الإثنين 2024/08/26

آخر تحديث: 19:48 (بيروت)

"الإعلام الحربي"...متمّم ثنائية الإحتراب الدائم

الإثنين 2024/08/26
"الإعلام الحربي"...متمّم ثنائية الإحتراب الدائم
بدأت مأسسة "الاعلام الحربي" في "حزب الله" في منتصف التسعينيات (موقع العهد)
increase حجم الخط decrease
مقابل موقع "سجد" العسكري الذي كانت تحتله إسرائيل في جنوب لبنان، يقف مقاتل من "حزب الله" رافعاً قبضته إيذاناً بأول الاقتحامات التي نفذتها المقاومة في الجنوب ضد موقع إسرائيلي في العام 1986. باتت تلك الصورة، دليلاً ثابتاً على إنجاز عسكري تحقق في ذلك الوقت، وقابلة للحياة على مدى الزمن، وما إن تنزل الى ذاكرة الماضي، حتى تعيد إحياء الحدث في ذاكرة الأجيال المتعاقبة، بوصفها فاتحة الإنجازات.

وما كان الحدث ليبقى متقداً لنحو أربعين عاماً، لولا أن تم توثيقه بكاميرا عسكرية حملها مقاتل كان يتواجد ضمن مجموعة الاقتحام. تطورت الكاميرا مع الوقت، وتطورت إمكانات حامليها، وبات الإعلام الحربي المرافق للمجموعات العسكرية، عبارة عن فريق مستقل، له مهامه، وغرفة عملياته أيضاً، يرافق المقاتلين، ويفرض توقيته على العمليات العسكرية، ليقين المقاتلين وقيادتهم بأن المعركة بلا صورة آيلة للانتهاء، والاقتحام بلا توثيق آيل للتشكيك، وهو ما يعانيه "حزب الله" في المعركة الأخيرة، في مقابل التوثيق الذي ينشره إعلام الجيش الاسرائيلي للهجمات في العمق اللبناني. 

إعلام رسمي
ومع أن فكرة "الإعلام الحربي" ليست جديدة، وهي مفهوم معروف بـ"الاعلام العسكري"، له صفة "الإعلام الرسمي" في جميع دول العالم، إلا أنه لدى "حزب الله" وحلفائه في "محور الممانعة"، له حيثية مختلفة، مرتبطة بأصل فكرة وجود المقاومة وامتداداتها وساحاتها. 

يتصل "الإعلام الحربي" في مختلف دول العالم، بوزارات دفاعها. هو التتمة البصرية للرواية الرسمية. في تلك البلدان، هناك مركزية حكم، ومركزية سلاح، ورواية مركزية أيضاً.. أما في لبنان، ودول إقليمية أخرى تتمتع فيها إيران بنفوذ، فإن المؤسسة العسكرية ليست مركزية. لها رديف عسكري، وتنبثق عنه ثنائيات أخرى تشبهه. ثنائية السلاح وتوابعه، من التعبئة إلى التسليح والإعداد العسكري، وصولاً الى الإعلام الحربي.

بهذا المعنى، لا يعد الإعلام الحربي دخيلاً على المؤسسة نفسها، كونه تابعاً يستكمل مناحي مؤسسة الاحتراب الرديفة. الدخيل، في الأساس، هو الثنائية نفسها للمؤسسة العسكرية الرسمية، وهي في هذه الحال، "المقاومة" التي وُجدت كرد فعل على فعل، وهو الاحتلال، ويُفترض، قانوناً، أن تنتهي بنهاية الاحتلال، وتنتهي معها متمماتها.
 
مصطفى

فكرة مصطفى بدر الدين
ولم يتمأسس الإعلام الحربي في لبنان، إلا في أواسط التسعينيات، أي بعد نحو عشر سنوات على ظهوره الأول، ويرجع تأسيسه إلى القائد العسكري للحزب في ذلك الوقت مصطفى بدر الدين. خضع "الإعلام الحربي" لتنظيم وتطوير، أسوة بالمؤسسة العسكرية الأم التي خضعت أيضاً لتطوير وتنظيم. ترافقا في الرحلة نفسها، من دون معرفة أي منهما سبق الآخر. فالصورة تحتاج الى عناصر تبدأ من الهدف العسكري (مواقع الاحتلال)، والأداة العسكرية (السلاح)، والقائم بالاتصال، أي العناصر والقيادة، ولا تنتهي بالمظهر الملائم للصورة، أي الهندام والتنظيم والراية.

يستدعي إعداد الصورة كل تلك العناصر، بينما يفرض تعميم الصورة محتوى ملائماً، جديداً ومؤثراً، يستند إلى بناء القدرات تمهيداً لتوثيقه. بهذا المعنى، بات التطوير متلازماً مع الصورة. أحدهما يوازن الآخر، لأن غلبة أحدهما، ستؤدي الى إخلال بالتوازن القائم على الدور وتعميمه في الوقت نفسه. 

إعلام.. وعسكر
والتطوير يرتبط عرفاً، بالاستمرارية. لن يخطو أي طرف في اتجاه التشييد والتنظيم، بما يحتاجه ذلك من إنفاق مالي وإعداد كوادر بشرية، لولا أن مؤشرات البقاء أقوى من التلاشي. فالحزب، منذ الفيديو الأول لاقتحام موقع "سجد"، بنى خطابه على الديمومة، بدليل ما يقوله مقاتل في ذلك الفيديو عن إن المعركة مع إسرائيل "أزلية". لم يحمل الحزب منذئذ، غير خطاب "الاحتراب الدائم"، وهو خطاب مستمر، في مقابل خطاب الاعتدال القائم على التفاوض من دون عناصر قوة تحميه وتعزز شروطه التفاوضية، وهو ما وضعه تحت اتهامات "الاستسلام".

تمدد خطاب الاحتراب إلى الاقليم، وأنتج "ثنائية عسكرية" في العراق وسوريا واليمن، مع الجيوش الرسمية. وبطبيعة الحال، يحتاج "الرديف" الى عناصره المتمّمة، من التسليح والتنظيم والتعبئة، وصولاً إلى "الإعلام الحربي" الذي بات طبعة دامغة على فيديوهات توثيقية، و"فلاشات" دعائية، على طول المعركة الممتدة من المتوسط الى البحر الأحمر، مروراً بالصحراء العراقية، وبطبيعة الحال في فلسطين حيث تتعدد الفصائل المقاومة للاحتلال، ولا يقرب الملفات الداخلية

قوة الرواية الرسمية
يوثق "الإعلام الحربي" ويرسل فيديوهاته الدعائية في إطار الحرب النفسية، لكن عدم حيازته صفة "الرسمية"، يفقده قوته. لا يمكن لإعلان صادر عن "الإعلام الحربي"، أن يوازي قوة "الرواية الرسمية"، على الأقل حتى الآن، في ظل الخلافات السياسية والانقسام إزاء المقاومة ودورها. في بثه، يؤدي أغراض الإعلان قصير المدى، وينتهي مفعوله بانتهاء الحدث، ولا يحوز على صفة الديمومة التوثيقية إلا بما يرتبط بالمقاومة، بمسمياتها المختلفة، خلافاً للرواية الرسمية التي تتحول الى مرجع عبر الزمن. وهو ما لا تقدمه الدولة اللبنانية الآن، ولا العراقية واليمنية، خلافاً للتجربة السورية التي تصارع التشظيات والثنائيات، وتحاول الإمساك بالرواية عبر تبني تفاصيلها ومن دون الاعتراف بالرديف. 



increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها