الأحد 2024/07/14

آخر تحديث: 11:47 (بيروت)

تغريبة جديدة لرأس المال السوري في تركيا

الأحد 2024/07/14
تغريبة جديدة لرأس المال السوري في تركيا
increase حجم الخط decrease

منذ مطلع الشهر الجاري، تكاثفت المؤشرات التي تفيد بتحرك شريحة واسعة من السوريين في تركيا، نحو هجرة جديدة، ووجهة جديدة، على وقع تصاعد العنصرية حيالهم في الشارع التركي، والتضييق من جانب السلطات الأمنية. وهي هجرة لا تخص السوريين من الفئات الأكثر ضعفاً،- بل هذه الفئات هي الأقل قدرة على النجاة بنفسها من تدهور أوضاعها على الأراضي التركية-، بل هي هجرة تخص القادرين على تكلّف أثمان التوجّه إلى بلدٍ جديد، مما يجعلهم من الشرائح المتوسطة والمقتدرة مالياً، وهو ما يحمل تداعياته على مجمل الاقتصاد التركي، نظراً لمساهمة هذه الشرائح، الإيجابية، في تعزيز نمو هذا الاقتصاد، خلال السنوات السابقة.


ويمكن التقاط مؤشرات حراك السوريين باتجاه مغادرة تركيا من المنشورات في المجموعات الخاصة بهم في "فيسبوك"، منذ مطلع الشهر الجاري. ويمكن ملاحظة ما يشير إلى أن جانباً كبيراً منهم، هم من المقتدرين مالياً، إذ لم تقتصر المنشورات على عروض بيع أثاث المنازل بداعي السفر، بل شملت عروضاً ببيع منازل وسيارات. كما وتؤكد مصادر عدة على أن مستثمرين سوريين يعملون للملمة شتات أوضاعهم، ومغادرة الأراضي التركية، في المستقبل القريب. خاصة مع خروج الكثير من تفاصيل رحلات الترحيل القسري التي تجريها السلطات الأمنية التركية بحق السوريين، إلى العلن. وهي تفاصيل تكشف عن مزاجية وتعسف كبير في اختيار المُرحلين، الذين يكونون بالمئات، غالبيتهم لا توجد أسباب قانونية مُبرّرة، لترحيلهم. من ذلك، وفق ما نشر تقرير لصحيفة "القدس العربي"، حالات ترحيل طاولت مستثمرين وتجاراً، بصورة عبثية. ووفق شهود عيان، فإن إحدى رحلات الترحيل تلك، ضمت صناعياً سورياً لديه معمل قائم بالفعل، ويحمل إقامة عمل، وآخر لديه شركة مرخصة قانونياً ويحمل إقامة عمل أيضاً.   


ما سبق يدفعنا لتوقّعٍ مرجح، مفاده أن رأس المال السوري الناشط في تركيا، سيكون باتجاه رحلة هجرة جديدة. نظراً لأن معظم استثمارات السوريين في تركيا هي من الحجم الصغير والمتوسط. مما يعطي أصحابها من الأقل قدرة على حماية أنفسهم من التعسّف المتفاقم في إجراءات السلطات التركية حيالهم، مقارنة بأصحاب الاستثمارات كبيرة الحجم. وفي دراسة مفصّلة عن مساهمة السوريين الاقتصادية في تركيا، نشرها مركز "حرمون للدراسات المعاصرة"، للدكتور في الاقتصاد، نبيل مرزوق، في شهر أيلول/سبتمبر الفائت، فإن الرقم الأكثر تداولاً بين المصادر التركية، أن حجم الاستثمارات السورية يصل إلى 10 مليارات دولار أمريكي. وهي تحتل المرتبة الأهم، من حيث الحجم الكلي، مقارنة بباقي الاستثمارات الأجنبية في تركيا. لكن، كما أشرنا، فإن معظم هذه الاستثمارات، صغيرة ومتوسطة، بنحو 100 ألف دولار. وبعضها بأقل من 50 ألف دولار، وتشمل الشركات الاستشارية وغيرها ممن رأسمالها المعرفة. أما الشريحة الأعلى، والأقل حجماً، فهي شركات يزيد رأسمالها على مليون دولار. وتتواجد شركات قابضة ببضعة ملايين من الدولارات.


تشير الدراسة المستندة بصورة أساسية لمصادر بحثية تركية، أن 55% من الشركات السورية في تركيا شاركت في الصادرات إلى بلدان المنطقة. وأن رجال الأعمال السوريين استطاعوا إدخال البضائع التركية إلى العديد من أسواق الشرق الأوسط بفضل علاقاتهم ومعرفتهم بتلك الأسواق. وقد اجتذبت المناطق الحدودية –الجنوب التركي- جانباً كبيراً من استثمارات السوريين، فأصبحت غازي عينتاب مركزاً مهماً لصناعة النسيج والأحذية جراء تمركز السوريين فيها. وأصبحت مرسين مركزاً تجارياً أساسياً لاستيراد وتصدير رجال الأعمال السوريين. وأُقيم في بورصة، واحد من أكبر مصانع النسيج في الشرق الأوسط المتخصصة في صناعة الأنسجة القطنية (شرباتي للمنسوجات القطنية). ناهيك عن عدد كبير من المنشآت السورية غير المرخصة، الناشطة بقوة في الحركة التجارية والإنتاجية والخدمية، في عدد من المدن التركية.


وتشير الدراسة إلى أن نجاحات السوريين الاستثمارية في تركيا، تحققت رغم صعوبات وعوائق، بعضها تعجيزي. من ذلك، تعقيدات الحصول على إذن سفر للتحرك داخل تركيا، وصعوبات الحصول على إذونات عمل للعمال في المنشآت السورية، والتي قد تتأخر لأشهر، ويأتي الكثير منها، للعمالة السورية تحديداً، مع الرفض، من دون تبرير الأسباب. إلى جانب مشاعر الخوف وعدم الأمان التي قيّدت رغبة المستثمرين السوريين في التوسع، خلال السنوات الأخيرة، جراء تصاعد العدائية حيالهم في الشارع التركي. والأبرز، اشتراط ألا تتجاوز نسبة العمالة السورية من نظيرتها التركية في المنشآت السورية المرخصة، الـ 10%. وهو شرط تعجيزي يفوق إمكانيات الشركات الصغيرة والمتوسطة، والتي تعمل في مجالات يملك السوريون فيها، خبرة أفضل من نظرائهم الأتراك. من دون أن ننسى القيود على حق التملك للسوريين في تركيا، والتي تتطلب التفافاً قانونياً معقّداً، لتجاوزها، عبر تأسيس شركة، تتمّلك العقار المُشترى. ورغم ذلك، استثمر كثيرون من السوريين في العقارات التركية.


ومع الهجرة المرتقبة لرأس المال السوري من تركيا، تبدو الإمارات، الوجهة الأكثر يُسراً وتفضيلاً، للكثيرين منهم. خاصة لأصحاب الملاءات المالية الجديرة بالتوجه لهذا البلد الخليجي. ووفق شهادات، تبدو عُمان، وجهة أخرى أيضاً. فيما يتراجع ترتيب مصر في قائمة الوجهات المحتملة، جراء الحملة الجارية الآن على إقامات السوريين، وتشديد شروطها وتعقيدها. ورغم ذلك، تبقى مصر قادرة على اجتذاب جانب كبير من رأس المال السوري النافر من تركيا، نظراً لأن السلطات عادةً ما توفّر التسهيلات للمستثمرين، مقابل تصعيب شروط إقامة الفئات الأكثر ضعفاً من السوريين، مؤخراً.


  

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها