الأحد 2024/05/19

آخر تحديث: 08:04 (بيروت)

الطاقة الشمسية في سوريا:ضرائب ومغانم؟

الأحد 2024/05/19
الطاقة الشمسية في سوريا:ضرائب ومغانم؟
increase حجم الخط decrease

خلال الأسبوع الفائت، تفاعل قرار فرض "ضميمة" على ألواح الطاقة الشمسية المستوردة، بقيمة 25 دولاراً على كل لوح، ليشغل أوساط الصناعيين، ويتحوّل إلى حديث الإعلام الاقتصادي الموالي، وسط تلميحات وشائعات حول هوية المستفيد. 


وفي تبريرها للقرار، قالت حكومة النظام إنها تريد حماية الصناعة الوطنية، وتوطين بدائل للمستوردات، وتخفيف الضغط عن القطع الأجنبي، وتشجيع رأس المال للاستثمار في مجال إنتاج الألواح الشمسية، مما سيخلق فرص عمل جديدة. وألمحت إلى أنها اعتمدت مبدأ "الضميمة"، بوصفها ضريبة مرنة قابلة للتعديل في ضوء متابعتها لمدى تطور الصناعة المذكورة وجودتها وأسعارها. 


وأكد مسؤول بوزارة الصناعة، أن الضريبة لن تنعكس على الأسعار. لكن، وبمجرد الإعلان عن القرار، ارتفع سعر اللوح بما يعادل قيمة الضريبة (25 دولاراً، نحو 375 ألف ليرة)، وامتد ارتفاع الأسعار ليشمل كل مستلزمات الطاقة الشمسية. وعمّ الارتباك أجواء السوق، إذ أخفى تجارٌ بضائعهم، بانتظار التسعيرة الجديدة، وانخفض المعروض من الألواح والمستلزمات المرتبطة بها.


فيما شنّ الإعلام الموالي حملة انتقاد ضد الحكومة، متهماً إياها بإصدار قرارات واعتماد سياسات متناقضة. ففي ظل حالة التقنين الكهربائي القاسية (ست ساعات قطع مقابل نصف ساعة وصل فقط)، وفيما تحض الحكومة الناس والصناعيين والتجار على اللجوء لمنظومات الطاقة البديلة، جاء القرار بوقع الصدمة على الشارع والمعنيين. وبعد أن تم رفض مطالب الصناعيين بالنظر في أسعار الكهرباء الصناعية التي أرهقت القطاع الصناعي، وسط دعوات حكومية للصناعيين بالاتجاه نحو الطاقات البديلة، جاء قرار فرض "الضميمة" على ألواح الطاقة الشمسية، متزامناً مع وقف قروض الطاقة المتجددة من جانب المصرفين التجاري والتسليف الشعبي، في خطوة تتناقض مع السياسة المعلنة من جانب النظام. 


وكما حدث مع قضية أسعار الكهرباء الصناعية، طلب الصناعيون، عبر ممثليهم، إعادة النظر في قرار فرض "الضميمة" على ألواح الطاقة، أو حتى التريث بفرضها. فكان الرد الحكومي، بعدم الاستجابة.


وفيما تتحدث وزارة الصناعة عن إنتاج وطني من الألواح يغطي 60% من حاجة السوق، يتحدث التجار عن نسبة لا تتجاوز الـ 20% فقط. وفي حين تقول المصادر الرسمية في الوزارة، إن هناك خمس منشآت مرخصة لصناعة الألواح في سوريا، منها ما باشر الإنتاج، ومنها ما هو قيد الإنتاج، ومنها ما  هو قيد الإنجاز، تناقل الإعلام الموالي تصريحاً عن مسؤول داخل اللجنة الاقتصادية بالحكومة، مفاده أن الأخيرة قد تعيد النظر في قرار فرض "الضميمة" في حال لم يتمكن معمل الألواح الشمسية التابع للحكومة، من زيادة إنتاجه. مما يعني أن الحكومة غير متأكدة من كفاية الإنتاج المحلي لتغطية حاجة السوق. 


أما أبرز الانتقادات التي وُجّهت للقرار، أن صناعة ألواح الطاقة الشمسية في سوريا، هي صناعة تجميعية، لا قيمة مضافة فيها. وهو ما أقرت به صحيفة "البعث" الناطقة باسم الحزب الحاكم. فالتاجر يستورد المُنتَج بشكل مجزأ، ثم يقوم بتجميعه وتغليفه، مقابل زيادة تكاليف المبيع النهائي، بنسبة 20% امتيازات للتاجر جراء الاستيراد والتوزيع، و20% امتيازات للتصنيع (التجميع)، و35% امتيازات حكومية، و40% "ضميمة"، مما يجعل سعر مبيع اللوح الواحد للمستهلك، بنحو 220 دولاراً، فيما سعره في دول الجوار لا يتجاوز 120 دولاراً. وكان رد الحكومة على هذا الانتقاد، أن إنتاج هذه الألواح بدأ من مرحلة التجميع، تمهيداً للوصول إلى مرحلة التصنيع، حيث تتطلب هذه الصناعة استثمارات كبيرة كونها تعتمد على تكنولوجيا حديثة. وهو ما يمكن فهمه بأن الحكومة تريد جذب الاستثمارات إلى هذا القطاع عبر رفع نسبة الأرباح فيه، على حساب المستهلك السوري. وهو ما يطرح تساؤلاً: إن كان هناك مُستورِد أنشأ مصنعاً لتجميع قطع ألواح الطاقة الشمسية، ويحقق أرباحاً كبيرة وسهلة جراء "الضميمة" الحكومية الداعمة له، فما الحافز الذي سيجعله يتحوّل نحو التصنيع الكامل المُكلِّف؟!


أما السؤال الأبرز الذي شغل المتفاعلين مع هذه القضية، فكان: من المستفيد من هذا القرار وبهذا التوقيت؟ الملفت، أن الإعلام الموالي مرّر تلميحات لصناعيين واقتصاديين، أشاروا إلى وجود جهة ما مستفيدة بالفعل، من هذا القرار. فالقرار صدر مباشرةً، بعيد وصول كميات كبيرة من ألواح الطاقة الشمسية إلى البلاد، بالتزامن مع إلغاء دور المخبر الأساسي لفحص ألواح الطاقة. مما يؤشر إلى وجود تاجر كبير مستفيد من العملية، وأنه أدخل ألواحاً بجودة منخفضة. تلميحات شبيهة وردت على لسان رجل الأعمال، فيصل العطري، الذي قالها صراحةً، بأن المستفيد هو صاحب مصنع ألواح إلى جانب المهرّبين. الإشارة الأخيرة تردد صداها في أحاديث التجار بسوق مستلزمات الطاقة الشمسية. إذ جرى الحديث بكثافة عن تمهيد حكومي لتمرير إنتاج كثيف لمصنع شركة تريفيو. وهي شركة محلية، ترجع ملكيتها الرسمية لرجل الأعمال أحمد رضا الحلبي. لكن، يصعب الجزم بأن الحلبي هو صاحب المصنع الحقيقي، وأنه ليس واجهةً لأحد المتنفّذين.


وفي نهاية المطاف، هذا ما يميّز أداء السلطة في سوريا. ففيما يكرّر مسؤولو النظام معزوفة شبه يومية عن أولوية التحوّل إلى منظومات الطاقة البديلة، تفرض حكومته ضريبة ذات أثر سلبي مزدوج. فهي تخفّض أكثر من القدرة الشرائية للسوريين، الذين سيزداد نسبة العاجزين منهم عن إضاءة بيوتهم بمنظومات الطاقة تلك. وهي تزيد أيضاً من تكاليف حوامل الطاقة على القطاع الصناعي والخدمي، مما ينعكس على أسعار المُنتجات السورية، التي تتضاءل تنافسيتها أكثر فأكثر، نحو المزيد من الانحدار للإنتاج المحلي.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها