الثلاثاء 2024/10/01

آخر تحديث: 11:25 (بيروت)

أذكروا أمواتكم بأفعالهم

الثلاثاء 2024/10/01
أذكروا أمواتكم بأفعالهم
اغتيال نصرالله سيؤدي إلى تغييرات جذرية في سياسة الشرق الأوسط وأمنه (Getty)
increase حجم الخط decrease

درجت العادة لدى ذكر الأموات أن يقال "أذكروا أمواتكم بالحسنات". لكن شرائط الفيديو التي انتشرت بعد اغتيال أمين عام حزب الله، حسن نصرالله، لم يلتزم ناشروها بهذا التقليد، بل تجاوزوا ذكر الراحل و"حسناته" إلى كيل أقذع الشتائم بحق إيران والإيرانيين. ويبدو من صور ناشري هذه الشرائط أنهم ليسوا بعيدين عن بيئة حزب الله، بل يشي صراخهم الغاضب بأنهم ممن كانوا على ثقة مطلقة بـ"الانتصارات" التي كان يعد بها نصرالله، وبضرورة حرب مساندة غزة ومشروعية الأثمان التي يدفعها لبنان واللبنانيون. كانوا ممن يؤمنون بانتصار العين على المخرز في الحروب التي يخوضها الذكاء الاصطناعي ضد سيوف الأوهام والشعارات المستندة إلى ترسانة أسلحة لم يكن نصرالله يتفرد بإمرتها، ولا يملك مفاتيح مخزوناتها، كما شاع بعد رحيله.

الصدمة والخيبة التي خلفها اغتيال نصرالله وسرعة انهيار قمة المنظومة، وحلقات وسطى منها، والتي بناها على مدى أكثر من ثلاثة عقود، وجهت ضربة تكاد أن تكون قاضية على كل الآمال الموهومة، التي تمكن بما أوتي به من كاريزما وموهبة خطابية على زرعها في بيئته. رحيله الصادم ترك هوة سحيقة في وعي بيئته يصعب ردمها، ويجعل هذه البيئة شديدة التوتر ومتحفزة للإنقضاض على من يجروء بتوجيه كلمة ناقدة لما أفضت إليه مصادرته للبنان الدولة والوطن. وأكدت كلمة نعيم قاسم في نعي نصرالله إصرار الحزب على ربط لبنان بمأساة غزة، ووعد بنصر لا شيئ يشير حتى الآن إلى أنه سيختلف عن "نصر" 2006. وأول ما قد يعنيه هذا الوعد "الصادق" أن حرب إسرائيل- حزب الله طويلة، ولا تعد لبنان إلا بتكرار دمار تلك الحرب، لا بل دمار غزة هذه المرة.

يجمع المراقبون على أن صدى اغتيال نصرالله سيتردد في سماء المنطقة، ويهدد بإشعال حرب في كل أرجائها. الموقع الروسي bloknot.ru الذي يغطي يوميات موسكو، نشر في 28 أيلول المنصرم نصاً تحدث فيه عن التغيرات التي يفترض أنها ستطرأ على الشرق الأوسط إثر اغتيال نصرالله. وكما معظم المواقع الأخرى، استهل الموقع نصه باستعراض سيرة حياة الراحل، ليؤكد على منبته المتواضع وانخراطه المبكر في العمل السياسي الديني. وقال إن نصرالله ، ومنذ أن تبوأ منصب الأمين لحزب الله، سعى لجعل الحزب تنظيماً عسكرياً قوياً، لعب على مدى عقود دوراً رئيسياً في الصراعات بين إسرائيل والدول الإسلامية في الشرق الأوسط.

نقل الموقع عن عدد من خبراء يجمعون على أن مقتل نصرالله قد يحفز إشعال حرب واسعة النطاق في المنطقة. فقد رأى البوليتولوغ Ilya Grashchenkov أن الخطوة التالية لإسرائيل قد تكون عملية برية في جنوب لبنان، تهدف إلى القضاء على ما تبقى هناك من هياكل حزب الله. وافترض أن القضاء على الحزب قد يترك تأثيراً جدياً على سياسة لبنان الداخلية الذي تتشكل حكومته ويتكون مجلسه النيابي من ممثلي مجموعات مختلفة الطوائف من المسيحيين والمسلمين. كما رأى أن القضاء على حزب الله قد يؤدي إلى تغيرات في السياسة الإيرانية الداعمة للحزب.

المستشرق Andrey Ontikov، صاحب منصة تلغرام "البوابات الشرقية"، رجح أيضاً عملية برية إسرائيلية في جنوب لبنان. وقال إنه على الرغم من أن الضربات الجوية قد تضعف حزب الله، إلا أنها لن تكون كافية لبلوغ إسرائيل أهدافها الاستراتيجية. وذكّر المستشرق بحرب العام 2006، وقال بأنه على الرغم من بعض النجاحات التي حققتها إسرائيل، إلا أن تلك الحرب اعتُبرت خاسرة بالنسبة لإسرائيل. وافترض Ontikov أن العسكريين الإسرائيليين استفادوا من أخطاء تلك الحرب، وقد يتصرفون بفعالية أكثر في الوضع الجديد.

مدير مركز دراسات بلدان الشرق الأوسط وآسيا الوسطىSemyon Bagdasarov رأى أن إسرائيل في وضع مناسب الآن لشن عملية برية في جنوب لبنان. وقال بأن الفوضى في قيادة حزب الله وعدم استعداد إيران للتدخل، تخلق الظروف المثالية لإسرائيل للقيام بمثل هذه العملية.

البروفسور في جامعة موسكو Alexander Vavilov أشار إلى أن طهران تحذر إسرائيل من الإقدام على خطوات قد تشعل حرب الشرق الأوسط الثالثة (الروس يعتبرون غزو إسرائيل للبنان العام 1982 هي الحرب الأولى، وحرب العام 2006 هي الحرب الثانية). ورأى أن المنطقة لا تتحمل مثل هذه الحرب في الظروف الراهنة، وذلك لتراكم الكثير من المشكلات. وأشار إلى أن إيران تحذر إسرائيل من أن مثل هذه الحرب قد تؤدي إلى عواقب وخيمة قد تضع وجود إسرائيل نفسه في خطر.

وينتهي الموقع إلى الإستنتاج بأن اغتيال نصرالله ليس فقط حدثاً بارزاً في صراع حزب الله مع إسرائيل، بل قد يفضي إلى تغييرات جذرية في سياسة الشرق الأوسط وأمنه.

صحيفة الكرملين VZ نقلت في 28 المنصرم عن مستشرق روسي رأيه في مستقبل حزب الله من دون حسن نصرالله. رأى Kirill Semenov أن نصرالله كان في مطلق الأحوال سيقع في فخ إسرائيل. وقال بأن إبادة قيادة حزب الله بكاملها، وليس حسن نصرالله فقط، لا تعني هزيمة حزب الله. فالضباط الإيرانيون بوسعهم في أي لحظة قيادة العمليات العسكرية للحزب. وإسرائيل تتصرف على نحو يحدث أكبر صدى ممكن، وهي تستعد لهذه العمليات منذ العام 2006، وكانت تترصد جميع النقاط التي توجد فيها مخابئ حزب الله، في انتظار اللحظة المناسبة. وحسن نصرالله كان، عاجلاً أم آجلاً، سيقع في الفخ الإسرائيلي.

ورأى المستشرق Semenov والخبير في المجلس الروسي للعلاقات الدولية RIAC، أن قيادة حزب الله ليست الحزب، سيما وأن الضباط الإيرانيين موجودون في بنية قيادة كافة تشكيلات الحزب، ويمكن ضمهم إلى هيئات الأركان في أي لحظة وقيادة عمليات الحزب العسكرية.

أضاف المستشرق بأن القادة المسؤولين عن عمليات الحزب العسكرية يبلغ تعدادهم عشرات الآلاف، وهم لم يقتلوا، بل يقاتلون في صفوف الحزب وقيادات أركان تشكيلاته. وحزب الله يقوم على هؤلاء القادة العسكريين، وليس على الشخصيات العلنية. وجميع عمليات الحزب العسكرية وخططها توضع تفاصيلها من قبل هؤلاء القادة، وليس من قبل القيادات العلنية.

ورأى المستشرق أن العملية ضد قيادة حزب الله، نفذتها إسرائيل على عدة مراحل، قامت خلالها بتصفية قائد قوة "الرضوان" علي أحمد حسين وقائد قوات الحزب الجوية محمد حسين سرور. ووجهت الضربة الآن إلى قيادة الأركان الرئيسية. وقال بأن العملية ضد حزب الله كان يحتاجها بنيامين نتنياهو الذي لم يتمكن من حماس، وأحرز كل هذه الإنجازات على الجبهة الشمالية. وأضاف بأن احتفاظ حزب الله في المستقبل البعيد بمواقعه في جنوب لبنان سيكون بمثابة انتصار له، وسيتمكن سريعاً من انتخاب أمين عام جديد. وإضافة إلى هاشم صفي الدين، ثمة مجموعة كاملة من المرشحين بوسعهم قيادة الحزب، "ولن تكون هناك مشكلة في هذا الأمر".

صحيفة الحكومة الروسية الرسمية RG نشرت في 29 المنصرم نصاً مطولاً تحدثت فيه اغتيال نصرالله بغارة جوية إسرائيلية، ورأت أن إسرائيل قد فتحت بذلك أبواب الجحيم، من دون أن تحدد ما إن كانت فتحت الجحيم على نفسها أم على الشرق الأوسط برمته.

استعرضت الصحيفة سيرة حياة نصرالله على غرار المواقع الروسية الأخرى، وتوقفت عند انتخاب أمين عام جديد لحزب الله. وخلصت إلى القول بأن كائناً من سيكون الأمين العام الجديد لحزب الله، سيتعين عليه أن يتعامل مع الاستياء والإحباط المتزايدين وسط قطاعات كبيرة من الشعب اللبناني. وأضافت بأن منتقدي حزب الله يرون أنه يجرد لبنان من سيادته منذ سنوات من خلال التصرف كدولة داخل الدولة واتخاذ قرارات أحادية تتعلق بالحرب والسلام. لقد وصل البلد إلى الإفلاس، ويبقى من دون رئيس وحكومة فعالة منذ سنتين. وفي ظل هذا الفراغ في الموقعين يمكن أن تتصاعد التوترات الطائفية والإحباطات داخل البلاد إلى أعمال عنف مسلح.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها