السبت 2015/01/17

آخر تحديث: 13:20 (بيروت)

طفلة "رقّاصة"!

السبت 2015/01/17
طفلة "رقّاصة"!
عقدت العائلة "إجتماعاً طارئاً" لمناقشة وضع ابنة السابعة التي تريد أن تصبح "رقاصّة"
increase حجم الخط decrease

أردت دائماً أن أصبح راقصة شرقية في طفولتي. طبعاً، لم أستطع طرح فكرة ارتياد مدرسة رقص شرقي أمام عائلتي، فطلبت ارتياد مدرسة رقص "باليه" على اعتبار أن "الباليه" أكثر "حشمة". وطبعاً، لم أرتد أي من المدرستين. فقد عقدت العائلة حينها "إجتماعاً طارئاً" لمناقشة وضع ابنة السابعة التي تريد أن تصبح "رقاصّة".

 

للمفارقة، لم تكن هناك أي فتاة في عائلتي لا تعرف الرقص. بالنسبة لنا، كان الرقص أمراً بديهياً. كل امرأة ترقص. نرقص بسبب وبلا سبب، وتتفنن الكبيرات في السن، ويتنافسن. يحملن أباريق المياه على رؤوسهن في الأعراس، ويرقصن خفيفات وجميلات، ويجمعن تناقضات كثيرة في منظرهن هذا. نساء تخطين الخمسين من أعمارهن، ينسحبن من "جلسات الصبايا" وأحاديثهن، يعتبرن أن زمانهن ولّى. حالما يسمعن الموسيقى، تعرف أن هذا الزمان، والزمان الماضي، والآتي أيضاً هو زمانهن. ترى ذلك في عيونهن التي تطارد الحياة حتى النفس الأخير، أو حتى "هزة الخصر" الأخيرة ربما.  يتمايلن، وأباريق المياه على رؤوسهن تتمايل أيضاً. منظرهن هذا يذكرني دائماً بالآية القرآنية "وجعلنا من الماء كل شيء حي".

 

أظنّ أن عملية الخلق تمت بهذا الشكل. نساء كثيرات يشبهن عماتي وجاراتنا وقريباتنا الكبيرات في السن، يحملن المياه على رؤوسهن، يرقصن، ويسكبن المياه على الأرض والسماء والشجر والبشر. هكذا كنّ يجعلن من كل شيء حي. رافقتني هذه الرؤية دائماً، وآمنت بها.

 

كنّ نساء التناقضات بامتياز. كلهن محجبات، ويرتدين عباءات طويلة وفضفاضة. يرقصن على الطرقات التي تقفل أمام السيارات في الأعراس. الشارع ساحة رقصهن. النساء انفسهن رسّخن في عقولناً فكرة أن الرقص "عيب". جدتي هي المرأة الوحيدة التي لم أرها ترقص. تدبك دائماً. دبكتها من أجمل ما يكون.  تقول جدتي إن "المرا اللي بترقص بتبسط الناس، بس اللي بتدبك بتبسط حالها". سأتجرأ وأقول أن جدتي أخطأت. جدتي لا ترقص، ولكنها تنهي عملية الخلق التي بدأتها النساء الراقصات. هن يعطين الحياة للأرض، وجدتي تعطيها القوة والصلابة. تدبك جدتي لتثبّت الأرض تحت أقدامنا.

 

حاولت أن أفهم ما "العيب" في الرقص بنظرهنّ. فهمت لاحقاً الفلسفة. تفقد الأشياء التي نحبها قيمتها عندما تصبح دخلاً للمال. هكذا بكل بساطة. الغريب أن أمي تسألني أحيانا عن اسم الراقصة التي أوحت لي حلم الرقص في الطفولة. أعّدد أسماء كثيرة، وأسهب في الحديث عن الراقصة المصرية تحية كاريوكا. لا أقول لأمي أنهن كنّ السبب. عماتي وجاراتنا وقريباتنا ونساء قريتنا اللواتي تخطين الخمسين هنّ راقصاتي الأجمل.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها