السبت 2024/08/24

آخر تحديث: 09:21 (بيروت)

أسئلة الحرب تواكب يوميّاتها

السبت 2024/08/24
أسئلة الحرب تواكب يوميّاتها
كانت الكلمة للميدان، الذي "فَجّرَتْ" تطوراته بُنيانَ الحسابات، وعَمَارَة الأوهام (Getty)
increase حجم الخط decrease

ما زال الاشتباك مع اسرائيل مستمرًّا. هذه الاستمرارية المتطاولة لم تكن في حسبان أطراف الصراع، والأرجح، أن كل طرفٍ من هؤلاء، نزل إلى ميدان القتال وفي ظنّه أن الفوز حليفه، وأن الوصول إلى أهدافه، المعلنة والمستترة، قريب المنال.

لم تتأخر اليوميّات عن كشف فشل الظنّون المتفائلة، مثلما لم تتأخر عن إسقاط فرضيّات متبادلة، حول موازين القوى، وحول ما يحيط بها من ردود أفعال داخلية وإقليمية وعالمية.

انزاحت من مُربّع تقديرات المواقف المتبادلة، بنودٌ كثيرةٌ من تقرير كل تقدير، ومع انزياحها كانت الكلمة للميدان، الذي "فَجّرَتْ" تطوراته بُنيانَ الحسابات، وعَمَارَة الأوهام.

آثار التفجير:
ثلاثة مشاهد واضحة للعيان، تقدّم قراءة سهلة لما آلت إليه الفرضيات على الجبهات القتالية. القراءة السهلة المكتوبة بأقلام الصور وبأعين كاميرات الإعلام، عامل مساعد أساسي على صياغة خلاصات سهلة أيضاً. تباين الخلاصات، أو معاندة مضامينها لما هو مرأيٌّ ومسموع، سببها اختلاف موقع القارئ، سواءً كان منخرطاً في المواجهة المباشرة، أو كان فرداً من جمهور الانحياز السياسي، أو كان صاحب المشروع السياسي الأصلي الذي يتجلى في أفعال وأقوال ظاهرة، لا تعدو كونها وسيلة تظهير متدرِّج لما هو مسكوت عنه لدى أطراف المواجهة القتالية الناطقة.

يقف القارئ "الخارجي" أمام لوحة الاشتباك الواقعية الحالية، فيعيد رسم مشهد خاصٍ به، مادته مستقاةٌ ممّا تقدمه المشاهد الواقعية، وما يقدمه الناطقون بأسمائها، ومادته أيضاً ما تقرأه العين الخاصة بين سطور الصورة وركامها، أما ألوان الفكرة المختلفة، فخاصة بريشة "الخارجي" الذي تسمح له "خارجيته" بالإدلاء برأي تسهل ملاحظته بين سائر الألوان.

المشهد الإسرائيلي:
التذكير بأصل الإسرائيلية الصهيونية مفيدٌ لجهة ردّ الدولة العبرية إلى جذورها، لكن الاسترسال في شرح الأصل غير مفيد الآن، لأنه يذهب بالمتابعة والمعاينة، إلى استعراض قديم معلوم، ولأنه يعيد تلميع أصولية ماضية، ليبرّر الرجوع إلى أصوليته الحاضرة. صراع الأصوليات، صراع الثبات في الزمان، وهذا ينفي الحركيّة الشاملة التي حملت القديم الإسرائيلي إلى زمن متحرّك مغاير. هذا يعيد النقاش إلى "البرهة" الراهنة، التي يشحنها الإسرائيلي بمادة تعبوية يختلط فيها الديني بالسياسي، ليخاطب بها جمهوراً مختلطاً لا تختلف بنيته الاجتماعية اختلافاً نافراً عن سائر بنيات "أبناء إبراهيم".

الشعار الأساسي الذي رفعه الإسرائيلي في وجه الفلسطينيين واللبنانيين، هو شعار "الحرب الوجودية". الوجود الإسرائيلي في فلسطين، مادّة وجودية غربيّة أيضاً، لذلك، لا نجد الغربيّ معنيّاً بمغزى الشعار، ونجده مستجيباً لصداه، من خلال الدعم المفتوح الذي تتصدره اليوم الولايات المتحدة الأميركية، ومن خلال الإسناد المتنوع، الذي تسهم فيه باقي الدول الغربية. ما الحقيقي، وما المصطنع، في الصرخة الوجودية الإسرائيلية، أمران لكل منهما قراءة خاصة به، أما الحقيقي الذي يدور فوق الأرض الفلسطينية، وفي مواجهة الأرض اللبنانية، عدوان موصوف لا يشوبه أيّ التباس.

في قراءة هذا الحقيقي العدواني، قراءة ميدانية وسياسية، يجب الاعتراف بالمادة الحقيقية لما هو ملموس ميدانيّاً، ولما هو واضح سياسيّاً، بحيث يكون الاعتراف مدخلاً إلى إسقاط الشعارات التعبوية التي تأتي من جهة المقاومتين الفلسطينية واللبنانية، وبحيث يكون الاستمرار في القتال، أو عدم تجاوز حدود معلومة منه، سياسة واقعية ملموسة، تواجه الأخطار الناجمة عن الأخطار الإسرائيلية الواقعية والملموسة.

المشهد الفلسطيني:
يقع عبء الحرب الوجودية الإسرائيلية، على وجود الشعب الفلسطيني، الذي يواجه حرب إبادة في غزة، وحرب اقتلاع في غزة وفي الضفة الغربية المحتلة في فلسطين.

ليست "البرهة" وقت وقوف أمام حيثيات وحسابات اندلاع معركة "طوفان الأقصى"، هذه لها حساباتها اللاحقة وخلاصاتها الأكيدة التي لا بدّ وأن تفضي إلى تحديد مسؤوليات وطنية عامة، عن البدء وعن ما قد تصل إليه نهاية "الطوفان". تجاوز البرهة السابقة إلى نقاش الآني الحرج الحالي، مسؤولية عامة، لدى كل من يدّعي وصلاً بفلسطين.

مادة النقاش محدّدة ومحدودة، بعضها في صيغة أسئلة، وبعضها الآخر، في صيغة الممكن السياسي الذي يلامس أفقاً مفتوحاً، وفي صيغة الممتنع السياسي الذي يقفز من فوق ما هو واقعي ومحسوس.

من الأسئلة الصعبة التي يفرضها الواقع الصعب، ما وضع قطاع غزّة الآن، فهل نقول إنّه القطاع المحتل؟ وهل القتال المستمر، هو اشتباك مقاومين في ظل الاحتلال؟ أم أن القتال ما زال قتالاً نظامياً يحتمل الكرّ والفرّ في المعركة؟ بقول واضح، هل الأفق القتالي مفتوح على إعادة الحشد الذاتي؟ وهل يُبنى على الحشد وتنظيمه احتمال هجوم مضاد يكون كفيلاً بإعادة تحرير القطاع المحتل؟

في الجواب عن الأسئلة، مجتمعة أو منفردة، ليس في الحوزة الواقعية ما يقدّم جواباً إيجابيّاً في صالح القتال الفلسطيني، لذلك، وفي ظل الظروف الشديدة الصعوبة والتعقيد، تتقدم أسئلة الممكن السياسي، الذي قد لا يكون متعدّداً، ودائماً بالاستناد إلى تقدير ميزان القوى الواقعي الذي لا تفيد في تعديله الرغبات.

من الممكن السياسي البعيد المدى، حملت التطورات مطلب حلّ الدولتين؟! فهل الأمر قيد الإمكان؟ ناورت المقاومة الفلسطينية بالأسرى الإسرائيليين لديها، فهل توظيف هذه الورقة مفيد إلى أبعد من مطلب هدنة مؤقتة؟ سائر المطالب المشروعة التي تعلنها المقاومة، الانسحاب من القطاع، ووقف العدوان، وإعادة الإعمار، هل سيتوفّر لها ميزان قوى عربي وإسلامي ودولي، ليجعلها قابلة للحياة؟ معظم الأسئلة الممكنة، تتجاوز القدرة الذاتية المحدودة للمقاومة، ولا تجد لها ظهيراً دوليّاً ولا نصيراً إسلاميّاً عربيّاً... وعليه، ماذا عن مباشرة الدخول في سياسات الختام الممكنة؟ وكيف؟ هذا سؤال للمقاومين، وسؤال أيضاً للباحثين عن مخارج، في ما بينهم، وبالتواصل والاتصال مع المرجعيات الدولية.

المشهد اللبناني:
أعلنت المقاومة الإسلامية اللبنانية حرب إسنادها لغزّة عند بدء معركة "الطوفان"، وما زالت تربط هدوء الجبهة اللبنانية، بهدوء الميدان الفلسطيني.

شعار الإسناد تجاوزته التطورات الميدانية، فما كان أرضاً محرّرة في فلسطين، صار أرضاً محتلة، بقوّة الواقع، وليس بقوة نفي الوقائع، لذلك بات على المقاومة الإسلامية اللبنانية مراجعة شعارها، والتصرف حسب ما تمليه هذه المراجعة. لقد دار سجال من جانب واحد مع المرحلة الشعارية، وهو ما زال صالحاً اليوم، عنوان السجال: ليكن لمعركة الإسناد عنواناً لبنانيّاً، من قبيل تنفيذ القرار 1701، وتحرير مزارع شبعا والغجر، أما مرجعية النشاط الإسنادي، أو التحريري، فيجب أن تظل ذات عنوان واحد هو: حفظ لبنان وسلامة كيانه، وصون المصالح الوطنية العامة لشعبه.

لقد قَبِلَ اللبنانيون بدرجات متفاوتة، تأسيس قتال "مقاومتهم" على قواعد الاشتباك، لكن هؤلاء يرفضون، وبدرجات متفاوتة أيضاً، أخذهم إلى حرب شاملة مفتوحة.

من نافل القول، إن العدوانية الإسرائيلية تتحمل المسؤولية الأولى عن التصعيد الحربي، ومن هوامش القول، إن وجود إسرائيل في فلسطين هو العدوان التأسيسي الأصلي على كل المصالح العربية، لكن من الجدّي ومن المسؤولية القول، بعدم السماح لعدوّنا أن يأخُذنا إلى حيث يريد، ومن الحكمة القول أيضاً، إنه لا يجب ملاقاة العدو في معركة توفّرت له فيها كل أسباب التفوق السياسي والميداني، هذا ما دامت الحسابات تقوم على الدمج بين مختلف عناصر القوّة التي يملكها كل طرف من الأطراف.

لنا أن نقدّر، أن "حزب الله"، يقرأ جيداً في كتاب التطورات، ولنا أن نطلب منه، اعتماد خطاب سياسي آخر، حيال الداخل المختلف أولاً، وحيال الخارج، الحليف منه، والذي يبادله الخصام.

خلاصة:
انسجاماً مع ما يقدمه الواقع، بات ملحّاً انتقال المقاومة الفلسطينية والمقاومة اللبنانية، إلى خطط بديلة، تحفظ ما يمكن حفظه، وتمنع خسارة ما قد يكون موضوعاً للخسارة. سياسة تحديد الخسائر عنوان. وسياسة تحصيل الممكن عنوان. أما الفوز والنصر وما إلى ذلك، فهذه من الأمور التعبوية التي لا يدعمها واقع سياسي مثل الذي يحيط باللحظة السياسية الراهنة.

لقد أعلنها الإسرائيلي حرب وجود، وللوجود هذا قاموس إسرائيلي خاص، فيه شرح الوجود في المكان، وفيه شرح الوجود في الزمان، وعلى "العرب" أن يعلنوها حرب وجود أيضاً، يجد تفسيره في قاموسهم على معنى الوجود في العالم، بما يضمن لهم معنى وحيثيّة ووزناً، بحيث يكون لهم ما سأل عنه الشاعر العربي ذات يوم:

أمّتي هل لــــــك بين الأُممِ
منبــــــرٌ للسيــــــفِ أو للقلــــــم؟

هو السؤال: ماذا لها الأمّة بين الأمم؟ وهل تريد وجوداً؟ وكيف؟

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها