجنوبية. كما استهدفت مدناً وبلدات غير محسوبة على الحزب، على غرار منطقة الشوف في جبل لبنان أو مدينة طرابلس شمالاً، ما يثير شعوراً بعدم الأمان لدى كثيرين.

وفي قاعة عند واجهة بيروت البحرية، كان البكاء والوجوم ظاهرين بينما كان المستعدون للإبحار يودعون أحباء. ووقف دبلوماسيون أتراك يساعدون ويتحدثون الى الرعايا الأتراك الذين جمعوا أغراضهم على عجل في حقائب ملونة اكتظ بها المكان.

وقالت ولاء الآغا (41 عاماً) وهي فلسطينية ولدت في لبنان وعاشت كامل حياتها في بيروت وتحمل جواز سفر تركياً، أنها ترحل "باحثة عن الأمان". وأضافت الأم لطفلين التي اتشحت بالسواد: "حتى لو أننا نقيم بعيداً عن القصف، لا يوجد أمان. نسمع أصوات القصف ونتأثر نفسياً". وتابعت بينما ودعت قريباتها بالدموع: "أرحل تاركة قطعة من قلبي".

قربها، وقفت شقيقتها سلوى شاردة غير منتبهة لبكاء ابنتها الصغيرة. وقالت بحسرة: "نحن ذاهبون إلى المجهول. نغادر فقط بحثاً عن الأمان لأبنائنا". ويقدر عدد المواطنين الأتراك المسجلين في القنصلية التركية في لبنان بحوالى 14 ألفاً، بحسب السفارة.

وعلق السفير التركي في لبنان علي بارش أولوسوي، بأن السفارة تلقت "عدداً متزايداً من طلبات الإجلاء نظرا للوضع الأمني المتدهور في ظل العدوان الإسرائيلي". وأوضح أن بلاده تنظم "عملية إجلاء واسعة النطاق حتى نتمكن من إجلاء عدد كبير من المواطنين في يوم واحد"، مشيراً إلى أن عملية الإجلاء الأربعاء تشمل نحو ألفي شخص.

وجلب بعض المسافرين أفراداً من أسرهم لا يحملون جوازات سفر تركية على أمل أن يسمح لهم بالمغادرة، وكانوا ينتظرون بقلق عارم صدور الموافقة. من بين هؤلاء فادي عميرات الذي حصل على الجنسية التركية من زوجته، وقال أنه يأمل بالهرب من "أقوى حرب في لبنان" برفقة والديه اللبنانيَين. وأكد السفير أولوسوي أن بلاده ستطبق "استثناءات".

وبينما كان الرعايا الأتراك، وكثير منهم كبار في السن وأطفال يتدفقون إلى القاعة، قال أولوسوي: "عادة تقتصر عمليات الإجلاء المماثلة على مواطني البلد.. لكن من أجل وحدة الأسرة، اعتمدنا سياسة مرنة لقبول أقارب الدرجة الأولى للمواطنين الأتراك الذين ليسوا بالضرورة مواطنين، مثل الأزواج أو الأطفال أو الوالدين". وأوضح أن بلاده قد تنظم عمليات إجلاء إضافية تبعاً "لعدد الطلبات الإضافية ومسار الوضع الأمني في لبنان".

وكثفت إسرائيل غاراتها الجوية خصوصاً على ضاحية بيروت الجنوبية التي يقع "مطار رفيق الحريري"، الوحيد في البلاد، عند أطرافها. واستهدفت غارة منطقة المصنع الحدودية مع سوريا، ما أدى الى قطع المعبر البري الرئيسي بين البلدين. ومازال العديد من الأشخاص يسلكونه يومياً سيراً على الأقدام للفرار من لبنان الى سوريا.

وأكد وزير الأشغال العامة والنقل علي حمية في وقت سابق أن الحكومة "تسعى إلى أن تبقي المرافق العامة براً وبحراً وجواً سالكة وأولها مطار" بيروت. وأضاف أن السلطات تلقت خلال اتصالاتها الدولية "تطمينات" لناحية عدم استهداف إسرائيل لمطار بيروت، لكنها لا ترقى الى "ضمانات" على وقع غارات كثيفة في محيطه.

وبينما كان يسير خلف ابنتيه ويحمل فوق كتفه حقيبة سفر كبيرة بعدما انكسرت عجلتاها، روى التركي غازي يوسف أنها المرة الأولى التي يفكر فيها بمغادرة لبنان. وأكمل الرجل (58 عاماً) المقيم في لبنان منذ ثلاثين عاماً: "هذه المرة القصف أعنف وأكبر" مقارنة مع حرب 2006 حين خاض "حزب الله" وإسرائيل حرباً مدمرة استمرت 34 يوما وخلفت قرابة 1200 ضحية في لبنان، معظمهم مدنيون.

ويشهد لبنان منذ العام 2019 انهياراً اقتصادياً متمادياً باتت خلاله غالبية السكان تحت خط الفقر مع عجز الدولة عن توفير أبسط الخدمات. لكن ذلك لم يدفع اللبناني التركي الذي يعمل في قطاع العقارات محمد دياب الى مغادرة البلاد. لكنه اليوم قرر الرحيل.

وقال الأب لطفلين وهو يقف قرب والده، مريض الكلى الذي يستخدم كرسياً متحركاً: "الوضع أصبح أسوأ بكثير ولا يسمح لنا أن نستمر في لبنان". وأضاف أنه يغادر من دون خطة واضحة للحياة في تركيا، متابعاً: "إذا تحسن الوضع، سنعود لكن يبدو أن الحرب ستطول".