الخميس 2024/07/25

آخر تحديث: 16:19 (بيروت)

نتنياهو ليس كاذباً فقط

الخميس 2024/07/25
نتنياهو ليس كاذباً فقط
"قوة" خطاب نتنياهو، وخطورته، تكمن باختفاء فلسطين بأكملها (Getty)
increase حجم الخط decrease

من السهل القول إن نتنياهو في خطابه أمام الكونغرس كاذب. لكن هذه الصفة من أدوات السياسيين عموماً، وأحياناً شرط السياسي احترافه الكذب، ومقدرته على تحويل أكاذيبه إلى حقائق قابلة للترويج.

نتنياهو "الناجح" في ديمومته كرئيس لحكومة إسرائيل، والبارع في التلاعب بخصومه وحلفائه معاً، ليس فقط مجرد كذّاب.

خطابه في الكونغرس، يصدقه نتنياهو بكل جوارحه. إنه مقتنع بكل كلمة قالها، وكل فكرة نطق بها. ويا ليته كان مجرد كاذب يدرك أنه يخدع جمهوراً من طينة سياسيين أميركيين مجبولين بحرفة البراغماتية. ويا ليت نواب الكونغرس وشيوخه، كانوا يستمعون إليه بوصفه كاذباً تقليدياً. فهم أيضاً كانوا مصممين سلفاً على تصديقه.

لا، ليست "مسرحية مبتذلة" تلك التي شاهدناها. والتصفيق الطفولي وشبه الهستيري المتواصل لم يكن إطلاقاً مجرد احتفاء. ما شاهدناه هو انتصار سردية خطيرة يصدقها قائلها كما يؤيدها ويؤمن بها الجالسون تحت قبة الكابيتول.

سردية نتنياهو، وكما كان متوقعاً، تنطلق من "الهولوكست" وتعود إليها. باسم المحرقة، وتدفيعاً لثمنها، يطلب من الدولة الأميركية التي تقود الغرب أن تسمح له ولدولته بوضعهما فوق أي قانون دولي، إزدراء المحكمة الجنائية الدولية، قرارات الأمم المتحدة، وثائق كل المنظمات الدولية. فـ"الدولة اليهودية" هي دولة ضحايا المحرقة، ولها الحق أن تثأر من تاريخ معاداة السامية بدم الفلسطينيين، الذين ليس لهم الحق هنا أن يكونوا ضحايا. فهذه الصفة حكر على إسرائيل وحدها. وإذا كان هناك عقوبة لمن ينكر "المحرقة"، فلا عقاب لمن ينكر حق الفلسطينيين. تلك هي وحدها العدالة بنظر نتنياهو. 

من أجل ذلك، كانت العودة بخطاب نتنياهو إلى ذاك التبسيط المميت الذي عايشناه لحظة أيلول 2001، "الفسطاطين" من قبل أسامة بن لادن، و"الخير والشر" من قبل بوش الإبن. ومع نتنياهو ستأخذ مقولة بوش بعداً آخر مستمداً من العقيدة الاستعمارية: الحضارة بوجه البربرية، التي أباحت سابقاً وتبيح اليوم المجازر.

40 ألف فلسطيني قتلتهم إسرائيل، معظمهم من الأطفال والنساء، ليسوا في خطابه حتى مجرد رقم. غير موجودين ولو على سبيل الإضمار أو بين السطور. ولو حتى بتأسف كاذب. فمنذ أن بات سكان غزة جميعهم "إرهابيين" بمن فيهم الرضع، فهم يستحقون الموت، قتلاً أو جوعاً أو مرضاً.

خطاب نتنياهو، عقائدي وإيماني، وتوراتي بامتياز، وبنسخة "شعبية" قابلة للترويج، تلاقي في هذه اللحظة كل الشعبوية الجارفة بصعودها في أميركا وبعض أوروبا، وبما تحمله من كراهية ونزع إنسانية الآخر، وإسلاموفوبيا، وفلسطينوفوبيا، وعرب فوبيا..إلخ.

"قوة" خطاب نتنياهو، وخطورته، تكمن باختفاء فلسطين بأكملها. ما يقترحه نتنياهو بالغ الوضوح: التخلص من البرابرة الذين لا يستحقون دولة. والناجون منهم يوضعون بمعازل.

مصير غزة، حسب نتنياهو، احتلال مديد وإبادة (مشرعة أخلاقياً من الغرب!). والأخطر هو ما تناساه في خطابه: الضفة الغربية، التي يبدو أنها مرشحة لمصير شديد السوء، مع حذف "دولة فلسطين" من القاموس.

ما يقدمه نتنياهو بسيط جداً: دولة يهودية من النهر إلى البحر. لا تمحي "فلسطين" فقط، إنما تحذف الفلسطينيين من الوجود.

هذا هو "الخير" الذي تبشرنا به إسرائيل. ما الشر إذاً؟

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها