على أن التوافق بين الحزبين "قتل" الحماس عند اجراء الانتخابات، فالأهالي يعرفون أن ما يتّفق عليه الكبار سيتمثّل في مجلس بلدي توافقي إما بالانتخاب أو بالتزكية. قلّة هم من يخرقون اللوائح البلدية بعد ترشحهم بطريقة مستقلة. وإن فازوا، فإنهم لن يتآلفوا مع طريقة عمل المجلس البلدي لأنهم فُرضوا فرضاً، وهذا سيؤدي إلى صراع أجنحة داخل البلديات. وبالتالي سيعتكفون أو سيقدّمون استقالتهم، كما حصل، على سبيل المثال، في المجلس البلدي لبلدة معركة، حيث استقال اثنان من أعضائه المستقلين.
لا شك أن مدينة صور تبدّلت وتغيّرت في السنوات الست الأخيرة، من نواح ديمغرافية واجتماعية. وكان الهدف من هذا التبدّل ملاحقة التغيرات التي طرأت على المدينة، ومحاولة تحويلها إلى مدينة تراثية وحضارية. وهناك مشاريع استوردت من الخارج لهذا الغرض تحديداً، وأبرزها مشروع الإرث الثقافي في المدينة، الذي أطلق بتمويل دولي، وهو يحمل ذهنية غربية وتخطيط أجنبي، يبدو أن المدينة غير قادرة على استيعابهما.
ست سنوات في عهد مجلس البلدية الحالي مرّت على أهل المدينة على طريقة "مرّة طرّة، ومرّة نقشة"، اذ هناك مشاريع نُفّذت وكان لها الفضل بالارتقاء بالمدينة كتنظيم السير مثلاً. بينما هناك مشاريع أخرى سارت بها البلدية من دون الاكتراث باحتياجات المدينة. وأخرى لم تتحرك البلدية لتنفيذها، كمشروع الحديقة العامة المهملة والتي تحوّلت في الآونة الأخيرة إلى مكب للنفايات وموقفًا للآليات.
أما المشكلة الأعظم والمتمثلة بأزمة النفايات، فقد كانت في مكب رأس العين والذي عانى منه أهل المنطقة وجوارها كثيراً، بدءاً من روائح النفايات السامّة وصولاً إلى تسرّب مياه النفايات إلى التربة وتأثيرها عليها وعلى المياه. لكن بسبب اتصال واحد من رئيس مجلس النواب نبيه برّي تم اغلاق المكب، من دون أن تُعرف وجهة النفايات المقبلة. وعلى الرغم من تصريح البلدية المتكرر بسعيها لاستحداث مكب جديد، إلا أن مكانه لم يُعرف بعد. في المقابل، يتحدث الأهالي عن مكبات عشوائية هنا وهناك، ومكب جديد بين منطقة البازورية والحوش في صور. وبالرغم من وجود بلدات جنوبية مجاورة أنتجت حلولاً عمليّة وبيئيّة تساعدها على التخلص من النفايات، إلا أن مناطق أخرى تعاني بشكل كبير من هذه الأزمة، كنتيجة طبيعية لإهمال السلطات الرسمية.
ويطرح أهالي صور والمنطقة أسئلة محقّة عن عدد كبير من المشاريع التي وافقت عليها البلدية من دون استشارة السكّان. وهم يشكون أن بلديتهم لا تستشيرهم في المشاريع المنوي تنفيذها، وإن فعلت فهي ستقوم بما طُلب منها غير آبهة برأي المعارضين من سكان المدينة. فهي قوية، تستمد قوتها من الأحزاب وتأتمر من قائد واحد. لكن المشكلة الأساسية، في نظرهم، أن البلدية لا تعتمد مبدأ الشفافية مع الأهالي، ولا تقدم نشرات بلدية، ولا تسير وفق مبدأ المحاسبة الديمقراطية، حتى انها لا تقبل فكرة النقد.
وأفضل مثال عن هذه الحالة، بحسب عدد من الأهالي، هو مشروع الإرث الثقافي نفسه، إذ أن أبناء المدينة لا يعرفون الجدوى الاقتصادية من ورائه حتى اليوم. علماً أن الهدف الأبرز لهذا المشروع هو رفع المدينة إلى مصاف المدن السياحية والثقافية وتطويرها من نواح جمالية وعمرانية. هكذا، يتساءل أحد أصحاب المحال في السوق التجارية في حديث لـ"المدن" أنه "اذا كان هذا المشروع قد دمّر السوق التجارية، وهي سوق أثرية، فكيف يمكن أن يكون الهدف منه المحافظة على الإرث الثقافي والحضاري للمدينة؟". ويستطرد آخر قائلاً إن "صور ليست الداون تاون. فلا يستطيع زوارها دفع ثمن فنجان القهوة 20 دولاراً".
كما أن هذا المشروع حوّل طرقات المدينة إلى طرقات ضيقة لا تتسع لأكثر من سيارة واحدة، مع عدم إمكانية ركن السيارات، بينما على الجانب المحاذي، يأكل الرصيف البحري جزءاً كبيراً من الطريق، ما أنتج زحمة سير في المدينة بالرغم من جمالية هذا الرصيف. كما أنه أجبر قاصدي السوق على ركن سياراتهم على بعد 3 كلم من مدخل السوق الشعبي، الذي صار شبه مهجور، وهذا ما أثر على الربح المادي للتجار المستثمرين داخل السوق بعد خسارتهم لـ60% من زبائنهم، وأضر بحوالي 500 عائلة. على أن الضرر لم يلحق بالسوق التجارية فحسب، بل أيضاً بالحديقة المجاورة للسوق، وهي تعد متنفساً لأهل المدينة رغم صغر مساحتها، وتُشكل منطقة جاذبة للأهالي ولاسيما للاجئين السوريين، حيث قامت البلدية بتضمينها إلى أحد الاشخاص المحسوبين على جهة معينة مقابل بدل مادي لا قيمة له.
اليوم، لم تعد مدينة صور المركز التجاري الأول بالنسبة للجنوبيين. ولم يعد هناك حاجة إلى المرور داخل المدينة، إذ إن استحداث طرق تصل الى الضيع مباشرة من دون المرور بالمدينة جعل الجنوبيين يبتعدون عنها لاسيما بعد التطور الاجتماعي الذي حل بالقرى المجاورة من تطوّر في التجارة والصناعة، ووجود مراكز طبية متنوّعة. علماً، أن صور تعتمد على أبناء القرى في تجارتها في جميع المجالات.
في كل الأحوال، وإن تمّت الإنتخابات البلدية المقبلة، فإن أهالي صور يعلمون أن اللائحة الإنتخابية ستكون "زي ما هي، لأنو هيك بدّن الكبار. وإن لم ننتخب سيُنتخب المجلس البلدي بالتزكية. وعليه، لا أهمية لنا". هكذا، تعتقد فئة من أهالي صور وأقضيتها. بينما تصر فئة أخرى على الإنتخاب لأنه حق لها، وجزء من العملية الديمقراطية، حتى وإن كان شكل المجلس البلدي مخالفاً لتوقعاتها.
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها