الأحد 2024/06/09

آخر تحديث: 07:58 (بيروت)

حق الملكية كضحية لـ "التعافي المبكّر" في سوريا

الأحد 2024/06/09
حق الملكية كضحية لـ "التعافي المبكّر" في سوريا
increase حجم الخط decrease

منذ أن أعلنت الأمم المتحدة، في آذار/مارس الفائت، عن نيتها إطلاق "صندوق الثقة للتعافي المبكّر" في سوريا، صيف العام الجاري، والحديث عن مانحين خليجيين يعتزمون تمويله، حتى بات هذا الملف موضوعاً رئيسياً للبحث، من جانب نشطاء سوريين، خشية أن يؤدي إلى تحقيق انفراجة اقتصادية لصالح النظام، دون كلفة سياسية. وفي الوقت نفسه، لا يمكن إنكار الحاجة الملحة للانتقال بدعم السوريين من الاستجابة الإنسانية الطارئة إلى بناء قدرات ذاتية مستدامة للصمود والعيش. وهو ما يدفع للبحث في سبل ضبط هذا المسار، بصورة تحقق هدف هذا التدخل.


إحدى محاولات البحث في هذا المجال، دراسة صدرت مطلع العام الجاري، عن منظمة "اليوم التالي" –وهي منظمة سورية غير حكومية أُنشئت عام 2012، وتعمل على دعم الانتقال الديمقراطي في سوريا-. وحملت الدراسة عنوان: "أثر مشاريع التعافي المبكّر وإعادة الإعمار على حقوق السكن والأرض والملكية في سوريا". وتحذّر الدراسة من أن إهمال هذه الحقوق يؤدي إلى إقصاء الفئات المهمّشة والأكثر تضرراً. لذا من الضروري معرفة مستوى تضمين هذه الحقوق في مشاريع التعافي المبكّر وإعادة الإعمار في سوريا.


وحددت الدراسة سبعة أنواع من المشاريع تدخل ضمن إطار التعريف الإجرائي لمفهوم التعافي المبكّر وإعادة الإعمار في سوريا. ولتحديد أنواع هذه المشاريع، استأنست الدراسة بالمشاريع الممولة من قبل جهات دولية والمنفَّذة لصالح السوريين، وتشمل: تأهيل البنية التحتية، ترميم وإعادة بناء الأبنية السكنية المتضررة، بناء تجمعات سكنية جديدة، دعم الخدمات الصحية، دعم الخدمات التعليمية، دعم العمل الخاص وإيجاد فرص عمل، ومشاريع دعم التماسك الاجتماعي. 


وتوضح الدراسة أنه بعد فترات النزاع الطويلة، ووفق الأدبيات المتخصصة، فإن العديد من المساكن تُحرم من التأهيل والترميم لعدم قدرة أصحابها على إثبات ملكيتهم لها نتيجة ضياع الأوراق الثبوتية وانتقال الملكية خلال النزاع دون تسجيله أو أن تكون العملية معكوسة ويتم تأهيل مساكن يقطنها غير مالكيها، نتيجة عمليات النزوح والاستيلاء على الملكيات. مما يساهم في تعزيز حقوق السكن لمن لا حق لهم. وهي أمثلة تنطبق بكثافة على الحالة السورية منذ العام 2012. 


وعبر خلفية تاريخية لطريقة تعامل النظام مع حقوق الملكية والسكن، في عهد حافظ الأسد، والإشارة إلى تفعيل قانون الطوارئ، والمادة الرابعة منه، التي تتضمن قدرة الحاكم العرفي على إصدار الأوامر للاستيلاء على أي عقار، سواء كان مسجّلاً أو عشوائياً، توضح الدراسة كيف تحولت حقوق السكن والأرض والملكية في عهد الأسد الأب، إلى سلعة للتفاوض مع المجتمع والتحكم به، بما يخدم قدرته على البقاء في الحكم. وهو ما تكرر على نطاق أوسع، وأشد وطأة، بعد العام 2011. وفي هذا السياق، تفصّل الدراسة في ترسانة القوانين التي أصدرها، بشار الأسد، بعد الثورة، والتي تنتهك حقوق الملكية والأرض والسكن. ويمكن عدّ تسعة على الأقل من المراسيم والقوانين، التي تتيح لسلطات النظام إمكانية الاستيلاء على أملاك المهجّرين واللاجئين والمعارضين. ناهيك عن جملة قرارات إدارية، أبرزها، الحاجة للحصول على موافقة أمنية مسبقة لإتمام عمليات بيع العقارات والتوريث ونقل الملكية، واشتراط الحصول على موافقة أمنية مسبقة يخص إصدار الوكالة القضائية لإدارة أموال الغائب أو المفقود، مما يعني تقييد قدرة المهجّرين واللاجئين وحتى ذوي المفقودين والغائبين، في التصرف بأملاكهم وأملاك ذويهم، بيعاً أو استثماراً.


وتوصي الدراسة بضرورة لحظ حقوق الملكية والسكن والأرض أثناء تصميم وتنفيذ برامج التعافي المبكّر وإعادة الإعمار، كي لا تساهم بشكل مباشر أو غير مباشر في مأسسة انتهاكات النظام، -وباقي قوى الأمر الواقع في سوريا-. وفي هذا السياق، تورد الدراسة مثالاً لقدرة النظام على حرف مشاريع دعم دولية عن مسارها، بما يخدم مصالحه. ومن خلال مقابلة غير رسمية مع أحد الموظفين في منظمة دولية عاملة في مناطق سيطرة النظام، يوضّح الموظف أن النظام يتدخل في تحديد الخطط السنوية لمشاريع التعافي المبكّر، من خلال وزارتَي الخارجية والشؤون الاجتماعية والعمل، اللتين تفرضان طبيعة المشاريع ومناطق الاستهداف. 


وتقترح الدراسة جملة إجراءات للحد من قدرة النظام على التدخّل، من ذلك، تحديد مناطق الاستهداف لاحقاً، وفق الاحتياجات والتحقق من أوضاع الملكية. وتبني عملية التحقق من عدم انتهاك حقوق السكن والأرض والملكية كشرط أساسي للتمويل. وطلب المانحين من المنظمات الدولية أن يتشددوا أكثر في التفاوض مع الجهات الحكومية التابعة للنظام، بدلاً من الرضوخ المباشر لمطالبها، مستغلين حاجة النظام الملحة للتجاوب، جراء ضغط الأزمة المعيشية المفرط، في مناطق سيطرته. إلى جانب تقديم الدعم الفني والمالي لتدريب متخصصين سوريين على رصد انتهاكات حقوق الملكية، وأن تتم عمليات التدريب عبر الفضاء الافتراضي، لضمان أمان المتدربين.


وفي الختام، وإن كان لا بد من توسيع نطاق مشاريع "التعافي المبكّر" لتقترب من هامش "إعادة الإعمار"، للتخفيف من التدهور المعيشي غير المسبوق في مناطق سيطرة النظام، وباقي المناطق الأخرى، فإن ذلك  يجب ألا يعني، منح النظام القدرة على التحكم وتوجيه هذه المشاريع، بما يخدم المقرّبين منه، على حساب المتضررين فعلاً، لأن ذلك يعني التأسيس لانفجار مجتمعي جديد، في مدى زمني قريب، كما تتوقّع أكثر من دراسة متخصصة في مجال إدارة النزاعات. 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها