السبت 2024/07/27

آخر تحديث: 08:51 (بيروت)

فلسطين: اجتماع الناهبين وافتراق المنهوبين

السبت 2024/07/27
فلسطين: اجتماع الناهبين وافتراق المنهوبين
ها هو نتنياهو ينهبنا علناً،وها هو الكونغرس يبارك لشريكه علناً... وها نحن نقيم على افتراق (Getty)
increase حجم الخط decrease


حرب الجلاّد والضحية، لم تنطفئ نارها في فلسطين. الاشتعال الهائل الذي يلفّ غزّة، ويتنقل في الضفة الغربية المحتلة، أعاد رسم الخطّ الواضح المبين، بين اجتماع الناهبين على نهبهم، وافتراق المنهوبين حول تعريف جمعهم، الذي زادته الحرب التباساً، بَانَ وما زال، في البيانات السياسية، وفي الإجراءات العملية.

في سباقٍ مع الزمن، يتواجه المقتول مع القاتل، فوق الأرض الفلسطينية، وفي مواكبة حثيثة للزمن، يتبارى محور دعم القاتل، في ملء مستودعات العدوان بما يديم عدوانه، وبما يكفل إنجاز مهمة الإبادة الجماعية التي يسعى إليها. وفي "هدوء" يراقب الزمن، يختلف أصحاب الرقاب المحنيّة حول شرح أصل "المقصلة" التي تنتظر رقابهم، بعد أن تفرغ من تنفيذ أحكامها. والحال، ماذا عن اللوحة الحالية التي تظهر الافتراق بين محور ومحور؟ وما الخطوط البينية التي تشير إلى تقاطع هنا وافتراقٍ هناك؟ وماذا عن العناوين الأساسية الجديدة – القديمة، التي تفرض "مسائلها" الماضية – الحاضرة، على بساط المعاينة الضرورية؟ ذكر الأساسي من العناوين، تفرضه معطيات الراهن، وتفرضه ضرورة الاستشراف المفتوح على المستقبل، لذلك سيظلُّ مفيداً ومطلوباً، اعتماد الإيجاز في كل عنوان، والحرص على الوضوح الممكن في العرض، على إيجازه، هذا لأن المسألة اليوم، تتجاوز قول الرأي السياسي المباشر، إلى محاولة التأسيس لآراء وأفكار مرحلة اجتماعية وسياسية قادمة. في السياق تتيح التطورات العاصفة، في المنطقة، وفي العالم من حولها، التطرق إلى جملة من العناوين المُختارة الآتية:



اجتماع الناهبين
منذ اندلاع معركة "طوفان الأقصى"، وحتى إلقاء بنيامين نتنياهو كلمته أمام الكونغرس الأميركي، اجتمع الناهبون على كلمة تضليل واحدة، هي "حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها"، وتابع ذات الناهبين، سياسة الدعم المفتوح، سياسةً وتسليحاً، لآلة القتل الإسرائيلية.

هل يجتمع الناهبون على عمَى معرفيّ؟ أم أنهم يجتمعون على تزوير تاريخي عام، يصير بحسب أضاليله، الفلسطيني غريباً في أرضه، و"الصهيوني" القادم من أصقاع الدنيا، هو مالك الأرض الأصلي، الذي لا ينازعه في حقه منازع؟

هل نسيَ الغرب الناهب، أن المحرقة اليهودية، جرت فوق أرضه، وفي ظلِّ أعلام حضارته؟ وهل نسيَ الأميركي خصوصاً، أن "الغيتو" صناعة أميركية، قبل أن تكون صناعة في بلاد أوروبية أخرى؟

ثم كيف نسلّم ببراءة القصد الغربي؟ وأبحاث "علمائه ومنقبيه" عن أصول البشر والحجر، ملأت المكتبات، لكنها ظلَّت حَشْواً في العقول، ونَكِرَة في السياسة، عندما يصل الأمر إلى معالجة شؤون المنهوبين، يقلب الناهب المستعمر، قديماً وحديثاً، صفحة العيش المشترك لجميع الأديان، في ظلال مرحلة السيطرة العربية والإسلامية، وبممحاة ماكرة جائرة، يسقط تاريخ الجزيرة العربية، ما قبل الإسلام وما بعده، ويسقط تاريخ الأمويين والعباسيين وحتى تاريخ السلطنة العثمانية، إذا ما أردنا فتح النقاش على حقبات السيطرة الإسلامية.

فلسطين مجدّداً، القضية التي عادت لتفضح زيف الادعاء الغربي الحضاري اليوم، بعد أن فضحته سنة 1948. في سياق الزيف، يستقبل المزيّف الأميركي، الذي طرد سكان البلاد الأصليين، المزيف الصهيوني، الذي قلّد "سيده" بذات الفعال. يتحدث المعتدي الوكيل، في حضرة المعتدي الأصيل، فيصفق له هذا الأخير وقوفاً!! يكذب الوكيل، إذ يقول أنه يشارك الأصيل قيم الحضارة والديمقراطية!! فيحتفى به بحرارة، وشاشات التلفزة تنقل صور المجازر من غزّة الذبيحة!! مستوطن أميركي "سابق" يبارك مستوطناً صهيونياً لاحقاً، يشد معه على الزناد، ويعده بأطنان من قنابل الأعماق القاتلة. ما الذي ينبغي الوصول إليه؟ ليس أقل من خلاصة واضحة هي: إن الناهب الغربي يثبت "مخفره" الإسرائيلي الأمامي فوق القلب الفلسطيني، ليظل المنهوب العربي، عرضة للقمع الصهيوني المستدام، باسم العقيدة الصهيونية، وباسم المصالح الغربية، المخبأة خلف براقع الحضارة والنهضة والأنوار... هذه التي انطوت صفحاتها منذ عقود، في ديارها وفي ديار الآخرين.



افتراق المنهوبين:
في موازاة اجتماع الناهبين حول سياساتهم العدوانية القهرية، يسترسل المنهوبون في سياساتهم الافتراقية، ومثلما يعتني فريق النهب بستر وجه فعله القبيح، يعتني الفريق المنهوب باستحضار كل ما هو قبيح في تاريخه، ليشوّه ما كان له من تاريخ حَمَل أوسع مسحة من جمال.

وعلى سبيل المقارنة، يسمح واقع الحال بإطلاق صفة جامعة على فريق النهب، وعلى تسميته بمفردة واحدة، فنقول عنه الغرب الاستعماري، لكن واقع الحال يمنع تسمية الفريق المنهوب باسم واحد، لأنه فاقد السمة التمييزية الواحدة، إن شئنا له وَصْفاً، والحال غالباً ما يحدّد هذا الفريق "جهوياً"، فيصير شرقاً بالجملة أو استبداداً بالجملة، أو تخلُّفاً وفواتاً بحسب المقياس الحضاري، الذي كتب معاييره ومواصفاته المستعمر القادم من الغرب.

كلمة بالجملة لا تلغي ضرورة معاينة الافتراق، فهذا الأخير مقيم فوق جغرافيا وطنية محددة المعالم، وهو منتشر وسائد بين فئات مجتمعية مختلفة.

الانتشار والإقامة، لمسمى الافتراق، يحملان معضلات كل بنية افتراقية على حدة، ويطرحان مسائل خلافية، داخل البلد الواحد، مثلما يطرحانها مع جوار هذا البلد. لعل ذلك من طبيعة الأمور التي اقتضتها تعرجات تطور كل بنية أهلية، ولعلها من عوامل الدفاع الذاتي، الذي مارسته حمايةً لما اعتبرته من خصوصيات تطورها الذاتي، ومن تميّزها عن سائر قريناتها.

تحت العنوان الجامع، وفي سياق تسمية الافتراق بأسمائه، تطالعنا عناوين فرعية من قبيل:

أ- اللبنانية واللبنانيون: لبّ الموضوع، هل نجح مسمّى اللبنانيون في شرح معنى اللبنانية؟ وهل تمكنت هذه الأخيرة، من جمع اللبنانيين حولها، بعد أن حددت شروط الاستقامة الجمعية حول مدلولها؟

واقع الحال الحالي، ينبئ بعكس ذلك، معطى اللبنانيين المنقسم حول المعركة الدائرة مع إسرائيل، يسلك سُبُلاً متعددة، تتناسب وعدد أفرقاء التشكيلة الطائفية الأهلية، التي لم تستقر على تعريفات عامة مشتركة.

ب- عرب وعروبة: بيت القصيد، ما الذي يجمع العرب اليوم غير لغة ضادهم؟ إذا اعتمدنا مقياس الموقف من فلسطين، نجد أن العربية صارت لغة وساطة، أي لم تعد لغة عروبة، وبحسب ما يتضمنه معنى العروبة من حمولة سياسية ومجتمعية. أما إذا اعتمدنا مقياس الموقف من قضايا عربية جامعة، فإننا لن نجد الموقف، لأن هذا غائب بغياب قضاياه. جردة سريعة، مفيدة لإثارة النقاش. مثلاً: كيف يُسمح بتخبط مصر في أزمتها الاقتصادية الخانقة، وهي مركز الثقل العربي، ومركز التوازن داخل "الانتظام" العربي؟ ولماذا يسمح باستمرار ارتهانها لمشيئة نهب "كمب ديفيد" الذي أخرجها من دائرة الصراع العامة؟ وماذا عن الصومال واليمن؟ وماذا عن ليبيا؟ وكيف لا تراجَع السياسات حيال سوريا التي صارت أكثر من سوريا؟ بقرار من الناهب الغربي، الذي أباح التدخل المفتوح فيها، ومن ثمّ منع عنها أسباب الخروج من براثن الحرب الأهلية التدميرية.

خلاصة القول، إن التفتيت الذي تعرضت له البلاد المنهوبة، جرى وفق خطة مرسومة، فيها الكثير من التزوير، الذي كان ذريعةً لاجتياح العراق أولاً، ثم تدحرجت أحجار الشطرنج الباقية. "التفتيت" المشار إليه، وجد له أرضاً داخلية صالحة، هذا صحيح، لكن هذه الأرض جرى إعدادها بعناية من الناهب أولاً، هذا الذي أعاد العبث بها، عندما اقتضت مصالحه النهبية ذلك.

والسؤال: ما الهدف من سياسات الإضعاف والتشتيت، ومن سياسات الإفقار والتفتيت؟ الجواب الواضح عن ذلك هو: تعميق حماية النفوذ الاستحواذي الغربي، بإضعاف كل داخل عربي وطني، وبعرقلة تشكل أي مركز قوى يجمع أكثر من وطني، وتثبيت وترسيخ الكيان الصهيوني الغاصب، من خلال الحفاظ على تفوقه التقني والتسليحي، ومن خلال فك الحصار عنه من خلال عملية تطبيع واسعة مع المدى العربي المنهوب، فتكون الحصيلة مراكمة تفوّق المتفوق، ومراكمة عجز العاجز، أمّا الثمن المعروض من قبل الناهب، فهو توفير الحماية الداخلية للمنهوب، ما دام منضبطاً ضمن قيود نهبه.

قيل في اللغة عن النهب، إنه يشير إلى العزل والتجريد من الأشياء، وإلى الاقتلاع والتخريب والسلب والاستيلاء على المنافع باستخدام القوة، وأخْذ الشيء قهراً، أو بالخداع والغش. أما الفرق بين السرقة والنهب، فهو أن السرقة تتم سرّاً، بينما النهب يجري علناً... وها هو نتنياهو ينهبنا علناً... وها هو الكونغرس يبارك لشريكه علناً... وها نحن نقيم على افتراق، فمتى نجتمع على رفض سرقتنا ونهبنا، سرّاً وجهراً... نحن المنهوبين؟؟

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها