الإثنين 2024/07/29

آخر تحديث: 16:12 (بيروت)

قمح السوريين في ذمة المناخ!

الإثنين 2024/07/29
قمح السوريين في ذمة المناخ!
متطوعة في قوات حماية المجتمع الكردية، تحرس القمح من الحرائق والنهب في القحطانية-الحسكة (غيتي)
increase حجم الخط decrease
تضافرت تأثيرات المناخ مع أداء سلطات الأمر الواقع لتوجّه ضربة جديدة لزراعة القمح وجدواها في نظر الفلاح السوري.

وقد تجلت الفائدة التبريرية للمناخ، في بيان وزارة الزراعة بمناطق سيطرة النظام السوري، والتي أرجعت انخفاض الكميات المسوّقة من القمح، إلى تراجع الإنتاج جراء انحباس المطر -في شهر نيسان/أبريل الفائت- بوقت احتياج المحصول، وارتفاع درجات الحرارة حينها، مما أثّر سلباً في الإنتاجية. وقد استخدمت "الإدارة الذاتية" التابعة لـ"قوات سورية الديموقراطية" في شمال شرقي سوريا، الأداة التبريرية نفسها، وفق تصريح لرئيس مكتب الشؤون الزراعية في الإدارة، الذي قال إن أهم أسباب انخفاض الإنتاج من القمح، هو الظروف المناخية.

وبالفعل، يقرّ مهندسون زراعيون أن مردودية دونم القمح لهذا العام، كانت الأقل منذ سنوات، مما يؤشر إلى تأثير التغيرات المناخية. وكما هو معلوم، فجانب من محصول القمح في سوريا، يُزرع بعلاً، ويتأثر بشدة، بالظروف المناخية. ووفق المعطيات المتوافرة، فإن إنتاج الدونم الواحد من القمح للموسم الحالي لم يتجاوز الـ250 كيلو كحد أقصى، فيما كان يصل إلى 350 كيلو، في الموسم السابق.

أي أن الكلفة النهائية لزراعة الكيلو الواحد من القمح، ارتفعت هذا الموسم، لتصبح أعلى من سعر الشراء الرسمي المحدد من النظام ومن الإدارة الذاتية بشمال شرقي سوريا، وبصورة تجعل الفلاح خاسراً بامتياز، إن كانت زراعته مروية. وربما ينجو بتعادلٍ مع الكلفة، أو بأرباح محدودة، إن كانت زراعته بعلية. ووفق أرقام تعود لتشرين الثاني/نوفمبر الفائت، فإن كلفة زارعة الدونم الواحد من القمح تتجاوز 1.5 مليون ليرة سورية، وفق ما نقلت وسائل إعلام موالية عن فلاحين، حينها. وإن أهملنا فارق تضخم، لا بد أنه طرأ على التكاليف، في الأشهر السبعة الفائتة، فإن تكلفة إنتاج الكيلو الواحد من القمح لا تقل عن 6000 ليرة. فيما سعر الشراء الرسمي المحدد من حكومة النظام، 5500 ليرة. أي أن الفلاح –في الزراعة المروية- سيخسر على الأرجح، 500 ليرة، في الكيلو الواحد. أما في مناطق سيطرة "قسد"، التي حددت إدارتها سعر الشراء بـ31 سنتاً أميركياً للكيلو الواحد (أي نحو 4600 ليرة سورية)، فسيخسر الفلاح نحو 1400 ليرة في الكيلو الواحد.

وهو ما يفسّر انخفاض كميات القمح المسوّقة للجهات المعنية، في مناطق سيطرة النظام، وفي مناطق سيطرة "قسد"، أيضاً. ففي الأولى، استلمت حكومة النظام حتى الآن، نحو 700 ألف طن قمح. وهي كمية أقل من تلك المسوّقة، العام الماضي، والتي وصلت إلى 760 ألف طن. فيما استلمت "الإدارة الذاتية" في مناطق سيطرة "قسد"، 766 ألف طن من القمح، فقط، مقارنة بـ 1.3 مليون طن، استلمتها العام الفائت.

التذرع بالمناخ وانحباس المطر، من جانب سلطات "قسد" والنظام، جدير بكثير من التأمل. فقد حددت "الإدارة الذاتية" التابعة لـ"قسد"، سعراً منخفضاً لشراء كيلو القمح، تسبب بتظاهرات من جانب الفلاحين في عدد من المدن، ردّت عليها "قسد" بحملة اعتقالات. وهنا يبدو تذرع "قسد" بالمناخ، غير مفهوم، إذ من المعروف للجميع، على مدار الأسابيع الفائتة، أن مجتمع الفلاحين في شمال شرقي سوريا، مستاء للغاية من التسعيرة التي حددتها "قسد" للقمح.

ورغم أن "قسد"، وللمرة الأولى منذ سنوات، تحدد سعر شراء للقمح، أقل منه في مناطق سيطرة النظام، لم تنجح هذه الأخيرة في استجرار قمح شمال شرقي سوريا إلى مخازنها، بل فشلت في تسوّق كامل إنتاج المناطق الخاضعة لسيطرتها، والذي يصل إلى نحو مليون طن. وتذرعت بأن الفلاحين يحتفظون بـ30% من إنتاجهم لاستخدامات البرغل والفريكة، وهو ما أثار سخرية معلّقين في وسائل التواصل الاجتماعي.

وما زاد الطين بلّة، من وجهة نظر الفلاحين، تأخّر سلطات النظام في تسليم مستحقات الكميات المسوّقة من القمح، وتقسيطها على دفعات أرهقت الفلاحين وأضرّت بهم. وذلك خلافاً لوعود مؤتمر الحبوب الذي عُقد في بداية موسم الحصاد الأخير، بأن صرف مستحقات القمح المُباع للجهات المعنية، سيكون نقداً ودفعة واحدة، خلال 48 ساعة. وحتى ساعة كتابة هذه السطور، هناك فلاحون لم يتسلموا مستحقاتهم كاملة. ويتذرع مسؤولو المصرف الزراعي بالتأخير الناجم عن ضعف السيولة النقدية المتاحة في المصرف المركزي.

وفيما دافع بيان وزارة الزراعة التابعة للنظام، بأنها كانت حريصة على توفير كامل احتياجات المحصول للفلاح من بذار وأسمدة ومحروقات، يرد خبراء زراعيون بأن الوزارة لم تكن على مستوى تصريحاتها بهذا الخصوص. كما يعلّق فلاحون عبر وسائل التواصل، بأنهم لم يحصلوا على مستحقاتهم من مادة المازوت اللازمة لعملية الري، أو أنهم حصلوا على جزء محدود منها، واضطروا لتسوّق الباقي من السوق السوداء بتكاليف باهظة.

وفيما كانت حكومة النظام حريصة على طمأنة السوريين، بأن لا خطر على استقرار إنتاج رغيف الخبز، إذ أن القمح المستورد يصل بالتواتر المطلوب إلى المخازن، لم تتطرق مطلقاً إلى مستقبل زراعة القمح المحلي في المواسم المقبلة، بعد الضربات الأخيرة التي تلقاها الفلاحون في هذا الموسم، وسط معطيات تؤكد أن فئة منهم ستنتقل بالفعل نحو زراعة محاصيل أخرى، تتمتع بجدوى اقتصادية أفضل. وهو ما يجعل مستقبل زراعة هذه السلعة الاستراتيجية في سوريا، محاطاً بالمزيد من المؤشرات السوداوية.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها