السبت 2024/10/05

آخر تحديث: 10:01 (بيروت)

إسرائيل تنسخ حربها على غزة في لبنان

السبت 2024/10/05
إسرائيل تنسخ حربها على غزة في لبنان
من سيتسلم قيادة حزب الله، سيقتدون بحماس (جورج فرح)
increase حجم الخط decrease

لم يكن اللبنانيون بحاجة لصور الموت في غزة وردم عمارها في السنوية الأولى لحرب إسرائيل عليها، ليتذكروا ما يمكن أن تذهب إليه آلة الحرب الإسرائيلية. فما تصيبهم به هذه الآلة من حروب واحتلال منذ سبعينات القرن الماضي، كان كافياً لتفيض ذاكرة أي شعب آخر، أي إثنية أخرى، بصور الموت والدمار والتهجير. ومع أن حرب إسرائيل- حزب الله تدور رحاها منذ سنة، وذهبت بحياة المئات ودمرت عشرات البلدات والقرى والمناطق، وهجرت عشرات الآلاف، يواجه اللبنانيون مرحلة التصعيد الجديدة فيها بدهشة من لم يختبر شيئاً من كل ذلك. بعد سنة من حرب "إسناد غزة"، وعقود من حروب غزو لبنان واحتلال أكثر من نصف أراضيه وعاصمته، من دون إسناد أحد ممن يفترض بهم أن يكونوا "أشقاء"، يواجه اللبنانيون حرب إسرائيل عليهم كلهم بذاكرة مشتتة بين طوائفه المتناحرة أبداً. لكل منها لبنانها وشهداؤها ومنطقتها، ويكاد خطر اندلاع الحرب مجدداً بينها يطغى على خطر احتلال إسرائيل من جديد لكل هذه اللبنانات ومناطق كل هذه الطوائف بلا استثناء. الاستثناء الوحيد، تفتعله إسرئيل وتصور للبنانيين أنها تستهدف طائفة واحدة دون سواها، وتلاحق مهجريها في مناطق الطوائف الأخرى.

الردح الرائج هذه الأيام على شبكات التواصل عن مشاعر التضامن بين اللبنانيين والأخوة اللبنانية التي تتجلى في استقبال المهجرين الشيعة في مناطق الطوائف الأخرى، لا يخفي دوافع "الأخوة الإنسانية"، وليس دوافع أخوة الانتماء إلى وطنية واحدة. "أخوة إنسانية" تشوبها شبهة مشاعر "الشماتة" والمفاخرة بـ"حرية" منطقة الطائفة المضيفة- لبنانها الخاص بها. "أخوة إنسانية" لا تخفي اتهام كل مهجر شيعي بالإنتساب إلى "البيئة الحاضنة" لحزب الله، وتحميله مسؤلية كل ما جرته على لبنان مصادرة حزب الله للبنان الدولة والوطن.

كل حروب إسرائيل على اللبنانيين، كل اللبنانيين، والحرب الأهلية، بل الحروب الأهلية بين اللبنانيين، لم تكن كافية لتشكيل وطنية لبنانية جامعة تستوعب أن كل الهزائم التي ألحقتها بهم إسرائيل، كانت هزائم لكل الطوائف والمناطق. والهزيمة التي تلوح في الأفق الآن، هزيمة للجميع، وليس للشيعة ومناطق الشيعة فقط. لم تنشأ وطنية لبنانية جامعة يلجأ إليها الشيعة الذين دمرت إسرائيل بيوتهم ومناطقهم وقتلت أسرهم وذويهم، ويشعرون أن تهجيرهم المذل وكل ما أصابهم لا "يكفر" عن إنتمائهم الطائفي وشبهة انتسابهم إلى البيئة "الحاضنة" لحزب الله. وطنية لبنانية جامعة يلجأ إليها كل من ساهم من اللبنانيين الآخرين، من كل الطوائف، بتوفير الغطاء الطائفي لحزب الله ومده بأسباب التمدد إلى سائر المناطق والطوائف اللبنانية. وطنية لبنانية جامعة يلجأ إليها كل من يساوره الشعور بأن كل ما فقده وخسره ليس كافياً "للتكفير" عما أتاه بحق نفسه وحق الآخرين.

مشهد سوريالي أن يتابع اللبنانيون، ليس فقط ما تأتيه كل لحظة آلة الحرب الإسرئيلية، بل ما تسفر عنه لقاءات الزعماء اللبنانيين من توافقات على خريطة طريق لمطالبة المجتمع الدولي بالضغط على إسرائيل لتنفيذ القرارات الدولية، التي كانوا حتى عشية الحرب يرفضون تنفيذها. مشهد لا تتحمل متابعته إلا طوائف متناحرة في ظل غزو همجي يتكرر منذ عقود، طوائف تجمعها "أخوة إنسانية"، وليس أخوة وطنية جامعة.

حتى الإعلام الإسرائيلي الناطق بالروسية الذي يتابع كل شاردة وواردة في لبنان الآن، ناهيك عن الإعلام الروسي، لم يجد طائلاً من متابعة توافقات الزعماء اللبنانيين هذه في ظل اللهيب المستعر في المنطقة.

موقع postnews الروسي نشر في 2 الجاري نصاً، استعرض فيه آراء عدد كبير من الخبراء الروس بما يجري الآن في الشرق الأوسط. استهل الموقع نصه بالقول إن نتنياهو، بإعلانه عن إطلاق عملية عسكرية برية في لبنان، اعتمد نهجاً للتصعيد العسكري في الشرق الأوسط. ويجمع الخبراء على القول بأن كثرة اللاعبين تجعل من المبكر وضع أي توقعات تستند إلى سرديات الصراعات السابقة في المنطقة. ويقول إن اتساع الموجة الجيوسياسية الواسعة التي تطلقها عملية "سهام الشمال" الإسرائيلية تذكر بالتحذير الذي أطلقه السياسي الروسي الراحل فلاديمير جيرونوفسكي الذي توقع قبل وفاته العام 2022 من أن الشرق الأوسط سيشهد في العام 2024 "الأحداث الأشد فظاعة"، التي ستجعل الجميع ينسى شأن أوكرانيا.

أوجز الموقع القضايا التي استعرض آراء الخبراء الروس بشأنها: ما الذي ينتظر حزب الله، هل تنخرط إيران بالصراع وما هي شروط التسوية السلمية للصراع.

رجل الأعمال اللبناني أمل أبو زيد المعروف بصلته الوثيقة بـ"التيار الوطني الحر" وعلاقاته التجارية الواسعة مع روسيا، كان أول من توقف الموقع عند تعليقه على الحرب الدائرة بين حزب الله وإسرائيل. وصف أبوزيد "الأعمال السياسية الأخيرة" التي تقوم بها إسرائيل بأنها "مذبحة علنية"، تأثر بها مليون إنسان، والسؤال هو "إلى متى سيصمد لبنان".

المستشرق Stanislav Tarasov عبّر للموقع عن تخوفه من الطابع "المتسرع الخاطئ" لقرار نتنياهو. فالجيش الإسرائيلي، إذ يوجه ضرباته إلى كل من حماس وحزب الله، يرتكب خطأً فادحاً بإغفاله المروحة الواسعة من "اللاعبين الاحتياطيين" وقادة حماس وحزب الله المجربين. فلا أحد من المنخرطين الحاليين في الصراع يملك جواباً محدداً على التساؤل ما إن كانت هذه التشكيلات يقودها أشخاص منفردون، أم أنهم للديكور فقط. وكلما تمادت إسرائيل في المواجهة مع حزب الله، كلما تحولت هذه المنظمة الشيعية إلى حرب العصابات، و"الخطر محدق بلبنان من أن يصبح غزة، مما يعني زواله كدولة".

من جملة ما قاله البوليتولوغ Andrey Nikulin للموقع أن قيادة حزب الله هي التي أصيبت بالضربات، أما ترسانته من الأسلحة وتعداد المقاتلين فقد بقيت على حالها. وحزب الله ليس تنظيماً عسكرياً فقط، بل هو تنظيم سياسي ومالي أيضاً. وزعيمه الراحل حسن نصرالله ارتبط مع المجموعات المحلية باتفاقات غير رسمية، قد تصبح غير ملزمة.

الباحث في معهد الإستشراق الروسي Ruslan Kurbanov قال للموقع بأن حزب الله ليس عصابة لصوص شوارع، كما يحاولون تصويره في الإعلام. هذا الحزب هو تنظيم يستند إلى تقاليد قرون من الزمن لأخوية الشيعة الدينية، ولهم علاقاتهم المزمنة داخل الفرق الدينية، الخضوع للزعيم، التضحية في سبيل الجماعة وبرنامج المراحل المتدرجة. وإحدى أرفع مندرجات هذا البرنامج هو الدفاع عن الدين الإسلامي والمقدسات: مكة، المدينة المنورة والقدس. ولذا، طالما بقيت هذه الجماعة من المؤمنين، فلن يتقبلوا هذا الشكل من دولة إسرائيل التي تحرم الطوائف الدينية الأخرى من الأرض المقدسة. ولذلك سوف يقاتل حزب الله حتى الرمق الأخير.

ورأى Kurbanov أن الجيل الجديد من مقاتلي حزب الله ومنتسبيه الذين سيحلون في قيادة حزب الله بعد رحيل نصرالله، سيكون أكثر إقداماً. فهم لم يقبعوا في المخابئ، بل حصلوا على خبرة القتال في سوريا. القادة الميدانيون هؤلاء الأكثر صلابة وحزماً، هم من سيتسلم قيادة حزب الله، سيقتدون بحماس: قتلوا إسماعيل هنية، فتسلم قيادة حماس من بعده يحي السنوار.

يبلغ الباحث قمة حماسته وإعجابه بجيل الشباب من قادة حزب الله، حين يقول بأن هذه المجموعات لا تتشتت بعد مقتل القائد، بل يتصلب عودها فقط. ويقاسمها قناعتها بأنه كلما كثفت إسرائيل ضربها للمدنيين، وكلما ارتفع عدد القتلى بين هؤلاء، كلما أصبح القتال أكثر شراسة وعناداً.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها