الخميس 2024/05/16

آخر تحديث: 12:57 (بيروت)

"رنا وجواد" وشادن...متى ينزلق المحتوى إلى العنف والكراهية؟

الخميس 2024/05/16
"رنا وجواد" وشادن...متى ينزلق المحتوى إلى العنف والكراهية؟
بودكاست رنا وجواد
increase حجم الخط decrease
الدعم الكامل لحرية التعبير، لم يعد مادة يجتمع عليها اللبنانيون الذين افتتحوا نقاشات جديدة حول حدود حرية التعبير وضوابطها، وتتراوح بين أسئلة عن الحرية في العمل الفني، وحرية الفرد ومراعاة الجماعة.. وهي نقاشات توسعت أخيراً لتبحث في "التجاوز" و"الإساءة" و"الحرية المطلقة"، وأنتجت انقساماً جديداً بدأ من قضية شادن فقيه التي اتهمت بالإساءة الى رمز ديني، ولن تنتهي بملف إساءة "رنا وجواد" للأطفال الذين تعرضوا للاغتصاب. 

وما كادت التباينات بين اللبنانيين تهدأ حول الحادثة المرتبطة بـ"سكيتش" الممثلة الكوميدية شادن فقيه وردود الأفعال حولها، حتى اندلع نقاش مماثل ناتج عن محتوى حلقة "بودكاست" لـ"جواد ورنا" اللذين يقدمان بودكاست بعنوان "شو ما كان" في موقع "يوتيوب" والمنصات الرقمية.

وتناول الأخيران جريمة اغتصاب الأطفال التي صدم بها اللبنانيون وحولوا "البيدوفيليا" الى مادة للنكات والفكاهة، علماً أن القيمين على "البودكاست" قاما بحذف المحتوى في وقت لاحق بعدما تسبب بموجة من الغضب والانتقاد.

اختلف المغردّون حول تصنيف ما جرى، ذهب البعض الى المطالبة بسجن الثنائي الساخر، بينما وضعه البعض الآخر ضمن إطار الحرية في التعبير، وزعم هؤلاء أنّ المحتوى ساخر وكوميديا سوداء، فيما وجد آخرون أنّ المشكلة تكمن في التوقيت.. ذلك أنه لم تمر ساعات أو أيام على إكتشاف العصابة المجرمة، حتى ظهرت الحلقة في مواقع التواصل. وتصاعدت المطالب بمراعاة شعور الضحايا، على قاعدة أنه لا يصح في هذه الحالة تناول هذه الحادثة بطريقة ساخرة. 

مسؤولية حماية الضحايا
والثغرة في النقاش، أنه لم يراعِ الاختلاف في محتوى القضايا التي أثارت السجال أخيراً، ولا تزال تدور حول الحرية وإطارها في العمل الكوميدي، والأخلاقيات التي تحكمها.. ويتوسع السؤال الى الجهات المسؤولة والمعنية بتنظيم وتحديد الأطر للمحتوى الفني المنتشر في "السوشيال الميديا".

في المبدأ، تحتل الكوميديا مساحة فريدة من نوعها في المجتمع، وتعد، عُرفاً، وسيلة للترفيه والتعليق الاجتماعي المؤثر. يستخدم الكوميديون الفكاهة لقول الحقيقة للسلطة، وقد تمكّن عدد كبير من هذه الفئة من كسر الحدود وتجاوز الأعراف وكسر الحواجز التي تفرضها القيم في المجتمع أو الحدود المرسومة للتعاطي مع السلطة السياسية، كما يقدم الكوميديون محتوى يساعد للخلاص من المشاكل والهموم والتقلبات العاطفية والاجتماعية والاقتصادية في الحياة. تتيح لهم حرفتهم تخطي الحدود وإثارة تفكير أعمق من خلال الضحك، وإثارة الفرح، والمحادثات، وأحياناً تقديم وجهات نظر جديدة ونقدية. 

مع هذه الحرفة، تأتي المسؤولية، ذلك أن الكوميديا يُفترض أيضاً أن تحمل تأثيراً ثقافياً هائلاً. وعلى هذا النحو، يرى البعض أن على الكوميديين تحقيق توازن دقيق بين الحرية الإبداعية والنزاهة الأخلاقية، خصوصاً عندما يتقاطع عملهم مع القضايا السياسية والاجتماعية.

كوميديا سوداء
وفي هذا السياق، تشرح وداد جربوع، الصحافية والباحثة في "مؤسسة سمير قصير" (سكايز) بالقول: "الإطار الذي تم وضع هذه المادة فيه، يندرج ضمن الكوميديا السوداء، وهي نوع من الكوميديا التي تدور حول مواضيع مثل الانتحار، المخدرات، العنف، الجريمة وغيرهم من المواضيع الحساسة"، وتضيف خلال مقابلتها مع "المدن": "صحيح أن هذا النوع من الكوميديا يتطلب مساحة أكبر من الحرية، لكن كتابة هذا السيناريو أو هذا المحتوى ليست بالمهمة السهلة"، وهنا تؤكّد جربوع أنّه "يجب على الشخص المعني بكتابة السيناربو التمتّع بالمهارة الكافية والذكاء الحاد تحديداً في تناول التقاطعات الصادمة والمُضحكة في الوقت ذاته".

وتكمل جربوع: "صحيح أن الحق في التعبير الفكاهي هو حق حيوي للمجتمعات الديموقراطية، ولكن عندما تتحوّل النكتة من وسيلة للتعبير إلى التحريض على العنف وبث خطاب الكراهية، ففي هذه الحالة لا بد من وضع ضوابط معينة كي لا يتحوّل موضوع مثل إغتصاب الأطفال إلى موضوع كوميدي، لأن هذا الأمر غير مقبول، وتترتب عليه آثار مجتمعية ويحمل في طياته تحفيزاً على قتل الأطفال الذين تعرّضوا للاغتصاب وبلغوا عن المجرمين، وهنا يتخطى الأمر حرية التعبير ويصب في إطار الأذى والعنف". 

مساءلة
يغيب عن النقاش دور الجمهور. ثمة مسؤولية في تحديد المعايير داخل الكوميديا. ويعد انتقاد الجمهور البنّاء، دافعاً اساسياً للكوميديين للتطوير والتحديث، بدلاً من مجرد إلغائهم، كما يساعد في إبقائهم عرضة للمساءلة. ويوفر التفاعل من جانب المعجبين ضغطاً لتحقيق النزاهة في الكوميديا، ومنعها من التحول أداة للتطبيع مع العنف والجريمة.

لذلك، يصبح تحقيق التوازن بين الحرية الفنية والمسؤولية الاجتماعية، خصوصاً في ظل سطوة العالم الرقمي، ضرورة لضمانة استمرار هذا الشكل الفني الحيوي، ولا تقتصر وظائفه على الترفيه، بل تتعداه الى التوعية وحماية الفئات المهمشة والاكثر ضعفاً من الآفات المجتمعية وسبل معالجتها.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها