السبت 2024/06/08

آخر تحديث: 11:50 (بيروت)

حدود لبنان: حدود المساهمة في المعركة الفلسطينية

السبت 2024/06/08
حدود لبنان: حدود المساهمة في المعركة الفلسطينية
يشكل تدخل حزب الله قلقاً مشروعاً لدى كل الذين يطمحون إلى سياسات لبنانية هادئة (Getty)
increase حجم الخط decrease

حزب الله يحارب في الجنوب اللبناني. الخبر صار عادياً، وما كان يدارى بالحذر والخفر، بات مادة خطاب سياسي معلن. ما يجب إسقاطه من نقاش مسألة دخول حزب الله على خط الانفجار الفلسطيني، هو كلام الفجاءة، وهو الكلام السياسي، الذي يقصر تدخل الحزب على قراره الذاتي، ويبتره عن سياقه الإقليمي العام، الإيراني على وجه التحديد.

لقد دخل حزب الله في أتون المعركة، منذ انفجارها في تشرين الأول 2023، وسياسة دعم المقاومة الإسلامية الفلسطينية، لم تكن موضع التباس ولا جدال، وأشكال المساعدة "ما قبل الميدانية"، كانت قائمة. إذن لا يحق للمتابع السياسي أن يخرج من المعاينة بشعور المفاجأة.

الموقف الإيراني كان ساطع الوضوح هو الآخر، ودعمه العسكري والسياسي سلك خطوطاً مستقيمة ومتعرجة، لكن وجهته كانت مباشرة دائماً، في التسديد على خصوم المحور الذي أتقن تشكيله، وأتقن تدعيم بنائه.

ولأن حزب الله "خارجي"، عندما يتعلق الأمر بإيران، فقد ذهب إلى حيث المعركة حاسمة بالنسبة للموقع الإيراني، وذهابه طبيعي، لأنه جزء عضوي من هذه "الخارجية الإيرانية"، ومكوِّن ضارب، من مجموع المكونات الضاربة، إنفاذاً لسياساتها، ودفاعاً عن مصالحها ومواقعها.

المشاركة القتالية من قبل حزب الله، خطيرة داخلياً، وخطيرة في المدى العربي. وجه الخطورة في الداخل اللبناني، يتأتّى من كون التدخل يقترب من نمط من الحرب الأهلية الباردة البديلة، التي تخاض ضد الداخل، لكن فوق مسرح خارجي، وبحيث يُستقوى على المعطيات المحلية، بفوز خارجي، إن حصل، يتم السعي إلى محاولة توظيفه داخلياً، بالاستناد إلى محصلة إقليمية -عربية جديدة، تلامس معادلة فرض الأمر القاهر الواقعي، على مجموع اللبنانيين.

فشل حزب الله في معركته الفلسطينية، إن حصل، لا يقلّ خطورة على الداخل، من نجاحه فيها. فالعودة ستكون إلى الرقعة المذهبية، وهذه سيحكمها سلوك التحصّن بها، والإمساك بمقاليد أمورها، لتقليص مفاعيل "الخسارة الارتدادية"، وتحجيم مقدار الخسائر التي قد تلحق بالشيعية السياسية، عموماً، هذه التي صار حزب الله قائداً أوّل لمنطق التعبير عن حضورها الإجمالي، في البنية الداخلية.

فشل حزب الله أو نجاحه، عاملان متفجّران سياسياً واجتماعياً. فالحزب إن لم يستطع أن ينأى بقدراته عن استمرار الانخراط في معركة "القدس"، وإن لم يفلح في بناء حيّز استقلالي داخلي مطلوب، عن راعيه الإيراني، سيظلّ معضلة بنيوية لبنانية، لأن هذه الأخيرة لا تملك من مقومات السياسة الوطنية العامة، ما يجعلها قادرة على استيعاب "الحزب الفائض" عن قدراتها. ردود البنية ليست، عاقلة كفاية، مثلها مثل "فلسفة" الحزب لسلوكه، وما هو حاصل لم يتجاوز، حتى تاريخه، عتبات الكلام الذي ما زال غير مسؤول، مسؤولية كافية ومقنعة، ومعطّلة لأسباب الخروج من عنق زجاجة أحكامه.

بناءً على واقع الحال هذا، يشكل تدخل حزب الله قلقاً مشروعاً لدى كل الذين يطمحون إلى سياسات لبنانية هادئة، مثلما يعبر عن مأزق "السلاح" الذي تحول إلى ساحة أخرى، بعد أن تعثّر استمرار القبول بأدائه في ساحته، وبعد أن زالت مبررات الأداء، فزادت من عوامل تعذّره سياسياً.

وإذا كان لنا أن نضيف، فإن جرّ اللبنانيين إلى ميدان معركة، خارج أرضهم، سياسياً، وفوق أرضهم، ميداناً واجتماعيّاً، يهدد بجعل بلدهم ساحة متجددة وميداناً لمعركة خطرة ومحتملة ومفتوحة على أكثر من احتمال، وما طلائع ما حصل حتى اليوم؟ إلا تزكية أولية لهذا الاحتمال.

خلاصة القول: 
إن المشاركة القتالية في الحرب الدائرة فوق الأرض الفلسطينية، تنحو إلى أن تشكّل تهديداً وطنياً عاماً، وتهديداً مجتمعياً خاصاً، ينال من انفراد الأفراد، ومن اجتماع المجموع. لماذا؟ لأن المعركة تجاوزت أكثر من قليل على قواعد الاشتباك، التي ارتضاها صفٌ واسعٌ من اللبنانيين، عنواناً للمساهمة اللبنانية.

ولأن الواقع ما هو عليه، كيف يدير المعترضون حملات اعتراضهم على المشاركة اللبنانية في القتال؟

من الملاحظ، أن البيانات المعترضة تتوزع على اعتراض يتّصل بأصل البنية اللبنانية، وتوازناتها، وأحكامها، وعلى اعتراض يضرب في الهواء، فيتجاوز بدوره، على أحكام البنية باسم الدفاع عنها، وعن صيغتها الفريدة، وما بين الاعتراض الواقعي، والاعتراض الهوائي، ثمة فسحة ضيقة لاعتراض يرى الأمور بمنظار المصلحة اللبنانية العامة، التي تستند إلى صياغة تسوية داخلية جديدة، تتمثل في سطورها، كل الجديد السياسي والاجتماعي الذي بات حاضراً بوضوح في التشكيلة اللبنانية.

كيف يعالج أمر الجديد الواقعي اللبناني؟ الجواب الأقرب، هو أن المعالجة تقع في صميم مسؤولية قوى اجتماعية جديدة، تضع في حساباتها ضجيج النضالية، الإسلامية عموماً، وفرادة "الحضارة" اللبنانية، المسيحية عموماً، من دون افتئات على هذه وتلك، إلاّ في سياق عملية سياسية اجتماعية، تكون قادرة على تخفيض كل الأصوات الفئوية الأهلية العالية، في صالح الصوت الوطني العام، الذي يجب أن يظلّ الأعلى، حفاظاً على الاستمرار الوجودي لكل الأصوات.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها