"أم.تي.في" تتراجع وتحذف الخبر "الخطير"...وعلى "الحزب" ملاقاتها

رين قزي
الأربعاء   2024/10/09
نازحات من الجنوب يؤدين الصلاة في مركز إيواء مؤقت (غيتي)
حذف موقع قناة "أم تي في" مقالها الذي نشرته ظهر الأربعاء، وحمل عنوان "مسلحون في الشوارع وحركات استفزازية"، متراجعة عن "رواية غير منسوبة إلى مصدر واضح"، كما ظهر في سياق النص. وذلك ليس تحت ضغط الصحافيين والمثقفين والناشطين فحسب، بل لخطورة نشر محتوى مشابه، من شأنه أن يبرر لإسرائيل قصف مراكز الإيواء، كما حصل الأربعاء في الوردانية. 


ونشرت القناة خبراً تتحدث فيه عن شكاوى من انتشار مسلحين لـ"حزب الله" في بعض مراكز الإيواء في بيروت. وأثار الخبر موجة كبيرة من الرفض والاستنكار، استدعت تدخل وزير الإعلام زياد المكاري، الذي وعد مراجعيه بمعالجة الأمر. ولم تمضِ ساعة على نشر الخبر حتى تمت إزالته من الموقع، في تراجع عن النشر. 


تدقيق بالمحتوى
والتراجع يعني إعادة التدقيق في نشر خبر من هذا النوع، من شأنه أن يعطي العدو ذريعة باستهداف مراكز النازحين. حصل هذا الأمر في غزة، حيث استهدفت قوات الاحتلال مراكز النازحين والمستشفيات والمدارس، بحجة وجود عناصر من "حماس". واليوم، زعم المتحدث باسم قوات الاحتلال، بأن حزب الله يتخذ من بعض المواقع المدنية في الضاحية مراكز له، مبرراً قصف الأبنية والمنشآت المدنية. 

واللافت أن نشر الخبر، تزامن مع اعتداء على مركز يستقبل نازحين في بلدة الوردانية على ساحل الشوف، إذ شنت الطائرات الحربية الإسرائيلية غارة استهدفت شقة سكنية في فندق دار السلام الذي يؤوي عائلات نازحة، وأسفرت عن سقوط مواطنين. 

ومثار الرفض الإعلامي، بمعزل عن التداعيات السياسية والأمنية، ينطلق من أن هذا المحتوى المثير لا يستند الى مصدر معروف، ويدخل في خانة التحريض والانكشاف، ولا يراعي المسؤولية الاجتماعية والوطنية. قد يقول قائل إن إسرائيل لا تحتاج الى معلومة لتنفذ قصفاً. صحيح، لكن آلتها الدعائية تحتاج إلى مقال من هذا النوع، لتبرر الانتهاكات والاعتداءات على المدنيين. 


شاحنة الكحالة
لقد أثار محتوى من هذا النوع أزمة وطنية وانقساماً في العام الماضي، إثر تغطية حادث انقلاب شاحنة لـ"حزب الله" في منطقة الكحالة، وتبين أنها تنقل أسلحة. انقسم اللبنانيون بين رأيين، أحدهما يقول إن من واجب الإعلام أن يضيء ومن واجبه أن يغطي، وأنه ليس مسؤولاً عن ردّ الفعل. فيما قال الرأي الآخر إن التغطية في ظل الانقسامات اللبنانية من شأنها أن تؤجج الانقسام وتحوله الى اشتباك أهلي. انقضت القصة بين زواريب السياسة اللبنانية، لكن في حالة الحرب مع عدو لا يرحم، ولا يترك مجالاً للنفاذ من الموت، تصبح القضية مسؤولية وطنية واجتماعية، تستدعي التنبه والحيطة، والأخذ في الاعتبار مجموعة عوامل سياسية وأمنية: 

1 - لا تفوت اسرائيل فرصة لاستهداف المدنيين والضغط على البيئات المحلية، وبالتالي فإن أي ضربة مبررة بمحتوى وسائل الإعلام، سينتج عنها أزمة اجتماعية ونزوح جديد وارتباك آخر لاتنفك السلطات المحلية والمنظمات الإغاثية الدولية تطالب بالدعم لمعالجتها. 

2 - بعد 15 يوماً من الحرب الواسعة، والاحتضان الشعبي للنازحين من جنوب لبنان والضاحية الجنوبية، بمعزل عن الخلافات السياسية العميقة بين الحزب وخصومه، يستدعي النشر ضرورات الحفاظ على الحد الأدنى من الوئام، ومنع جر البلاد إلى خلافات أو تغذية الخلافات القديمة.  

3 – من شأن محتوى مشابه أن يخلق توتراً في ظل الضغوط النفسية، يمكن أن يؤدي الى اقتتال داخلي ما زالت اسرائيل تسعى إليه، وهو ما ظهر في تصريحات رئيس حكومة الحرب الإسرائيلية بنيامين نتياهو، والتي خص بها اللبنانيين ثلاث مرات، ساعياً الى الفصل بينهم، فيما كان جيشه أكثر وضوحاً بدعوته اللبنانيين للابتعاد عن "حزب الله" ونبذه، بمعنى أنه يحرض على الاقتتال الداخلي، وهو ما يتوجّس منه اللبنانيون والمعنيون بالشأن اللبناني. 

دور حزب الله
على أن تلك الاعتبارات كلها، ليست موجهة الى الإعلام أو اللبنانيين فحسب، بل يُعدّ "حزب الله" معنياً أساسياً فيها، إذ عليه واجب وطني وأخلاقي لحماية مراكز الإيواء ومواقع نزوح اللبنانيين بإبعاد مقاتليه أو عناصره الأمنية، إذا وُجدوا أو خططوا للتواجد، وإبعاد أي شبهات متصلة به عن تلك المواقع، منعاً لاستهدافها، ومنعاً لإثارة نعرات ومخاوف داخلية. وهنا تصبح المسؤولية أكبر، توجب عليه ملاقاة اللبنانيين جميعاً، وليس فقط "أم تي في" التي تراجعت عن نشر الخبر، وذك لمنع تحول القتال مع العدو، الى توترات داخلية تطيح ما تبقى من مكتسبات العيش المشترك.