منذ الإعلان عن هذا الخبر الصاعق، حفلت وسائل الاعلام بالتحقيقات وبالدراسات المرتبطة بهذا الجانب المظلم من شخصية من اقترب المؤمنون يومًا على الاعتقاد بأنه قدّيس. وتوصّلت الآراء على اعتبار أن الخطيئة ليست فردية وليست مرتبطة بالأب بيير فحسب، بل بمنظومة أخلاقية/ دينية/ اجتماعية معقّدة. واسترجعت عديد من الأقلام إشكالية الزواج أو عدمه في إطار المؤسسة الكنسية، لكنها أجمعت على أن تصرفات الأب بيير غير الأخلاقية ليست محصورة بقاعدة الامتناع عن الزواج عند رجال الدين الكاثوليك فحسب، بل هي مؤشّر على جانب مظلم غالبًا ما يتوفّر لدى الكثيرين، وخصوصًا لدى من يتصدرون المشهد الأخلاقي.
فجأة، رمى أحدهم بخاطرة سريعة الزوال على وسائل التواصل الاجتماعي، مفادها أن ما يجري من فضح لتاريخٍ قاتم عبر من خلاله الأب بيير، ما هو إلا مؤامرة صهيونية ضد هذا الرجل الرمز، وذلك استنادًا لتصريحات له فيما يتعلق بنشوء دولة إسرائيل وبحقوق الشعب الفلسطيني. وكمن رمى عود ثقابٍ في كتلة من الشعير الجاف، فقد اشتعلت صفحات عرب ومسلمين بهذا الخبر الذي ربما كتبه صاحبه مازحًا.
في بداية نشر الفضيحة عن أخلاقيات الأب بيير، كان من السهل للمتابع أن يقع ضحية لمثل نظرية المؤامرة هذه والتي يمكن لها أن تستقطب النفوس المتعطشة لتبريرات منحرفة. ولكن، وبعد أن انتشرت معلومات تفصيلية عن تجاوزات الأب بيير الجنسية، كما وبعد أن أُجريت مقابلات شخصية مع بعض من ضحاياه، فقد صار تصديق نظرية المؤامرة هذه دليلاً إضافيًا على محدودية العقل البشري واستعداده الدائم لتلقف الأكاذيب التي تملأ عقد النقص لديه والمرتبطة بالمحاكمة العقلانية والموضوعية لأحداث بعينها من دون ربطها التلقائي بمؤامرات تُحاك من هذا الطرف أو ذاك.
من المؤكّد بأن الأب بيير، وفي جانبه الأخلاقي المضيء، كان قد أبلى بلاءً حسنًا في سعيه لإسكان المشردين وفي انخراطه في العمل الإنساني المرتبط بالفقراء. بالمقابل، فإن الإشارة إلى تجاوزاته غير الأخلاقية تجاه المرأة، وذلك بالاستناد إلى شهود عيان من الضحايا أنفسهن، إضافة إلى تقارير الكنيسة كما الفاتيكان المتعلقة بتصرفاته التي تنمُّ عن مرض نفسي استمر طوال عقود، هي مثبتة وربما أفصحت الأيام المقبلة عن تفاصيل أكثر هولاً مما هو متاحٌ الآن.
لا يفيد القضايا العادلة، كالقضية الفلسطينية، الترويج لشائعات تدفع الآخر لرسم ابتسامة سخرية على فمه، مستهزئًا بهذا النضال الذي يعتمد على "شائعة سخيفة". إن الأب بيير هو إنسان حسّاس وملتزم بقضايا المشردين والفقراء. كما أنه مؤيد لحقوق الشعب الفلسطيني بصراحة وشجاعة. وأخيرًا، فهو أيضًا معتدٍ على النساء ومتحرّش ومغتصب. لا يوجد ما يمنع من اجتماع كل هذه الصفات وسواها لدى الانسان.
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها