الأبواق المحسوبة على "الحزب"...مَن يسكتها الآن؟

راغب ملي
الثلاثاء   2024/10/08
في طريق المطار (غيتي)
في وقت يحتاج النازحون الى التفاف المجتمعات اللبنانية حوله، لا يتردد بعض الأبواق المحسوبين على "حزب الله" في تفعيل خطاب التهديد والوعيد والهجوم عالي السقف، في واحدة من أبشع الصور الواردة في منصات التواصل الاجتماعي، بالتزامن مع نيران القصف الإسرائيلي الوحشي الذي قد يكون الأعنف منذ الاجتياح الإسرائيلي العام 1982، وفشل المبادرات الداخلية والدبلوماسية في التوصل الى وقف لإطلاق النار.

والخطاب العنفي الذي بات سمة لأبواق محسوبين على القوى السياسية، من المقيمين في الداخل والخارج، ومن ضمنهم "حزب الله"، شهد صعوداً خلال فترة الحرب السورية، وخلال الأزمات السياسية الداخلية.. وسادت توقعات كثيرة بأن يخمد، على الأقل في هذه المرحلة، بعدما أظهر اللبنانيون تكاتفاً كبيراً مع النازحين، ومن ضمنهم عائلات من البيئة المحسوبة على الحزب. غير أنه يعود اليوم بحدّة، في مشهد نافر، يحتاج الى ضبط، كما الى تواضع.

معارضو الحرب
في مواقع التواصل، يشير بعض المعارضين لانخراط "حزب الله" في دعم و"إسناد" جبهة غزة وقبل ذلك انخراطه في الحرب السورية، إلى أنهم يتعرضون لتهديدات متكررة تصل أحياناً إلى اتهامهم بالخيانة، وهي تهمة باتت رائجة في بعض الأوساط. ويقولون إن هذه الاتهامات لا تقتصر على الطابع المعنوي، بل قد تحمل في طياتها تبريراً ضمنياً للعنف الجسدي الذي قد يصل إلى حد القتل. ويرى البعض أن فئة من مؤيدي حزب الله تعتبر أي تساؤل حول مشاركة الحزب في المواجهة، "خيانة صريحة"، وأن أي خطاب لا يتبنى نغمة النصر والتمجيد، يعتبر انسياقاً لرواية العدو الإسرائيلي واستجابة لحربه النفسية ضد اللبنانيين. وهذا يشمل حتى الدعوات لوقف الحرب، التي تأتي في سياق الأزمة الإنسانية الخانقة التي تعصف بلبنان عامةً، وبالنازحين بشكل خاص، الذين أُجبروا على ترك بلداتهم وقراهم.

تمرّد على تعاميم الحزب؟
والحال أن هذا الخطاب لا يعكس بالضرورة الموقف الرسمي لحزب الله، حيث شدّدت قيادة الحزب مراراً على أن هذه الآراء هي بمثابة مواقف فردية ولا تعكس توجهاته الرسمية، ويركز الحزب في الوقت الراهن على إعادة ترتيب صفوفه التنظيمية بعد سلسلة من الاغتيالات التي استهدفت قياداته، بدءاً من أمينه العام وصولاً إلى القيادات العسكرية والأمنية التي إسُتهدفت على مدى عام منذ الثامن من تشرين الأول/أكتوبر الماضي. 

لكن رغم ذلك، فإن بعض الأصوات التي تتبنى هذا الخطاب تعمل ضمن المؤسسات الإعلامية والتنظيمية المرتبطة بالحزب، ما يدفع البعض للاعتقاد بأن هذا الخطاب جزء من مهامهم، خصوصاً أنهم مستمرون في بث الانتقاد والتحريض والهجوم، من دون رادع علني، ولا تغيير في السلوك يفرض عليهم الالتزام بالتعاميم الداخلية، ذلك أن الهيكل التنظيمي للحزب، يفترض أنه يخضع لضوابط صارمة تراقب وتحاسب أي خروج عن السياسات المقررة.

هذه اللغة التخوينية تنعكس سلباً على النسيج الاجتماعي اللبناني، لا سيما في ظل الظروف القاسية التي تمر بها البلاد. فهي تُهدّد الوحدة الوطنية، التي يجب أن تكون اليوم أقوى من أي وقت مضى. ويخشى البعض من أن استمرار هذا الخطاب قد يؤدي إلى انفجارات اجتماعية لا تُحمد عقباها، خصوصاً مع تصاعد الضغوط والأزمات التي قد تشتعل جراء كلمة أو موقف.

أبواق مُقابِلة
على أن هذا النقد الضروري لخطاب بعض الأبواق، لا ينفي أن بعض الأصوات المعارضة لحزب الله تتجاوز حدود النقد وحرية الرأي لتطلق خطابات طائفية وتحريضية، تصل أحياناً إلى مستوى الشماتة والتحقير، والتوعّد بالهزيمة الداخلية بالتوازي مع أي هزيمة في المعركة، وتحويل الشيعة، وفق منطق تعميمي طائفي مقيت، الى "خدم" و"أذلاء"، كما قال مغرّدان الأسبوع الماضي. 

في المبدأ، لا يمكن اعتبار هذه المواقف جزءاً من حرية التعبير أو النقاش البناء، إذ من الضروري وضع حد لها، بالتوازي مع وضع حد لخطاب أبواق مقربة من الحزب، لما تحمله من انعكاسات خطيرة، خصوصاً في ظل المأساة التي يعيشها لبنان حالياً.

في المحصلة، لا بد من التعامل مع الأمر بواقعية وموضوعية. وسواء كان دخول حزب الله في دعم غزة قراراً صائباً أو خاطئاً، فإن هذا القرار تم اتخاذه دون إجماع وطني، ومن حق أي مواطن لبناني الاعتراض عليه في إطار حرية التعبير. الاعتراض لا يعني خيانة أو عمالة، كما أن تداعياته لا تبرر الشماتة والكراهية.. وكذلك ليس بالضرورة أن يكون "خطاب النصر" هو ما يحصن المجتمع. 

الواقع يفرض على الجميع مواجهة الحقائق. فاللبنانيون يعيشون في أزمة غير مسبوقة وحرب غير متكافئة. المطلوب الآن هو إنهاء هذه الحرب، ومن يدعو لذلك، من دون خلفيات سياسية، ليس خائناً. ومن حق كل لبناني أن يسأل: لماذا نحن هنا؟.. وفي المقابل، ضروري السؤال: كيف نتكاتف في هذه المحنة؟ وهل ما زال في الدولة اللبنانية رمق يسدّ احتياجات النازحين والمتضررين ويوازي الدمار؟