الأحد 2024/09/08

آخر تحديث: 01:08 (بيروت)

في نظرية "التمويل الإماراتي" للأسد

الأحد 2024/09/08
في نظرية "التمويل الإماراتي" للأسد
الرئيس الإماراتي محمد بن زايد، مستضيفاً الرئيس السوري بشار الأسد في أبوظبي (19 آذار 2023 - غيتي)
increase حجم الخط decrease
قبل نحو أسبوعين، عنوَن الخبير الاقتصادي السوري، كرم شعار، تدوينة له في فايسبوك، بعبارة "آلية تمويل الإمارات لبشار الأسد". ولفت إلى أنه بعد زيارة وزير الخارجية الإماراتي لدمشق العام 2021، أُعلنت نيّة الإمارات بناء محطة طاقة شمسية بقدرة 300 ميغاواط قرب دمشق. وفي حزيران/يونيو 2024، صرّح رئيس الوزراء السوري حسين عرنوس، بأن شركة "إنفنيتي سكاي لايت"، حصلت على تكليف بإعادة تأهيل أكبر محطة طاقة في سوريا، وتم توقيع مذكرة تفاهم معها لإنشاء محطة طاقة شمسية، بقدرة 300 ميغاواط قرب دمشق. واستنتج شعار، بأن ذلك يعني أن "إنفنيتي سكاي لايت"، هي الشركة ذاتها التي ستنفّذ المشروع الممول من الإمارات، وهي الشركة التي أصبحت شريكاً للقطاع العام في استثمار محطة دير علي الكهربائية. ووفق شعار، فإن المالك الحقيقي لشركة "إنفنيتي سكاي لايت"، هو "ببساطة، بشار الأسد"، متسائلاً: هل سينفّذ المشروع؟، ومشيراً إلى أنه سيتناول صفقات بشار الأسد في تقرير لاحق، مع الأكاديمي الأميريكي، ستيفن هايدمان، صاحب كتاب "التسلُّطيَّة في سوريَّة، صراع المجتمع والدولة".

أشباح
ترقّبنا التقرير الذي أشار إليه كرم شعار. وبالفعل، نشر معهد بروكينغز، نهاية الشهر الفائت، بحثاً بعنوان "السلطوية الشبكية والمرونة الاقتصادية في سوريا"، والذي استعرض بصورة ملفتة، تلك التغييرات التي أدارها بشار الأسد منذ العام 2020، في الشبكات الاقتصادية غير الرسمية، بصورة تعزّز قبضته على الاقتصاد السياسي للبلاد. وأوضح البحث، أن الأسد، وبعد تجربته مع ابن خاله، رامي مخلوف الذي قاوم تسليم الأصول له، عمل على تأسيس شبكات أعمال جديدة، مختلفة عن تلك التقليدية التي كانت تستند إلى رجال أعمال مقرّبين تراجعت ثقة النظام في ولائهم المُطلق له. وفي حالة الشبكات الجديدة، فإن الأسماء التي تديرها، أشبه بـ"أشباح" بالنسبة للسوريين، واجهات لا تملك أي شيء. وعبر شبكات الأعمال الجديدة، يستفيد بشار الأسد بصورة مباشرة من خصخصة الأصول العامة والاستيلاء على إيرادات الدولة، بصورة تزيد من تآكل الفروق بين الميزانية العامة للدولة، وبين الميزانية الشخصية الخاصة بآل الأسد. ومن بين الشبكات التي تناولها البحث، وردت الإشارة إلى شركة "إنفنيتي سكاي لايت"، التي وقّعت مذكرة تفاهم مع وزارة الكهرباء لصيانة وإعادة تأهيل محطة بانياس الحرارية للطاقة، وحصلت أيضاً على عقد لتشغيل محطة دير علي للطاقة قرب دمشق. وهي الشركة المملوكة –نظرياً- للأشخاص أنفسهم الذين يملكون –نظرياً أيضاً- شركة "إيلوما" التي استولت مؤخراً على الخطوط الجوية السورية في عقد استثمار مجحف بحق "الدولة السورية" (نشرت "المدن" مقالة خاصة عنها). لكن التفاصيل التي أوردها بحث معهد "بروكينغز"، لم تتضمن أي إشارة لتمويل الإمارات لشركة "إنفنيتي سكاي لايت"، أو لأيٍّ من شركات الواجهة التي أسسها بشار الأسد في السنوات الأربع الأخيرة.

وبالعودة إلى منصة "مَن هم"، التي تقدّم دليلاً للشركات والشخصيات في قطاع الأعمال العربي، نجد أن شركة "إنفنيتي سكاي لايت" مملوكة لثلاثة أشخاص، هم علي نجيب إبراهيم، ورزان نزار حميرة، وراميا حمدان ديب. وهم شركاء أيضاً في شركة "إيلوما". وكان الاتحاد الأوروبي قد أشار إلى علي نجيب إبراهيم، بوصفه أحد الفاعلين في تأسيس شركات وهمية تعمل كواجهة للأنشطة التجارية والاستثمارية العائدة فعلياً إلى بشار الأسد وزوجته، وذلك في معرض فرضه حزمة عقوبات جديدة على مسؤولين ورجال أعمال مقرّبين من رأس هرم النظام السوري، في كانون الثاني/يناير من العام الجاري. لكننا لم نجد أي معطيات مؤكدة، تدل على تمويل الإمارات لشركة "إنفنيتي سكاي لايت". كما لا يوجد ما يدل على دقة الربط بينها وبين مشروع محطة الطاقة الكهرضوئية في ريف دمشق، الذي أُعلن عن تمويل إماراتي له، قبل ثلاث سنوات.

وكان موقع "أثر برس" المقرّب من النظام، قد تحدث، في شباط/فبراير الفائت، عن "توجّه" لسحب مشروع إماراتي لإنشاء محطة توليد كهرضوئية في ريف دمشق. وهو المشروع الذي وُقّع مع شركة "إنترناشونال إنيرجي إنفستمنت" الإماراتية، في 11 تشرين الثاني/نوفمبر 2021، بعد يومين من الزيارة الأولى لوزير خارجية الإمارات، عبد الله بن زايد آل نهيان، إلى دمشق. وهي الزيارة التي عُدّت يومها، انعطافةً نوعية في مسار الانفتاح الإماراتي على الأسد، والذي بدأ بإعادة فتح السفارة في 2018. ووفق "أثر برس"، فإن المشروع الذي كان من المزمع له أن يُنتج 300 ميغاواط من الطاقة الكهربائية، تعرقل وخرج عن المسار المخطط له زمنياً. وهو ما يضعف معقولية الربط الذي أجراه كرم شعار، بين شركة "إنفنيتي سكاي لايت"، وبين التمويل الإماراتي المزعوم لبشار الأسد.

إيران
الملفت، أن إشارة الخبير الاقتصادي السوري إلى "تمويل إماراتي" لبشار الأسد، تزامنت مع حديث صحيفة إيرانية معروفة بتوجهاتها الإصلاحية، عن تنافس داخلي متصاعد بين التيارات الاقتصادية الحاكمة في سوريا، تنخرط فيه الإمارات. ووفق صحيفة "آرمان إمروز"، فإن تحولات جوهرية حدثت في توازن القوى داخل تركيبة النظام السوري، بين تيار مقرّب من إيران، وآخر مقرّب من الإمارات. والملفت أكثر، أن الصحيفة الإيرانية صنّفت آل مخلوف، على أنهم من المقرّبين إلى إيران، وهم الذين يمثّل تراجع نفوذهم مؤشراً على تراجع النفوذ الإيراني، فيما صنّفت الصحيفة، آل الأخرس –عائلة زوجة بشار الأسد- على أنهم من التيار المقرّب من الإمارات، وهم الذين ازدادت سطوتهم مؤخراً. ووفق ترجمة لموقع "تلفزيون سوريا"، قالت الصحيفة الإيرانية، أن فراس الأخرس-شقيق أسماء الأسد، وناجي عطري-رئيس وزراء سوريا الأسبق، مقرّبان من حكومة الإمارات.

لكن تحقيقاً استقصائياً دولياً، حمل اسم "مفاتيح دبي"، قدّم أدلة تناقض القراءة سابقة الذِّكر التي أوردتها الصحافة الإيرانية. ويكشف التحقيق الذي نُشر قبل بضعة أشهر، أن رامي مخلوف وشقيقه إيهاب مخلوف، ورجلَي الأعمال سامر فوز وعامر فوز، إلى جانب رانيا الدباس، زوجة رجل الأعمال محمد حمشو، كلهم نقلوا جانباً من ثرواتهم إلى دبي بالإمارات، عبر شراء عقارات فاخرة هناك. ومنذ نهاية العام 2020، تواترت أخبار تؤكد أن عائلة رامي مخلوف –باستثنائه- استقرت في الإمارات، وقد ظهر نجله علي، في صور يستعرض فيها حياته الباذخة في دبي. وهو ما يُضعف نظرية الصحيفة الإيرانية التي وصفت آل مخلوف بالمقرّبين من إيران. ناهيك عن المعلومات التي نشرتها صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية –قبل خمس سنوات- عن استثمارات آل مخلوف العقارية في موسكو. فيما لا تتوافر أي معلومات عن استثمارات لآل مخلوف في إيران. في المقابل، فإن رجل الأعمال حمشو، المقرّب من ماهر الأسد، يعد من أبرز رجال الأعمال الذين نقلوا جانباً من ثرواتهم إلى دبي.

ولا يدلل نقل ثروات مقرّبين من العائلة الحاكمة في سوريا، إلى دبي، على "تمويل إماراتي" خاص مقدّم لبشار الأسد. فسياسة إمارة دبي بالانفتاح أمام رؤوس الأموال المثيرة للجدل، ليست جديدة. وفي الحالة السورية، حتى حينما كانت الإمارات –رسمياً- جزءاً من الجهود المناوئة للنظام بُعيد ثورة العام 2011، كان رجال أعمال مقرّبون من الأسد ينشطون في دبي. وأبعد من ذلك، فإن رؤوس الأموال الإيرانية ذاتها، تنشط في دبي منذ أكثر من عقد. وهناك أرقام شبه رسمية تتحدث عن 8 آلاف رجل أعمال إيراني ينشطون في الساحة الإماراتية عبر نحو 6 آلاف شركة مسجّلة هناك. ناهيك عن رؤوس الأموال الروسية التي اتجهت نحو الإمارات عقب العقوبات الغربية بعد الغزو الروسي لأوكرانيا العام 2022.

انفتاح
ورغم أن الانفتاح السياسي الإماراتي على نظام بشار الأسد، تقدّم بصورة مضطردة، وصولاً إلى تعيين سفير مفوّض وفوق العادة للإمارات في دمشق، نهاية كانون الثاني/يناير الفائت، فإن مسار الدعم الاقتصادي الإماراتي الأهم بالنسبة للنظام، شهد في المقابل وعوداً، أعقبها ركود، وترقب انتهى إلى مؤشرات إحباط متبادلة، ترجع أساساً إلى أن بعض الدول العربية المنفتحة على التطبيع مع الأسد، لم تحصل على ما كانت تنتظره منه. ورغم ذلك، ما زال هناك شيء من الرهان على تحقيق اختراق في علاقة الأسد المتينة بإيران. لكن هذا الرهان لم ينعكس بعد في ترجمات استثمارية أو تمويلية ضخمة، يمكن التدليل عليها. فهي مجرد تكهنات، وربط غير موثّق بأدلة.

ولفهم وجهة النظر الإماراتية، بهذا الصدد، قد يكون من المفيد العودة إلى تحليل نشره مركز الإمارات للسياسات بأبوظبي، نهاية كانون الثاني/يناير الفائت، بعنوان "الاستحواذ عبر الضغط: توسُّع النفوذ الاقتصادي الإيراني في سورية". إذ يشير التحليل إلى أن النفوذ الإيراني المتصاعد في سوريا سيضعف فعالية أي انفتاح عربي على دمشق، خصوصاً في المجال الاقتصادي. ويورد التحليل خلاصة ملفتة تقول إن "أي انفتاح اقتصادي عربي مع سورية سيدعم أسهم إيران وستعود أرباحه على الخزينة الإيرانية بالدرجة الأولى، كما ستتمكن إيران من توجيهه إلى القطاعات التي ترغب في تنشيطها ولصالح الطبقة التي تدعمها في سورية". وهو ما يفسّر ما يمكن وصفه بانكفاء إماراتي عن دراسة فرص الاستثمار في سوريا. وهي خلاصة تناقض تماماً وجهة النظر التي تقول بوجود "تمويل إماراتي" خاص لبشار الأسد. فالإمارات، إن لم تضمن جدوى سياسية واستثمارية من تمويلها، فلن تُقدم عليه. وهو ما لا يتوافر حتى الآن، في حالة نظام بشار الأسد، جراء الاختراق الإيراني الكبير لتركيبته.

 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها