الخميس 2024/05/16

آخر تحديث: 14:31 (بيروت)

نكبتا فلسطين وسوريا ومأساة لبنان

الخميس 2024/05/16
نكبتا فلسطين وسوريا ومأساة لبنان
تغير اللاجئون في لبنان. وتغير لبنان أكثر (Getty)
increase حجم الخط decrease

بعد أيار 1948، نشأت مخيمات للاجئين الفلسطينيين في لبنان. انقضى 76 عاماً، من دون أن تتحقق حتى الآن العودة المأمولة إلى فلسطين. في الأثناء، مرّ تاريخ عصيب ودموي مليء بالحروب الإسرائيلية والأهلية على حد سواء. وظل البؤس هو العنوان الأول لحقائق ذاك التاريخ.

تغيّر "اللاجئون" من جموع مشردة إلى شعب وقضية وثورة وكفاح مسلح. شعب صنع هويته بكثير من الدم، بكثير من الصواب والأخطاء والتجارب المريرة والصعبة.

تغير لبنان معهم مرات ومرات، ودفع معهم أثماناً هائلة ولا يزال. ويبدو أنه من المستحيل على لبنان أن يصير ما يربو إليه وما يحلم أن يكونه قبل أن يتحقق للفلسطينيين المصير الذي يريدونه. قدر لا مفر منه رغم كل محاولات الفصل والنأي. هذا ما تؤكده مجدداً "التوأمة" بين غزة وجنوب لبنان راهناً. وربما بات من العبث السعي المتكرر لمعاكسة هذا القدر.

قبل أيام شاهدت وثائقياً بريطانياً أُنتج عام 1969، كان عنوانه صادماً ونبؤياً: "الطريق إلى الحرب الأهلية" (قبل ست سنوات من اندلاعها). يصوّر الاشتباكات الأولى بين الجيش اللبناني والفدائيين في منطقة راشيا والعرقوب، جنوب لبنان. الفدائيون الفلسطينيون يريدون حرية الحركة والسيطرة على معابر لبنان-سوريا، وخطوط الإمداد بين المخيمات والجبهة الجنوبية، وفتح الحدود مع فلسطين المحتلة لتنفيذ العمليات العسكرية ضد إسرائيل. والجيش اللبناني يريد بسط سلطته وسيادته وحماية الحدود.

في هذا الوثائقي، مقابلات مع صائب سلام وريمون إدة وليلى خالد، تقول بتكثيف واختصار السجال الانقسامي الذي لم ينته بين اللبنانيين أنفسهم، كما الخطاب الفلسطيني الذي حلم بتكرار سيناريو سايغون-هانوي والحرب الشعبية الطويلة الأمد.

والخلاصة هي نفسها آنذاك واليوم.

***

راهناً، وبعد مرور نحو 13 عاماً على "النكبة" السورية، نشأت في لبنان أيضاً مخيمات اللاجئين السوريين. نحو مليون تدفقوا عبر الحدود هرباً من المجازر وسادية النظام الأسدي. وأضيف إليهم على امتداد السنوات مئات الآلاف المتسللين بحثاً عن عمل أو هجرة، هرباً من الجوع وقسوة "الخدمة العسكرية".

أيضاً، ما كان وعداً بعودة قريبة ما إن يرحل الأسد، تحول إلى انتظار مديد ربما سيطول إلى مستقبل مجهول. وتحول اللجوء المؤقت إلى "إقامة"، وُلد في أثنائها جيلان على الأقل. سوريون جدد لا يعرفون سوريا سوى عبر حكايات الأهل.

تغير اللاجئون السوريون في لبنان. وتغير لبنان أكثر.

ومن المرجح أنهم لن يظلوا هكذا مجرد لاجئين، صامتين ينصتون وحسب للسجالات اللبنانية والإقليمية والدولية حول مصيرهم. لن يبقوا هكذا مستسلمين لقدر الاغتراب عن بلادهم، مسلوبي الحقوق.

ولن يستطيع لبنان أن يستقر أو "يتخلص من عبء اللاجئين" من دون أن تستقر سوريا نفسها. لن يتحرر لبنان من مخيمات اللاجئين إن لم تتحرر سوريا من آلة التهجير.

مأساة لبنان أن مصيره أصبح مرتبطاً بمصير سوريا، رغم كل المحاولات المستميتة للفصل والنأي. قدر لا فكاك منه، وإن كرهناه.

بقي فقط أن نعرف إن كانت وحدة المصير الفلسطيني السوري اللبناني ستجد خاتمة أم أن التاريخ الذي انقضى سيظل مستأنفاً نفسه بلا خلاص.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها