الإثنين 2024/08/05

آخر تحديث: 22:01 (بيروت)

شبح الحرب لا يلوح للاقتصاد السوري

الإثنين 2024/08/05
شبح الحرب لا يلوح للاقتصاد السوري
في أحد أسواق دمشق القديمة (غيتي)
increase حجم الخط decrease
فيما تقبع المنطقة على صفيح ساخن، ترقباً لرد الفعل الإيراني على إسرائيل، بُعيد اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، اسماعيل هنية، في طهران، والقيادي في حزب الله، فؤاد شكر، في بيروت، وفيما يتم الحديث عن احتمالات انجرار المنطقة إلى حرب شاملة، ستنعكس، لو حدثت، على مجمل اقتصادات الشرق الأوسط، وفي مقدمتها الدول المعنية فيها، ومن بينها سوريا، كان وزير السياحة في حكومة النظام، يصرّح لصحيفة "الوطن" المقرّبة من السلطات، أن أرقام السياحة في سوريا، تتطور، وأن لديه تفاؤلاً بـ"القدوم العربي".

وكي لا نظلم الوزير الذي يتحدث عن السياحة في وقت مشحون بسيناريوهات الحرب، نشير إلى أن هذا الانفصال عن واقع المنطقة، لا ينحصر في تصريحات وأداء المسؤولين الاقتصاديين في حكومة النظام، بل يتجلى أيضاً في مؤشرات الاقتصاد السوري ذاته. فعلى غرار ما حدث خلال الأسبوعين اللذين فصلا بين استهداف إسرائيل للقنصلية الإيرانية في دمشق، في مطلع نيسان/أبريل الفائت، عندما قُتل قادة في فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، وبين تاريخ الرد الإيراني بمسيّرات وصواريخ استهدفت إسرائيل مباشرةً، في 14 نيسان/أبريل، لم يُبدِ الاقتصاد السوري أي مؤشرات ارتباك من تلك التي من الطبيعي أن تبديها اقتصادات الدول حينما يلوح لها شبح الحرب. فلم يتغيّر سعر الصرف، ولم تتحرك أسعار السلع خلافاً للمعتاد.

كذلك يحدث اليوم. وحتى ساعة كتابة هذه السطور. فسعر الصرف مستقر منذ أسبوعين، ولم يطرأ عليه أي تحرك، ولو هامشي. ولم تسجّل أسعار السلع الأساسية أي تغيرات تعبّر عن إجراءات تحوُّط من جانب التجار.

وفيما خسرت العملة الإيرانية نحو 7% من قيمتها، منذ الأربعاء الفائت، والتقط متخصصون مؤشرات ازدياد في الطلب على الدولار الأميركي في سوق الصرف اللبنانية، يُبدي الاقتصاد السوري "بلادة" ملفتة حيال المشهد الضبابي، أمنياً وسياسياً، في عموم المنطقة. ولا يمكن تبرير هذه "البلادة" بأن احتمال الحرب يعني إيران ولبنان بصورة أساسية. فرغم المعلومات التي تشير إلى نيّة النظام السوري تجنب التورط في رد الفعل الإيراني المرتقب، إلا أنه من المعلوم أن سوريا ليست خاضعة لسيطرة النظام الكاملة.

والانتشار الواسع والكثيف للميليشيات الإيرانية ولمقاتلي حزب الله، في عموم الجغرافيا السورية، يجعل احتمال خروج الأمور عن السيطرة، والاتجاه إلى حرب شاملة، شأناً يخص سوريا أيضاً، كما يخص إيران ولبنان، والعراق، وربما اليمن. وإن كان الرهان على تحييد سوريا، هذه المرة، يمكن تقبله، فكيف يمكن فهم عدم إبداء الاقتصاد السوري أي مؤشرات ارتباك، في الفترة التي فصلت بين استهداف القنصلية الإيرانية في دمشق، وبين الرد الإيراني عليها، قبل ثلاثة أشهر؟

قد يتضح الجواب إن قارنّا بين تفاعل الاقتصاد السوري إزاء ما حدث في نيسان/أبريل الفائت، وما يحدث اليوم، وبين تفاعله بُعيد هجوم حماس على مستوطنات غلاف غزة، في 7 تشرين الأول/أكتوبر الفائت. فبعد أسبوعين من ذاك الهجوم، كان يمكن تلمس مؤشرات ارتباك جليّة في الاقتصاد السوري. إذ ارتفعت أسعار السلع الرئيسية، بما فيها أصناف الخضار والفواكه. حتى أصبح السوريون يسخرون من أن ربطة البقدونس في أسواق دمشق قفزت إلى الضعف على وقع الحرب على غزة والتوتر الإيراني–الأميركي في شرق سوريا.

وإن كان السوريون لم يبدوا يومها أي علامات هلع، من قبيل الاندفاع لتخزين مواد غذائية أو أدوية، ولم يشهد النشاط الاقتصادي أي خضات نوعية، رغم المخاوف الجدّية حينها من انجرار سوريا إلى صراع إقليمي واسع، إلا أنه كان يمكن تلمس آثار اقتصادية واضحة لهذا التوتر الإقليمي. فقد تضررت إيرادات السياحة الدينية العراقية إلى البلاد، مع تعليق رحلات "زوّار المراقد" من جانب إيران. وارتفعت أسعار الوقود على وقع الارتفاع العالمي الناجم عن تصاعد التوتر في المنطقة. والأبرز، كان تراجع سعر صرف الليرة السورية بنحو 7%.

وإن كان الأثر محدوداً، جراء ضعف الاقتصاد السوري أساساً، إلا أنه كان هناك أثر يمكن قياسه بشكل واضح. فلماذا تأثر الاقتصاد السوري بُعيد هجوم 7 تشرين الأول/أكتوبر، فيما لم يبد أي مؤشرات تأثّر بعيد قصف القنصلية الإيرانية، وكذلك اليوم؟

يمكن تفسير ذلك، من جانبين. الأول، أن الفاعلين الاقتصاديين في سوريا (تجار، صناعيين..)، والذين عادةً ما ينعكس تحوّطهم من المخاطر الأمنية، ارتفاعاً في الأسعار وتراجعاً في سعر الصرف، مطمئنون بنسبة كبيرة إلى أن أية مواجهة إقليمية لن تستهدف مرافق مرتبطة بالنشاط الاقتصادي في سوريا، وستنحصر ارتداداتها في استهداف مواقع ومنشآت أمنية وعسكرية مرتبطة بالإيرانيين وحزب الله، الأمر الذي لن يشكّل جديداً، يهدد النشاط الاقتصادي في البلاد. أما الجانب الثاني، فهو أن السوريين، وبعد نحو 10 أشهر من هجوم حماس في 7 تشرين الأول/أكتوبر الفائت، باتوا مقتنعين بأن رد فعل إيران وحلفائها، يكون دائماً منسقاً ومضبوطاً تحت سقوف لا تؤدي إلى حرب شاملة خارجة عن السيطرة.

وبناءً على هذه القراءة النفسية، يسير الحراك الاقتصادي -المحدود أساساً- في سوريا، بوتيرته المعتادة، وكأن شيئاً لا يدور حوله. فشبح الحرب الشاملة، لا يلوح أمام أنظار المؤثرين فيه.


increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها