الإثنين 2024/08/19

آخر تحديث: 15:39 (بيروت)

الخطوط السورية في قبضة "إيلوما" الغامضة

الإثنين 2024/08/19
الخطوط السورية في قبضة "إيلوما" الغامضة
increase حجم الخط decrease
أخيراً، وصل مشروع استثمار الخطوط الجوية السورية، لصالح شركة خاصة مجهولة النسب، إلى خاتمته الأخيرة، بتوقيع عقدٍ يمتد 20 عاماً. هذا المشروع كان قد بدأ منذ سنة ونيف تقريباً، مع تصديق وزارة التجارة الداخلية على النظام الأساسي لشركة "إيلوما للاستثمار المساهمة المغفلة الخاصة". ومن ثم تطور المشروع بهدوء، قبل أن تحدث ضجة كبيرة حول تفاصيله، مطلع صيف العام الفائت، حينما جرى الحديث عن تقديم شركة "إيلوما" خطة لاستثمار مؤسسة الخطوط الجوية السورية. وقبل نحو أسبوع، خرج مدير المؤسسة السورية للطيران، عبر وكالة "سبوتنيك" الروسية، ليؤكد توقيع العقد مع الشركة المشار إليها، بقيمة استثمار تصل إلى 370 مليون دولار أميركي.

وكما حدث منذ سنة، تكرر الجدل حول شركة "إيلوما"، خصوصاً أن التفاصيل المنشورة عنها في الجريدة الرسمية العام 2023، تشير إلى أن ملكيتها تعود لثلاثة أشخاص غير معروفين في قطاع الأعمال السوري، أعمارهم صغيرة (بين الثلاثينات ومطلع الأربعينات)، مما طرح إشارات استفهام حول قدرتهم على ضخ 370 مليون دولار في استثمار الخطوط السورية، ومن أين امتلك كل منهم نحو 120 مليون دولار، في شراكة مقسمة بينهم بنسب متقاربة (الثلث لكل منهم)؟!

ثلاثة أسماء
وقد بُذلت جهود استقصائية لتتبع خلفية الأسماء الثلاثة التي تحمل الجنسية السورية. فقاد اسمان منها، إلى رجل الأعمال، علي نجيب إبراهيم. ووفق منصة "من هم"، التي تقدّم دليلاً للشركات والشخصيات في قطاع الأعمال العربي، نجد الاسم الأول ضمن مؤسسي "إيلوما"، وهي، راما حمدان ديب، شريكة مؤسِّسة مع علي نجيب إبراهيم، في 7 شركات، مناصفةً، (الشركات هي: أثر، ثلج، كريستال، لوما، روز ماونتن، فليم، سول). وشريكة معه أيضاً بنسبة الثلث في شركة "إنفنيتي سكاي لايت". كذلك الاسم الثاني، رزان نزار حميرة، فهي شريكة مؤسِّسة بنسبة الثلث في الشركة نفسها، وتجتمع مع علي نجيب إبراهيم، في شراكة "البنان"، و"فريدوم". فمن هو علي نجيب إبراهيم؟

في كانون الثاني/يناير الماضي، فرض الاتحاد الأوروبي حزمة جديدة من العقوبات على مسؤولين ورجال أعمال مقرّبين من رأس النظام السوري. وبين الأسماء المعاقَبة، يسار إبراهيم، الذي كان يُوصف بالمستشار الاقتصادي لبشار الأسد، وعضو "المجلس الاقتصادي" الذي تديره زوجته، أسماء الأسد، وفق جريدة الاتحاد الأوروبي. وقد أشارت الجريدة يومها، إلى أن يسار إبراهيم يدير مع علي نجيب إبراهيم عدداً من الشركات الوهمية التي تعمل كواجهة للأنشطة التجارية والاستثمارية العائدة فعلياً إلى بشار الأسد وزوجته.

في أيار/مايو الفائت، تم تداول تسريبات تفيد بتعرّض يسار إبراهيم لعملية تسميم معقّدة، جعلته عاجزاً عن العمل. وتلا تلك التسريبات بأيام قليلة، إعلان "الرئاسة السورية" إصابة أسماء الأسد بالسرطان وإبعادها من الواجهة. وبعد شهر ونيف، تعرّضت لونا الشبل، أبرز أعضاء الدائرة الضيقة المقرّبة من الأسد وزوجته، لحادث سير مُريب، أدى إلى مقتلها.

ما سبق يطرح تساؤلات حول مآلات دور "المجلس الاقتصادي السرّي" في "القصر الجمهوري"، وفق وصف صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية قبل أكثر من سنة. وبغض النظر عن مآلات شخصيات هذا المجلس، فمن المؤكد، أن الأسد، لن يتخلى عن استراتيجية التحكم في اقتصاد البلاد ومواردها المحدودة، بصورة تدعم استمرارية حكمه، مما يدفعنا لترجيح أن بعض شخصيات "المجلس الاقتصادي"، حلت مكانها شخصيات بديلة، فيما بقيت أسماء أخرى تؤدي الدور المطلوب منها. وهو تحليل يدعمه استمرار شركة "إيلوما" المرتبطة بصورة جلية بشخص محسوب على "القصر الجمهوري" (علي نجيب إبراهيم)، بكل سلاسة، وصولاً إلى توقيع عقدٍ مجحف بحق "الدولة" السورية، مع مؤسسة حكومية (السورية للطيران).

أما بالنسبة للاسم الثالث المؤسس لشركة "إيلوما"، علي محمد ديب، فيقودنا البحث في منصة "من هم"، إلى أنه شريك مؤسس في شركة "مفردات"، بنسبة صغيرة للغاية (0.002%). والملفت، أن هذه الشركة بدورها، شريكة مؤسسة في شركة "العقيلة العقارية"، بنسبة 15%. والشركة الأخيرة، تضم مساهمين عديدين، معظمهم مقرّب من إيران. أبرزهم، رجل الأعمال الكويتي (الشيعي)، المجنّس سورياً، عبد الحميد دشتي. ورجل الأعمال، فهد درويش، الذي تقول مصادر إنه يحمل الجنسية الإيرانية، وسبق أن ترأس الغرفة التجارية السورية الإيرانية. ورجل الأعمال، مصان نحاس، الذي يحتل في الوقت الراهن، موقع أمين سر الغرفة التجارية السورية الإيرانية.

استهتار بعقول السوريين
لكن إن ابتعدنا قليلاً عن أسماء مؤسسي شركة "إيلوما"، وارتباطاتهم بالقصر الجمهوري وإيران، فإن أكثر ما يلفتنا في قصة الاستثمار هذه، هو كم الاستهتار بعقول السوريين في الخطاب الحكومي الذي يبرر هذا القرار. إذ وفق تصريحات لمدير المؤسسة السورية للطيران، فإن المؤسسة تسعى إلى اقتناء طائرات ركاب روسية من طراز "أم إس"، تجنباً للعقوبات الغربية. ويصل سعر هذا الصنف من الطائرات الروسية، إلى نحو 70 مليون دولار للطائرة الواحدة. وبما أن هناك طائرتين تعملان الآن فقط، فإن هدف رفع عدد طائرات الأسطول الجوي السوري إلى 20 طائرة، وفق بنود العقد المعلن عنها رسمياً، مع "إيلوما"، يكلّف أكثر من مليار دولار، فيما قيمة العقد الإجمالية هي 370 مليون دولار فقط. مع الإشارة إلى أن العقد يتضمن أيضاً، وعوداً أخرى من جانب الشركة المستثمرة، كتحسين رواتب الموظفين، وبناء هنغارات ومعدات لوجستية أرضية، وتطوير الخدمات داخل الطائرات. ومقابل هذا الاستثمار، ستحصل حكومة النظام على 25% من الإيرادات الكلية وليس الأرباح، على أن تزيد هذه النسبة في النصف الثاني من الاستثمار إلى 37.5%.

وهنا ننوه بتحليل نشره موقع "قاسيون" التابع لـ"حزب الإرادة الشعبية" بقيادة النائب السابق لرئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية، قدري جميل، والمقرّب من موسكو. التحليل الذي نُشر مطلع صيف 2023، أشار إلى معطيات رسمية تكشف أن تقديرات أرباح الخطوط الجوية السورية في العام 2021، بلغت حوالى 129 مليون دولار، من عمليات النقل داخل سوريا فقط. أي أن الحكومة قايضت أرباحاً سنوية، تقارب الـ130 مليون دولار، مقابل 18.5 مليون دولار كاستثمار سنوي من "إيلوما". وإذا افترضنا أن الـ130 مليون دولار تلك، هي وسطي الأرباح السنوي، فالشركة المستثمرة ستحصل على أكثر من 90 مليون دولار منها، سنوياً، مقابل الـ18.5 مليون دولار التي ستضخها، وفق تفاصيل العقد المعلنة.

أما أبرز ملامح الاستهتار بعقول السوريين، فيتمثّل في الحديث عن عجز الإدارة الحكومية للخطوط السورية عن شحن قطع تبديل طائرات الأسطول السوري، وتوفير الوقود للطائرات، جراء العقوبات الغربية. وهنا السؤال: ما الذي سيتغيّر مع "إيلوما"؟ فالشركة معاقبة أوروبياً منذ مطلع العام الجاري. أي أن الآثار "السلبية" للعقوبات، ستسري عليها، كما تسري على الإدارة الحكومية للخطوط السورية. وإن كان الحل باللجوء إلى روسيا، بهذا الصدد (شراء طائرات روسية)، فلماذا تتخلى "الدولة" عن استثمار خطوطها الرسمية، لصالح شركة خاصة، بدلاً من أن تقوم هي بنفسها بعملية اللجوء لروسيا؟! فلو احتسبنا أرباح السورية للطيران، وفق تقديرات العام 2021، على مدار 20 عاماً مقبلة، فهي ستتجاوز الـ2.4 مليار دولار. فيما "إيلوما"، ستضخ 370 مليون دولار فقط. والملفت أكثر، أن مدير المؤسسة السورية للطيران، أعلن عقد الاستثمار هذا، عبر وكالة أنباء روسية!

هكذا يتم الاستيلاء على مورد آخر جديد من موارد خزينة "الدولة" السورية، لصالح ثلة من واجهات العائلة الحاكمة، الذين تربطهم صلات مع ممثِلي النفوذ الإيراني في البلاد، وبصورة تفيد المصالح الروسية. ولم يبذل هؤلاء جهداً كبيراً لإخفاء صلاتهم وخلفياتهم، إذ تبقى متاحة لجهود البحث المحدودة. فرهان النظام أن الشارع السوري لن تقوم له قائمة بعد اليوم. ويمكن له، بكل أريحية، أن يمرر كل القرارات مهما كانت وقحة ومؤلمة للسوريين.


increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها