الإثنين 2024/07/22

آخر تحديث: 12:56 (بيروت)

اليمن: معركة صورة فقط

الإثنين 2024/07/22
اليمن: معركة صورة فقط
نيران مشتعلة في ميناء الحديدة اليمني بعد الغارات الاسرائيلية (غيتي)
increase حجم الخط decrease
اختارت إسرائيل أن تقاتل اليمن بالصورة، واختار الحوثيون أن يقاتلوا بالتصريح. هذا الواقع،  لا خلاف عليه. فحجم تناقل صور النيران في ميناء الحديدة باليمن، بعد القصف الاسرائيلي، يشير الى شكل المعركة التي أرادها الاحتلال.. أما التحليلات والتقديرات المتسرعة التي تناقلها أنصار الحوثيين في مجموعات "واتسآب" و"تلغرام"، فتشير الى الانكماش الذي يعانيه الجسم الدعائي لدى الفصيل اليمني المقرب من إيران، والذي لم يخرج من إطار الأمنيات والصراخ. 

تناقل المغردون العرب ووسائل الاعلام العربية فيديوهات تظهر أكبر قدر من اللهب الموثق بالكاميرات.. واختارت الوكالات العالمية صورة تظهر بحراً من اللهب، يمتد من منشآت النفط في الحديدة، الى مياه البحر الأحمر. تشتعل النيران فوق الماء. ويحجب الدخان ملامح المدينة الحيوية على وقع ضبابية تحيط بالهدف، وبتداعياته التي لم تخرج من سياق التداول الاعلامي. 

والتداعيات المبالغ تقدير حجمهما، تتمثل في سياقين متقابلين أرادهما الطرفان. اختارت اسرائيل، في قصف اليمن، أن تكون المعركة دعائية. معركة بصورة واحدة فقط، كافية لتقول للعالم إنها استعادت الردع، وإنها قادرة على الرد بقوة، وإن الجغرافيا لا تحول دون توسيع عملياتها. أطلق بعض المحللين الاسرائيليين على الضربة اسم "اليد الطولى". يد تمتد لمسافة 2500 كيلومتر، وقادرة على فرض سيادة اسرائيلية فوق البحر الاحمر وعلى مدخله الجنوبي.

في المقابل، لم يخرج أنصار الحوثيين من أدبيات الدعاية العربية المكررة. صحيح أن القيادات الحوثية كانت واقعية، وتموضعت مع الحدث وتداعياته، وحصرت التهديد في الرد من دون تفصيل أو أوهام حول طبيعته، لكن أنصار الجماعة اليمنية المدعومة من إيران، انزلقوا الى تصريحات وتحليلات تتحدث عن "ردّ مزلزل" يستعد له الحوثيون. وتناقلت مجموعات "واتسآب" و"تلغرام" ما يريد أن يسمعه جمهور يتأثر بالصورة الاسرائيلية وعلق في خيبة اللحظة. قال المحللون إن الرد اليمني سيطاول ميناء حيفا، على قاعدة الرد بالمثل، وإن منصات استخراج الغاز في المتوسط، ستكون هدفاً للحوثيين، كذلك حاملات النفط الآتية من أذربيجان الى الموانئ الاسرائيلية. 

كان هؤلاء، من شدة التأثر والانفعال، جزءاً من دعاية مضللة، تماماً كما الجانب الاسرائيلي الذي كان أيضاً جزءاً من دعاية مضللة. لا الخسائر الناتجة عن الضربة الاسرائيلية، تشير الى حجم التقديرات حولها، ولا تهديدات وتحليلات المقربين من الحوثيين الذين يقرأون في المتغيرات الاقليمية والخطوط الحمر السياسية وديناميات التواصل الايراني – الاميركي الذي ما انفك يلعب ضابط ايقاع لحرب محدودة تحت سقف الضوابط الجغرافية لمنع تمددها. 

والحال إن الحرب المرسومة بعناية بين نفوذ الجانبين الإسرائيلي والإيراني، لا تسمح بأن تكون الضربة الاسرائيلية تتعدى كونها "صورة" تتيح لأبواق الاحتلال إطلاق التهديدات لقوى أخرى، استناداً الى النيران العائمة فوق مياه البحر الاحمر، بمعزل عن النقاش في قدرات إسرائيل من دون مساعدة أميركية وبريطانية، أو عدمها.. كما لا تسمح للحوثيين بتجاوز الخطوط الحمر لاستهداف آبار الغاز التي باتت حاجة أوروبية وأميركية في ظل الحرب الأوكرانية. وحده قصر النظر السياسي، يدفع التحليلات الإسرائيلية، وتلك الموالية للحوثيين، بالذهاب الى تضليل مكشوف، لا يرتقي الى أدبيات الدعاية السياسية القابلة للتصديق. 

بين الأبواق، تلعب قيادات الجانبين الإسرائيلي والحوثي في منطقة إعلامية آمنة. تعرف قيادات الحوثيين أن اسرائيل أرادت الانتصار بالصورة، وتالياً، فإن حجم التهديد وتنفيذه، لن يتخطى تلك الوقائع المعلنة. وتعرف إسرائيل في المقابل، أن الايلام على بعد 2500 كيلومتر، غير متاح، وأن أبوابها الزجاجية ستعرضها للرشق بالحجارة، في حال تجاوز الخطوط الحمر. ردت على مسيّرة تل أبيب، بما يحفظ ماء وجهها، وبما يتيح للأبواق بالتداعي الى تضليل موصوف.. ولم تكن بحاجة الى أكثر من صورة، لا يمكن أن تكتمل عناصرها من دون قصف منشآت النفط.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها