السبت 2024/10/12

آخر تحديث: 09:24 (بيروت)

لبنان في قاعة الانتظار

السبت 2024/10/12
لبنان في قاعة الانتظار
لبنان، كدولة بنظر القانون الدولي، لم يعد يؤخذ بالحسبان (Getty)
increase حجم الخط decrease

مع كل يوم يمر على حرب إسرائيل الجديدة على لبنان، يتكشف عمق الهوة التي بلغها تحلل السلطة، التي تكاد تفقد حق وصفها بـ"اللبنانية". أمام الموت والدمار الذي تحمله آلة الحرب الإسرائيلية، يقف ما تبقى من هذه السلطة عاجزاً عن بلورة صيغة مطالب تضعها بيد الدول والمنظمات العالمية، التي لاترى مصلحة لها في زوال لبنان كدولة على خريطة العالم السياسية. مراسلو مواقع الإعلام يلاحقون جغرافية الضربات الإسرائيلية، وأصبحوا يقدرون بالأمتار المسافة التي تفصل بين الهدف ومقرات ما تبقى من هذه السلطة في بيروت. المهجرون من منازلهم يفترشون أرصفة الشوارع والساحات على أبواب هذه المقرات، ويشتكون من أنهم لم يروا حتى الآن ممثلاً واحداً للسلطة يستطلع ما بهم، مع أن بعضهم قد مضى على حاله هذه أكثر من شهر. جغرافية توزعهم لم تعد تقتصر على لبنان وسوريا، بل يشاع أن ثمة من يدعوهم للنزوح إلى العراق، بل ولإقامة الغالبية الشيعية الساحقة بينهم فيه نهائياً.

العالم، وكما الحال منذ عشرات السنين، ليس مشغولاً بلبنان، بل مشغول بتطور النزاع بين إسرائيل وإيران، وسبل الحؤول دون أن يجرف لبنان ككيان ودولة، كما جرف غزة وتركها موتاً وردماً. مشغول بالحؤول دون تطور هذه الحرب إلى حرب تجتاح المنطقة بأسرها، وتغير وجهها هذه المرة، كما تطمح إسرائيل. كثيرون يرون في هذه الدورة من الحروب المتناسلة في المنطقة بأنها الأخطر منذ حرب العام 1967.

بعد الهجوم الإيراني على إسرائيل في مطلع الشهر الجاري، نشر موقع التلفزة الروسية RTVI نصاً رأى فيه أن الوضع في المنطقة هو الأخطر منذ تلك الحرب. نص الموقع اقتصر على نقل ما تقوله الصحافة الأجنبية عن الوضع الذي نشأ في المنطقة، بعد تبادل التهديدات بين إسرائيل وإيران إثر ذلك الهجوم. نقل الموقع عن قناة الجزيرة قولها إن التهديدات المتبادلة بين الطرفين عززت المخاوف السابقة من تصاعد الصراع وتحوله إلى حرب إقليمية.

كما نقل عن وول ستريت جورنال قولها بأن من المتوقع أن لا تكتفي إسرائيل هذه المرة بقصف مواقع صواريخ С-300 في منطقة مدينة أصفهان الإيرانية فقط. ونقلت الصحيفة عن المحلل السابق في المخابرات الأميركية Jonathan Panikoff قوله بأنه لم يعد لدى الولايات المتحدة الأدوات الدبلوماسية الكافية للوصول إلى وقف لإطلاق النار في غزة ولبنان. ورأى أن مهمة الحؤول دون نشوب حرب شاملة في المنطقة بلغت "أقصى نقاطها صعوبة" منذ هجوم حماس على إسرائيل في خريف العام الماضي.

نقل الموقع عن الغارديان البريطانية موافقتها على القول بعجز الولايات المتحدة عن الحؤول دون تحول الصراع إلى حرب شاملة. كما رأت أنه أصبح من الصعب عليها محاولة التأثير على تصرفات نتنياهو. كما أصبح من الصعب أيضاً دعوته إلى الاستقالة من قبل أخصامه السياسيين. ونتنياهو بدوره اقترب كثيراً من تحقيق طموحه القديم بجر الولايات المتحدة إلى حرب مع إيران تدمر برنامجها النووي.

صحيفة نيويورك تايمز نقل عنها الموقع قولها بأن الوضع في المنطقة الآن هو الأخطر منذ الحرب العربية الإسرائيلية العام 1967، و"الأيام القليلة الماضية قد تصبح مفصلية". ورأت أن السؤال الرئيسي في هذا الوضع، هو إلى أي مدى سيحتدم الصراع، وما إن كانت الولايات المتحدة ستنخرط فيه مباشرة. ومنذ مقتل زعيم حزب الله حسن نصرالله، انتقلت إدارة بايدن من التحذير من مغبة الحرب الشاملة في المنطقة إلى محاولات توجيهها.

أشارت الصحيفة إلى دفاع المسؤلين في البيت الأبيض عن حق إسرائيل بالرد على الهجوم الإيراني، لكنهم ينصحون بالامتناع عن شن هجمات مباشرة على منشآتها النووية، التي قد تخرج الصراع عن نطاق السيطرة. ويرى مسؤولون أميركيون أنه سيكون من الممكن إقناع نتنياهو بالرد على الهجوم من دون إطلاق العنان لحرب واسعة النطاق. لكنهم يدركون، في الوقت عينه، أن رئيس الوزراء الإسرائيلي يمكنه استغلال الأسابيع الفاصلة عن الانتخابات الرئاسية الأميركية للقيام بما يراه.

ورأت الصحيفة أن ثمة خطراً في أن تصبح إيران مقتنعة بضرورة تطوير سلاح نووي كسبيل وحيد لردع إسرائيل، واقتناع الحرس الثوري بمضاعفة رهانه على البرامج الصاروخية. كما ترى أن االحروب واسعة النطاق قد تمتد لسنوات، وتوفر السلاح النووي والصواريخ الباليستية والميل للتصعيد يخلق أجواء جد مسمومة.

مسؤولة قسم التحليل في وكالة تاس Irina Mokhova رأت في 3 الجاري أنه بعد اغتيال حسن نصرالله وبدء العملية البرية الإسرائيلية في جنوب لبنان، لم يعد بوسع إيران أن تبقى على ضبط النفس الذي مارسته بعد اغتيال إسماعيل هنية في طهران. ولو بقيت إيران على تلك الحال، لكانت اصطدمت بخطر تراجع كبير في هيبتها داخل البلاد ووسط حلفائها في المنطقة.

رأت Mokhova أن الحلقة الجديدة من التصعيد في الصراع بالمنطقة تبدو شبيهة جداً بسابقاتها. لكن الفارق المبدئي الذي يميزها، هو أن المجابهة العسكرية السياسية الراهنة بين إسرائيل وإيران مع التنظيمات العربية التابعة لها، يحمل طابعاً وجودياً مكشوفاً يستحيل حله سلمياً. والمناهضون لهذا الصراع توقفوا منذ زمن بعيد عن السعي لمثل هذا الحل السلمي، بل يصفون الصراع بأنه حرب بين الخير والشر الذي يجب القضاء عليه بأي ثمن.

أشارت المحللة إلى أن السمة المميزة للصراع في الشرق الأوسط خلال العقود الأخيرة، كانت المجابهة العنيفة بين إيران وإسرائيل. لكن الطرفين يحاولان تجنب المواجهة المباشرة بينهما، على الرغم من قيامهما بأنشطة تخريبية مستمرة ضد بعضهما البعض. إيران تنشط في استخدام قوات أذرعها في المنطقة للنضال ضد "النظام الصهيوني". والأراضي اللبنانية هي إحدى الساحات الرئيسية لهذه المواجهة.

ورأت Mokhova أن لبنان رهينة لدى حزب الله، وقالت بأن حرية الحزب في العمل بلبنان لصالح إيران، من جهة، وحرية إسرائيل في توجيه الضربات إلى الأراضي اللبنانية، من جهة أخرى، تشير إلى أن لبنان، كدولة بنظر القانون الدولي، لا يؤخذ بالحسبان. إسرائيل لا تعلن الحرب على لبنان، ولا تحارب الجيش اللبناني. وهذا ما يميز جميع العمليات العسكرية الإسرائيلية في هذا البلد. فالجيش الإسرائيلي يقصف البنى التحتية لحزب الله ومستودعاته ومقاتليه الذين يقومون بصورة مستقلة بعمليات مسلحة ضد إسرائيل من الأراضي اللبنانية. وما يجري الآن، هو عينه ما كان يجري سابقاً، حين كانت منظمة التحرير الفلسطينية هناك.

قالت المحللة أن العملية الاستباقية الإسرائيلية "سهام الشمال" ضد حزب الله، والتي بدأت بضربات جوية في أيلول/سبتمبر المنصرم، أصبحت العملية البرية الرابعة منذ سبعينات القرن الماضي. وبدلاً من مقاتلي منظمة التحرير الفلسطينة الذين بقوا في لبنان حتى "الحرب اللبنانية الأولى" العام 1982، حل مكانهم منذ التسعينات حزب الله الذي تم إنشاؤه وتمويله بمساعدة نشطة من جانب الجمهورية الإسلامية من أجل تعزيز مصالحها في المنطقة.

تتساءل المحللة كيف حدث أن يقوم حزب الله، ووفقاً لتقديراته، بعمليات عسكرية من أراضي لبنان، وينفذ سياسات لصالح إيران؟ وترى أن سبب هذه المشكلة يعود إلى خصوصيات النظام السياسي اللبناني الذي تتنافس في إطاره العائلات السياسية الطائفية المستندة إلى دعم القوى الخارجية. ودعم إيران بالذات سمح لحزب الله بعد إنتهاء الحرب الأهلية ببقائه التشكيل المسلح الوحيد الذي لم يتم حله والاحتفاظ بترسانته. واحتفاظ الحزب بسلاحه وعدم القدرة على تجريده منه، على الرغم من سلسلة قرارات الأمم المتحدة بهذا الشأن، يشهد على الضعف المذهل الذي تعاني منه الدولة اللبنانية، ويتجلى في قضية أساسية تتعلق بالسيادة الوطنية مثل الأمن.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها