الإثنين 2024/05/13

آخر تحديث: 07:31 (بيروت)

خلطة فرنسية_مغربية عجيبة

الإثنين 2024/05/13
خلطة فرنسية_مغربية عجيبة
increase حجم الخط decrease

تردّدت قبل أن أكتب هذه الكلمات عن السيدة صوفيا آرام لأنها ليست معروفة من القارئ العربي وكذلك هي حالها نسبيًا مع القارئ الفرنسي. فلماذا إذًا إيلاؤها مثل هذا الاهتمام وتخصيص نصٍّ كامل يستعرض آخر "إنجازاتها" الفنية والأخلاقية؟ وللجواب السريع على هذا التساؤل المشروع، يُستحسنُ القول بأن استعراض قصة إنسان صدر عنه تصرف سلبي كان أم إيجابياً، يُراد به غالبًا إسقاط حالته على ظاهرة منتشرة نسبيًا وقبل أن تصبح كالنار في الهشيم، وذلك في سعيٍ لفهم أبعادها وترقّب مآلاتها.

صوفيا آرام، مغربية الأصل، تمارس السخرية السياسية على أثير الإذاعة العامة الفرنسية صباح كل يوم اثنين. كما أنها تقوم بتقديم بعض الاستعراضات التي تعتمد على مؤدٍ واحد في إطار السخرية السياسية على المسارح الفرنسية. وكعادة أغلب مدّعي الثقافة، فهي تتكنّى باليسار توجهًا سياسيًا على الرغم من أن شعبيتها تتبدّى أكثر في أوساط اليمين واليمن المتطرف لأنها اعتادت أن تختار من المواضيع ما يُرضيهم وما يُعزّز من كراهيتهم للمهاجرين وخصوصًا المسلمين منهم. وهذه الظاهرة من "كارهي الذات" من عرب أو مسلمين، منتشرة للغاية في فرنسا وخصوصًا في الحقبة الراهنة. وتكاد تُحفّز على الخوض بالأمور النفسية لأصحابها أكثر من التوقف عند القناعات السياسية او الثقافية او الدينية لديهم.

حصلت السيدة آرام منذ أيام، وفي حفل نقله التلفزيون العام مباشرة، على جائزة مسرحية رفيعة في مجال الفكاهة. فلقد حصلت على ما يُسمّى بـ"موليير الفكاهة". وعلى الرغم من غنى المشهد الفرنسي بمؤدي العروض الفكاهية الفردية كما الفكاهيين السياسيين والمجتمعين اللامعين، إلا أن حصول هذه الفنانة التي يعترف العاملون في القطاع بتواضع موهبتها وبركاكة نصوصها وفقرها، على هذه الجائزة، فقد فاجأ أكثر من مراقب ومن متخصّص.

وقد بدا بأنها تحتاج لشكر القائمين على الجائزة بطريقة تتماشى مع ميولهم وأهوائهم السياسية، بل وتحابيها. فعندما صعدت الى خشبة المسرح لاستلام جائزتها والقاء الكلمة السمجة والمُملّة التي يلقيها كل من يفوز تقليديًا بالجوائز في مهرجانات السينما والمسرح وسواها، هرفت بما لا ينتظره منها حتى عتاة الصهيونية الفرنسية، ليس لبراءتهم وحسن نيّتهم، بل لفطنتهم وتحاشيهم المعارك الخاسرة ومحاولة تبنيهم لمبادئ إنسانية تُخفي تواطؤهم مع المعتدي الإسرائيلي في غزة. وبدأت كلمتها بانتقادٍ لاذعٍ للانتقائية في التضامن مع بعض الضحايا في الحرب على غزة. وكاد الأمر أن يلتبس على المتابعين في القاعة وعلى الشاشة، إذ خطر للبعض ولوهلة بأنها ستُندّد بالاهتمام المبالغ به إعلاميًا وسياسيًا بمصير الأسرى الإسرائيليين عند حركة حماس مقابل مصائر مئات الآلاف من المشردين والقتلى والجرحى والمعاقين من المدنيين الفلسطينيين. كما كاد كلامها ان يدفعني للعدول عن نقدها وإساءة الظن بها في كل مواقفها. فقلت لنفسي بأن صحوة إنسانية قد أصابتها ولا ضير في ذلك، ولو لوقتٍ قصيرٍ، وفي حادثة لن تتكرّر في العمر كله.

إلا أن صوفيا آرام، وبالتزام ثابت بمواقفها التي تُصنّف، في أدبيات علم الاجتماع الفرنسي نفسه، على أنها من نوع كره الذات والنفاق للرجل الأبيض، أبت على نفسها أن تخذلنا، والقت كلمة عصماء اعتبرت من خلالها ـ وسط تصفيق حاد من جمهورها ـ بأنه من العار أن يتوقف الرأي العام العالمي منددًا وشاجبًا وقوع قتلى وجرحى من الفلسطينيين، في حين أنه يتناسى ـ على حد قولها الكاذب ـ معاناة من سمتهم بالرهائن لدى حركة حماس. وأضافت في لغوها القول بأن من يُطالب باستقالة بنيامين نتنياهو ولا يُطالب بإنهاء "حماس" هو مُتحيّز وغير منصف. وقد أضافت بأنها تشعر بالصدمة من تركيز الإعلام على وضع الفلسطينيين ونسيانه لأوضاع الإسرائيليين. مع العلم أن الوقائع تقول عكس ذلك حتمًا. ولا يحتاج الانسان السوي إلى أكثر من دقائق متابعًا الإعلام الفرنسي ليتأكد بأن التمييز واقعٌ بشدة بين الضحية الفلسطيني والأسير الإسرائيلي. وبما أن جهلها مؤكد، فهي تناست آلاف الرهائن الفلسطينيين المعتقلين من دون أية مشروعية في المعتقلات الإسرائيلية. وهذا يضاف لنيتها السيئة بالنفاق لضآلة موهبتها وسعيها للحصول على مكان تحت الشمس. وكما يتبين من خلال نيلها هذه الجائزة بأنها نجحت في مسعاها.

لقد سبق لهذه المهرجة مرارًا أن نافقت دون جدوى. وذات مرة، ارتدت النقاب تهكّمًا للتحدث عن النساء المسلمات بادعاء رخيص لموقف نسوي. ويبدو أن التراكم في المواقف السلبية تجاه العرب والمسلمين قد أوصلها للحصول على جائزة اليوم على الرغم من اجماع النقاد على ضحالة موهبتها وعلى ضعفها في حقل السخرية السياسية المعقد والصعب. وبالطبع، فهي وإن لم تتضامن مع زميل لها أوقف عن العمل بسبب تهكمه على بنيامين نتنياهو، فقد أعربت عن شعورها بالقرف عند سماعها لسخريته. وهكذا، فقد قدّمت أوراق الاعتماد لمجموعات الضغط الصهيونية الداعمة لليمين المتطرف الإسرائيلي. ومن المؤكد بالتالي بأنها ستكون في العام المقبل من ضيوف شرف العشاء السنوي للمجلس التمثيلي للمؤسسات اليهودية في فرنسا، والذي يتزاحم السياسيون والنافذون على أبوابه كل عام.

انها ولعمري خلطة عجيبة: مزيج من كره الذات والنفاق لليمين المتطرف الصهيوني والاستهزاء بالعرب وبالمسلمين، مع سماجة فكاهية، يمكن أن يفتح أبواباً موصدة في وجه الكثيرين من الموهوبين الذين لا يرضى عنهم الأخ الأكبر.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها