الخميس 2024/08/15

آخر تحديث: 14:03 (بيروت)

هوكشتاين: هدية سماوية؟!

الخميس 2024/08/15
هوكشتاين: هدية سماوية؟!
هوكشتاين، بات مناطاً به مصير الجمهورية (مصطفى جمال الدين)
increase حجم الخط decrease

في أواخر عام 2021 جاء تعيين آموس هوكشتاين مشرفاً على مفاوضات الترسيم بين لبنان وإسرائيل. كانت بيروت محطمة، والنظام اللبناني "زومبي". ميت وقاتل في آن معاً.

حينها، الانهيار التاريخي للعملة، الثورة المجهضة، الزعماء السياسيون يمضغون أطنان الشتائم ليلاً ونهاراً، النبذ والاحتقار العربي والدولي لهذه الطبقة الحاكمة، النظام المصرفي والاقتصاد الوطني تحت الصفر، الاحتقان المذهبي والطائفي ينتفخ كورم سرطاني، وما لا يحصى من انحطاط تجسد في انعدام الكهرباء وموارد الطاقة. كان لبنان في الظلام، مجازاً وفعلاً. 

آنذاك، كانت السلطة الفعلية في نهايات العهد البائس، بيد رئيس مجلس النواب نبيه برّي، وإن كان رئيس الجمهورية ميشال عون وصهره يربضان في قصر بعبدا. وصاية حزب الله الذي حمى النظام من السقوط، اقتضت ذلك. لكن الحزب الذي أراد إفشال "المبادرة الفرنسية" الشهيرة لإنقاذ لبنان، استنفد أي حلول بديلة أو عدمها. لم يكن لديه خبرة سابقة في تحمل مسؤولية اقتصاد ودولة ومجتمع. فهذا "الجبّار" في المقاومة المسلحة، بدا عديم الحيلة في تدبير شؤون بلد، فلم يفلح سوى بـ"تهريب" بضعة صهاريج مازوت.

جاء آموس هوكشتاين، بكامل أناقته وابتسامته الواثقة، وتسريحة شعره اللامع، و"جاذبيته" التي تكاد تكون هوليوودية، كوعد أشبه بالمعجزة لهذه السلطة المتهالكة. جاء بكل الهيبة الأميركية كهدية سماوية في أحلك لحظة.

وعود هوكشتاين جمعت كل ما يحلم به لبنان والمتحكمين به: ثروة، طاقة، واتفاق حدودي يؤدي إلى استقرار، ترميم سلطة، تطبيع دولي.. وبالتأكيد، ترتيب محاصصة تنعش الطوائف والزعامات، وتجديد النظام السياسي وفق الوصاية إياها. والأهم بالنسبة لشطر كبير من اللبنانيين، حل معضلة العداء بين حزب الله وأميركا (محلياً على الأقل)، بما يجلبه من راحة سياسية واقتصادية وأمنية.

الإسرائيلي المولد، الأميركي الهوية، تحول إلى أكثر السياح إخلاصاً للبنان، بالنظر إلى عدد زياراته، وولعه بالمائدة اللبنانية. وبسرعة قياسية بات "صديقاً" لسياسيينا، وفي مقدمتهم الياس بوصعب الشريك الموثوق في المفاوضات، عدا الإلفة والعِشرة الحميمة مع الرئيس برّي "الـBoss" وفق تعبير هوكشتاين نفسه.

الدور الديبلوماسي الحاسم الذي لعبه في اتفاقية الترسيم البحري، أهّل هوكشتاين ليكون أكثر من كبير المستشارين لدى الرئيس بايدن. فإنجازه هذا، تحول إلى مثال لاجتراح سياسة خارجية أميركية جديدة في أسلوبها ومقاربتها لمعضلات الشرق الأوسط، إلى حد امتعاض وزارة الخارجية الأميركية منه في بعض الأحيان.

مع ذلك، ألهم الإدارة الأميركية كيفية جديدة في الوساطة، أقل "عدائية" تجاه محور الممانعة، وأقل استفزازاً في انحيازها التقليدي لإسرائيل، وأكثر التصاقاً بلغة البيزنس والفوائد الاقتصادية. والملفت أيضاً، القدرة التسويقية والإعلامية ليكون "شخصية عامة" ودودة وغير متحفظة، فهو غالباً ما خاطب الرأي العام اللبناني، ولم يكتف بالاجتماعات الرسمية واللقاءات في الغرف المغلقة، فيمكنه تبادل النكات مع الصحافيين، أو التجول في الأماكن السياحية على نحو علني ومتخفف من البروتوكول الرسمي.

اللبنانيون ألفوا حضور هوكشتاين كأي شخصية معروفة تعمل في الشأن العام المحلي. إلفة لا تخلو من الثقة بما يمكن أن يجلبه لهم.. إلى حد أنهم يحارون أحياناً: هل هو حامل تهديدات عدو، أم حامل نصائح غيور على سلامة البلد.

منذ عشرة أشهر، لبنان محكوم بـ"حرب الإسناد"، ولا شيء آخر. السياسة في صفرها المدقع. ما من قول أو خطاب أو عمل دولتي. هناك حزب يحارب وعدو يدمر ويقتل ودولة هامدة.

وحده هوكشتاين، بات مناطاً به مصير الجمهورية: الحدود، التنقيب عن الغاز والنفط، خطة الكهرباء، رئاسة الجمهورية، القرار 1701، الذهاب إلى "تسوية" أو الانزلاق إلى الحرب الشاملة.

صحيح أن الكلمة الأخيرة والفاصلة تبقى عند "الحزب"، لكن هذا الأخير ينتظر بدوره الصفقة التي سيقدمها هوكشتاين حال نجاح إدارته بوقف محرقة غزة.

هذه هي مهمة هوكشتاين الأخيرة، إن نجح فيها قد يصبح بأهمية الجنرال غورو في مصير لبنان ومستقبله.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها